تركيا وإيران، عمق بديل للعراق
١٣ مايو ٢٠١١تعيش المنطقة ربيعا صار يسمى بربيع الحرية. هذا الربيع أثّر في العراق إلى حد ما لكنه لم يحدث تغييرا جوهريا فيه، ربما لأن التغيير الجوهري قد وقع في العراق عام 2003، وقد يكون هو الذي قاد إلى التغييرات الحالية في المنطقة.
العراق يواجه نهاية هذا العام تحديا جديدا يتمثل في مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية لأراضيه. هذا التحول الاستراتيجي في ظل ابتعاد العرب عن العراق ورفضهم دعوات عقد القمة في بغداد سيخلق في البلد فراغا سياسيا واستراتيجيا كبيرا، ولكن خصوصية الموقع الجغرافي لهذا البلد قد تجعله يتفاعل مع جيرانه الإقليميين من غير العرب، وهكذا فإن تركيا وإيران هما المرشحتان لملأ الفراغ السياسي. وهذا في المستقبل سيؤثر في ارتباط البلد بالمنظومة السياسية العربية. فإلى أي حد سيكون الدور التركي الإيراني مؤثرا في المشهد العراقي في المرحلة المقبلة؟
"إيران والعراق: علاقة مذهبية لا يمكن تجاهلها"
ويبدو أن البعض يرى في إيران اللاعب الأقوى في العراق بعد رحيل القوات الأمريكية عن العراق نهاية هذا العام. وفي هذا الصدد شارك في الحوار من طهران د. محمد صالح صدقيان مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية مؤكدا أن دول جوار العراق تنظر إلى دورها فيه من منظار مصالحها الوطنية والقومية، ومن منظار الدور الذي تريد أن تلعبه في الأمن الإقليمي.
صدقيان أشار إلى أن إيران وتركيا عانتا من سياسات النظام العراقي السابق وتأثرتا بها وطالما تطلعتا إلى أن يعيش العراق حالة تصالح وسلام مع شعبه ومع جيرانه. ولم ينكر الخبير الإيراني أن لبلاده مصالح في هذه المنطقة مشيرا إلى أنها تريد أن تكون 1400 كم من حدودها مع العراق آمنة مستقرة وليس كما كانت في ثمانينات القرن الماضي، كما أن إيران تريد أن يعيش العراق بشكل ديمقراطي، وخلص إلى القول أن إيران تتطلع إلى علاقات أعمق وأوسع مع العراق بعد رحيل الولايات المتحدة الأمريكية عن أراضيه.
ولفت صدقيان أن على المراقب أن لا يغفل أو يتجاهل الروابط المذهبية بين الشعبين، حيث تضم إيران مراقد مقدسة يتطلع ملايين العراقيين إلى زيارتها والتبرك بها، كما يضم العراق مراقد مقدسة يشعر ملايين الإيرانيون بارتباط روحي بها. هذه الروابط ستضيف بالتأكيد خصوصية أخرى مهمة للعلاقات بين البلدين وبين الشعبين.
د صدقيان ، لفت الأنظار إلى أن حكومات العراق بعد عام 2003 لم تعرّف بشكل واضح وقطعي علاقتها بدول الجوار الإقليمي- إيران وتركيا- وهي ما زالت تتخبط في رسم هذه السياسة.
اعتراضات كثيرة على الدور الإيراني
رغم كل هذه الحقائق ،فإن مكونات كثيرة من المشهد السياسي في العراق ترى جوانب سلبية وسيئة في التقارب مع إيران، وتعتقد هذه المكونات أن التقارب يتم في الغالب على حساب مصالح العراق. يشير هؤلاء إلى أمثلة كثيرة في هذا الخصوص، آخرها ملف معسكر أشرف وإصرار السلطات العراقية على إغلاقه استجابة لضغط الحكومة الإيرانية التي يزعجها وجود المعارضين على مقربة من حدودها. وفي هذا السياق، أكد د. منذر الفضل الخبير الدستوري والقانوني والأستاذ المحاضر حاليا في الجامعة الأردنية بعمان أن نظام صدام حسين هو المسؤول قطعا عن حرب السنوات الثمان بين العراق وإيران حيث دفع شعبا البلدين دماء وأموالا طائلة ثمنا لها، كما أنها خلّفت ندوبا في العلاقات بين البلدين قد يتطلب إزالتها عقودا عديدة من الزمن.
لكن د. الفضل عاد ليستدرك بالقول:" أن نبرة العراقيين عموما تجاه الدور الإيراني في العراق أكثر سلبية من نبرتهم تجاه الدور التركي، فالدور التركي له بعد إيجابي" وأشاد د.الفضل بما قاله د صدقيان لكنه عاد ليؤكد أن هذا القول لا يجد له مصداقا على الأرض، فالدور الإيراني في جنوب ووسط العراق دور مخرّب ومضر وغير محايد.
وفي اتصال هاتفي من بغداد ذهب أبو هديل إلى أنه " لو امتلك العراق سياسيون بارعون يخططون للمستقبل بعد خروج القوات الأمريكية لما احتجنا إلى تدخلات إيرانية أو تركية ولما احتجنا إلى مجرد التفكير بما يمكن آن تؤول إليه هذه التدخلات. وأكد أبو هديل أن التدخل الإيراني سلبي ومعروف، والشعب العراقي لا يحب و لا يحبذ هذا التدخل. أما الدور التركي في العراق فما زال ضعيفا جدا ".
تركيا والعراق: تاريخ ما زال طريا
من جانب آخر فان علاقة تركيا بالعراق ترتبط بتاريخ قريب، حيث كان العراق 3 ولايات( بغداد والبصرة والموصل) يحكمها ولاة عثمانيون حتى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914، و في عصر أردوغان والحكومات الإسلامية الليبرالية تشهد تركيا اهتماما متجددا بالمشهد العربي عموما وبالعراق على وجه الخصوص. خصوصية العراق تأتي من موقعه الجغرافي الذي يحدّ جنوب تركيا ومن حقيقة أن قواعد حزب العمال الكردستاني تتخذ من أراضي إقليم كردستان العراق قواعد لها.
وفي معرض شرحه للموقف التركي قال د. حسني محلي ، الخبير في الشؤون التركية والإعلامي في الفضائية التركية الذي دخل الحوار من من اسطنبول" إن تركيا تعيش حالة منافسة طبيعية مع إيران بشأن العلاقة مع العراق وهي منافسة سلمية. وكان رفض تركيا لانطلاق عمليات تحرير العراق من أراضيها عنصرا يدعم موقفها الحالي ويسهّل لها أن تقترب من المشهد العراقي وهي تحافظ على مسافة واحدة من جميع مكونات المشهد وتقيم معها علاقات وطيدة وقوية جدا.
وفي الوقت الحالي فإن جميع الأطراف العراقية مقتنعة تماما أن تركيا لا تمتلك أجندة خاصة سرية أو علنية تتعلق بالعراق ومستقبله، لأن ما يهم تركيا في الدرجة الأولى - والكلام دائما للخبير د.محلي - هو وحدة العراق. السياسية والجغرافية. وعلينا أن لا ننسى وجود حزب العمال الكردستاني الذي يمتلك أكثر من 5 آلاف مقاتل مقيمين في كردستان العراق، ولم تفلح تركيا في إقناع حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد والإدارة الأمريكية بإنهاء ملف هذا الحزب، لكن هذا لم يمنع الحكومة التركية من إقامة علاقات اقتصادية وسياسية استراتيجية مع حكومة إقليم كردستان ومع حكومة بغداد.
مخاوف الخليج
غير بعيد عن العراق وإيران وتركيا، أعلن مجلس التعاون الخليجي أنه يبحث في ضم المغرب والأردن إليه مستقبلاً. وفي حديث مع دويتشه فيله اعتبر حسني عبيدي مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف أن ضم مجلس التعاون الخليجي لدول أخرى لا تمتلك حدودا جغرافية معه إليه يأتي نتيجة العواصف التي تضرب منطقة الشرق الأوسط والخليج، والأمن الإقليمي يعاني من خطر دائم يمثله التهديد الإيراني. وتعززت المخاوف- والحديث لحسني عبيدي- بعد أن وصلت دول مجلس التعاون إلى قناعة مفادها أن الولايات المتحدة والدول الغربية مستعدة أن تضحي بأقرب حلفائها إذا وصلت حمى الديمقراطية إلى الدول القريبة منها سياسيا وأمنيا.
ملهم الملائكة
مراجعة: منى صالح