تركيا تسعى لدور أكبر في منطقة الشرق الأوسط
توجه رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان إلى تل أبيب بعد ظهر أمس الأحد، وبعد وصوله الى مطار ديفيد بن غوريون الدولي حضر حفل استقبال رسمي على شرفه يقيمه الرئيس موشي كاتساف في القدس، بعدها التقى رئيس الحكومة ارييل شارون ونائبيه شيمون بيريز وايهود اولمرت. وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى لأردوغان إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وتأتي بعد توتر شديد في علاقات تركيا مع إسرائيل إبان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، حيث هاجم اردوغان إسرائيل آنذاك متهماً إياها بأنها السبب الرئيسي وراء تعثر عملية السلام. واستدعت إسرائيل دبلوماسيين تركيين لفترة وجيزة في العام الماضي فيما اعتبر احتجاجا على تصريحاته.
ورغم التوترات الأخيرة التي شابت علاقات البلدين إلا أن تركيا حليف رئيسي لاسرائيل في المنطقة، وهي من الدول القلائل في المنطقة التي على علاقة طيبة مع كل من طرفي النزاع في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي تحاول تركيا استغلاله لدفع جهود احياء السلام. وقد تعهد أردوغان بالمساعدة في التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وصرح لصحيفة تركية قائلاً: "يمكننا بفضل علاقاتنا الخاصة مع الجانبين أن نمثل قيمة مضافة لمثل هذه الجهود".
علاقات مركبة
تمثل زيارة اردوغان لإسرائيل دفعة لإنعاش العلاقات بين البلدين. وقد بلغت العلاقات التركية الإسرائيلية ذروتها عام 1996 بعد أن وقع الجانبان اتفاقا للشراكة العسكرية، وقد أدى هذا الاتفاق لإثارة غضب الكثير من الدول العربية آنذاك. ثم أخذت العلاقات التركية الإسرائيلية في أخذ شكل تجاري واقتصادي، ووصل حجم التجارة فيما بينهما إلى ملياري دولار سنويا. كما قالت صحيفة هاارتس الإسرائيلية إن زيارة أردوغان ستتضمن توقيع صفقات سلاح كبرى منها صفقة قيمتها بين 400 و500 مليون دولار لتحديث طائرات حربية تركية. ولم يستطع كثيرون في الدول العربية استيعاب هذه العلاقات، فتركيا دولة علمانية ذات أغلبية مسلمة يحكمها حزب مقرب من التيار الإسلامي، واسرائيل علاقاتها مقطوعة مع معظم جيرانها. غير أن سياسة الإسلام العملي التي تنتهجها تركيا أظهرت فعاليتها، فهي سمحت لتركيا بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف طوعتها لمصلحتها الاقتصادية، دون أن تدخل طرفاً في الصراع.
ولفهم أفضل للعلاقات التركية الإسرائيلية ينبغي وضعها في الإطار الدولي الأوسع، فتركيا عضوة في حلف شمال الأطلسي وتربطها علاقات جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية خاصة على خلفية تواجد الأخيرة في العراق، كما أنها بصدد مباحثات شاقة بشأن طلب التحاقها بالاتحاد الأوروبي. والعلاقة مع اسرائيل ترفع من أسهمها في المفاوضات الأوروبية، كما تسمح بدعم من حليفة إسرائيل الأساسية الولايات المتحدة الأمريكية. من ناحية أخرى قد يرى الاتحاد الأوروبي في تركيا سفيراً مسلماً يتحدث بلسانه في مسألة الشرق الأوسط مما يزيد من وزن الإتحاد الأوروبي في اللجنة الرباعية، كما قد تنعكس الإصلاحات التي يتحتم على تركيا القيام بها للانضمام للاتحاد الأوروبي على جيرانها من الدول المسلمة. لذلك فالعلاقات التركية الإسرائيلية ليست فقط علاقات إقليمية لكنها تأخذ أبعاداً أكبر. وفي هذا الإطار قال مارك ريجيف المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية "إن حقيقة ارتباطنا بعلاقات طيبة مع تركيا وزعيمها الحالي تظهر إمكانية تغيير الشرق الأوسط".
دور تركيا في عملية السلام
يصل اليوم رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وستتركز مباحثات اردوغان مع ابو عباس على عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث ترى تركيا أنها قادرة على لعب دور ايجابي في عملية السلام بفضل علاقاتها الجيدة بكافة الأطراف. وطالب اردوغان بهذه المناسبة إسرائيل بالتنسيق مع الفلسطينيين لتنفيذ خطة الانسحاب من غزة. ويعول الفلسطينيون على دور تركيا الإقليمي والدولي الهام لإعطاء دفع لعملية السلام مع إسرائيل. وقال مجدي الخالدي، مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لوكالة فرانس برس "رئيس الوزراء التركي ضيف هام وتركيا دولة صديقة وزيارته تأتي في إطار سعي جاد لدفع عملية السلام ولدور أوسع لتركيا في الشرق الأوسط وفي دعم الفلسطينيين في هذا الوقت الهام". وأضاف: "تركيا من منطلق كونها دولة إسلامية ومن دول حوض البحر المتوسط حريصة على الانخراط أكثر في تطورات الأمور الخاصة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني ودعم الجهود الخاصة بإنهاء النزاع والتوصل إلى سلام عادل".وسيلتقي اردوغان الذي يرافقه وفد كبير يضم عددا من الوزراء وموظفين كبارا وأعضاء برلمان من أحزاب مختلفة وحوالى مئة من رجال الأعمال، الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه احمد قريع. وإضافة إلى لقاءاته السياسية الرسمية من المتوقع ان يقوم اردوغان بزيارة إلى المسجد الأقصى في القدس بالتنسيق مع سدنة الحرم القدسي. وسيرعي اردوغان خلال زيارته الى رام الله حفل افتتاح مكتب لوكالة التعاون الدولي التركية في الأراضي الفلسطينية.
سعى رئيس الوزراء التركي أردوغان لإقامة علاقات أوثق مع العالم العربي دون تغيير توجهات تركيا التقليدية الموالية للغرب. وشهدت الفترة الأخيرة طموحاً تركياً للعب دور أساسي في الشرق الأوسط، فبعد التقارب التركي السوري أبدت تركيا استعدادها للعب دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا، وذلك لدفع جهود السلام بين البلدين. كما استضافت تركيا مطلع الأسبوع الماضي اجتماعاً لدول جوار العراق ضم كل من الأردن والكويت والسعودية وسوريا وإيران، وناقش الاجتماع القلق العراقي من تسلل المقاتلين عبر حدود الدول المجاورة، كما أظهرت كل من تركيا وسوريا وإيران قلقها من النفوذ المتعاظم للأكراد في شمال العراق.