تدخل الناتو بليبيا ـ سقط الديكتاتور وتعسرت ولادة الديمقراطية
١٩ مارس ٢٠٢١كان من المفترض أن تؤدي الاحتجاجات الليبية التي اندلعت قبل عشر سنوات إلى نقطة تحول هناك. ففي شباط/ فبراير من العام 2011 نزل الليبيون إلى الشوارع ضمن موجة "الربيع العربي" للاحتجاج على نظام الحكم المستبد لمعمر القذافي، الذي تمسك بالسلطة لأكثر من 40 عاماً، منذ عام 1969، وحكم البلاد بيد من حديد. وسرعان ما أدت الاحتجاجات إلى مواجهة عسكرية، كما شهدت المنظومة العسكرية انشقاقات في صفوفها وانضمت للمتظاهرين.
ومع تصاعد أعمال العنف هناك. أذنت الأمم المتحدة للمجتمع الدولي في 17 مارس/ آذار، بالقيام بعمل عسكري بهدف حماية السكان، وهو ما شكل بالتالي دعما لمعارضي القذافي. وبعد يومين فقط من القرار الأممي، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الغارات الجوية ضد قوات القذافي. وفي 31 آذار/ مارس، تولى حلف شمال الأطلسي قيادة العمل العسكري هناك.
دعم حلف الناتو قوات المعارضة عن طريق طلعاته الجوية. وبعد أشهر استولى الثوار في أكتوبر/تشرين الأول 2011، على مدينة سرت مسقط رأس القذافي، حيث قتل متمردون رئيس الدولة الهارب، وانتشرت صورة القذافي الملطخة بالدماء في أرجاء العالم.
خيبة الأمل
وزير الخارجية الألماني في ذلك الوقت غيدو فيسترفيله صرح وقتها أن وفاة القذافي بدت للسياسيين الغربيين كفرصة لبداية جديدة وقال: "نأمل أن يتمكن الشعب الليبي الآن بعد عقود من الديكتاتورية من فتح فصل جديد سلمي وديمقراطي". وتابع "نحن نقف إلى جانب ليبيا الجديدة لتحقيق مستقبل أفضل ".
بيد أن هذه الآمال لم تتحقق: فالعنف في ليبيا لم يتوقف، بل أدى إلى حرب أهلية دامت لسنوات. ويمكن القول أن "الناتو لم يحقق سوى نجاحا محدودا فقط عبر عملياته في ليبيا، بحسب توماس كلايس، المسؤول عن ليبيا في مؤسسة فريدريش إيبرت بتونس، ويرى أن هذه العمليات ساهمت في وقف الانتهاكات الفورية لنظام القذافي ضد شعبه أو على الأقل في تضاؤلها، كما أنها ساهمت في تقصير أمد الصراع وبالتالي إنقاذ الأرواح.
بيد أن المشكلة ظهرت بحسب كلايس عندما "لم تتمكن ليبيا من الاستقرار". لا بد من القول إن زعزعة استقرار البلاد اليوم هي نتاج لسياسات وجرائم عهد القذافي، وليس لتدخل حلف شمال الأطلسي فقط ".
معاناة المهاجرين
الحرب الليبية لم تؤثر على أعداد اللاجئين والمهاجرين الكثيرة المتواجدة على الأرض الليبية. وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو 600-700 ألف منهم في ليبيا، معظمهم من إفريقيا. وكان الكثير منهم يعتزمون في الأصل البقاء في ليبيا، إذا انتهت الحرب، وكان من المتوقع أن يتم العثور على فرص عمل جيدة في هذا البلد الغني بموارد نفطية هائلة. ومع ذلك، ومع استمرار العنف في البلاد، تزايدت أعداد الباحثين عن فرصة لدخول أوروبا.
وأثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، اعترض خفر السواحل الليبي العديد من هؤلاء اللاجئين واقتيدوا إلى مراكز الاحتجاز. يقول توماس كلايس: "هناك العديد من التقارير عن انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. وهناك أيضا مخيمات أخرى تديرها الميليشيات. "إن مراقبتهم من قبل منظمات حقوق الإنسان أمر غير ممكن. وحالة الأشخاص المحتجزين هناك صعبة في المقابل. وعموما، منذ بداية انتشار وباء كورونا، تفاقمت حالة معاناة اللاجئين بسبب إغلاق الحدود في أوروبا".
الاتفاق السياسي في جنيف
وفي الأشهر الأخيرة، وتحت رعاية الأمم المتحدة، تمكنت الأطراف الليبية من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار - ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعضها ربما أدرك الآن أن ليبيا أصبحت منذ فترة طويلة مسرحاً لنزاع دولي يشمل قوى خارجية مثل تركيا وروسيا. وبدون اتفاق سياسي، يمكن أن تتفكك البلاد، مثل سوريا، تماماً. ويتعرض الشعب الليبي أيضا لضغوط متزايدة.
في بداية فبراير/ شباط، حققت الأطراف الليبية المتصارعة إنجازاً كبيراً في مؤتمر للأمم المتحدة: فقد انتخب المندوبون - الذين من المفترض أنهم يمثلوا الشعب الليبي بأكمله -حكومة مؤقتة تضم جميع ليبيا. ويتمثل هدفها الرئيسي في التحضير للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في كانون الأول/ديسمبر 2021. وبالإضافة إلى ذلك، سيدخل دستور جديد وحق جديد في التصويت حيز النفاذ بحلول ذلك الوقت.
ويقول توماس كلايس إن خارطة الطريق هذه تشير أساسا إلى اتجاه إيجابي. ومع ذلك، هناك أيضا عدد من المشاكل. ويواجه رئيس الوزراء الجديد عبد الحميد دبيبة منذ عدة أيام مزاعم بالفساد، وفقا لورقة سرية للأمم المتحدة. وهو متهم بشراء أصوات بعض المندوبين. وينفي دبيبه هذه الادعاءات. وبحسب الخبير الألماني فإن هذه الادعاءات لو صحت فسيعزز ذلك الانطباع لدى البعض أن ريس الوزراء الجديد متمسك بالسلطة ويريد البقاء في منصبه لفترة أطول من ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي.
الحكومة الجديدة ومحاربة الفساد
والأمر المؤكد هو أن رئيس الوزراء الجديد قد وسّع حكومته بشكل ملحوظ على الأقل: فهي تتألف من نحو 30 وزيراً. والهدف من ذلك كما يرى كلايس محاولة الدبيبة إرضاء جميع الأطراف الليبية المتنازعة، ويتم ذلك عن طريق التوظيف والاستفادة من الموارد المالية. فالأمر أشبه بأن كل مجموعة تتولى وزارة من أجل الاستفادة من أموال الدولة، بحسب كلايس.
وعلاوة على ذلك، لا يستبعد الخبير الألماني أن يتمكن البرلمانيون الليبيون الذين هم في مناصبهم منذ عام 2014 من الضغط على الحكومة الجديدة أيضاً من أجل الإبقاء على ولاياتهم القديمة حتى كانون الأول/ ديسمبر. وسيكون الدافع وراء ذلك الحصول على المزيد من موارد الدولة، وبالتالي فإن الفساد سيبقى ظاهرا ولن يكون بالإمكان محاربته.
ويبدو أن الاستقرار والسلام، الذي هو الهدف الرئيسي لمستقبل ليبيا حالياً، يبرران ذلك. لكن الاحتجاجات ضد القذافي وتدخل حلف شمال الأطلسي في الأزمة الليبية قبل عقد من الزمن كان لهما أهداف سياسية أكثر طموحاً.
كيرستن كنيب / (ع.أ.ج)