تزايد الاعتداءات على الحريات بأياد فلسطينية في الضفة وغزة
٨ ديسمبر ٢٠١٠يُعتبر تدهور أوضاع الحريات العامة من أبرز المواضيع التي لا يتم التطرق إليها في الأراضي الفلسطينية. وقد ربط المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ذلك بالانقسام الفلسطيني- الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس. وفي إطار هذا التدهور شهدت الأراضي الفلسطينية اتساع نطاق انتهاك هذه الحريات من قبل الطرفين المذكورين على نحو غير مسبوق، حيث قام كل منهما بالانقضاض على أنصار ومؤسسات الطرف الأخر، وهنا تذكر التقارير الصادرة عن المركز تعرض نشطاء حركة فتح ومؤسساتها لاعتداءات من قبل أجهزة الأمن وكتائب القسام التابعة لحركة حماس في قطاع غزة، وعلى الطرف الأخر تعرض نشطاء حركة حماس والمؤسسات التابعة لها لاعتداءات مماثلة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية وكتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية. وفي مقابلة مع "دويتشه فيله" ذكر مسئول وحدة الديمقراطية والحقوق المدنية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان حمدي شقورة بأن هذا السلوك "يزيد حدة أزمة الحريات العامة وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية".
بعض أوجه مآسي حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية
وفي لقاءات أجرتها دوتشه فيله مع عدد من الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، قال الصحفي حسن الطيبي: "تم استدعائي حتى الآن أكثر من ست مرات من قبل أجهزة أمن حركة حماس، وفي كل مرة لا أعرف لماذا، وقد تعاملت هذه الأجهزة معي بكل سوء". وبدورها أكدت الناشطة الشبابية زينب راغب على استدعائها عدة مرات من قبل أجهزة الأمن التابعة لحركة حماس في غزة أو ما يسمى الأمن الداخلي على خلفية مشاركتها في مسيرات سلمية، أو أنشطة ثقافية تعتبرها هذه الأجهزة حرام بسبب الاختلاط بين الذكور والإناث. وفي أطار أخر أكد الناشط الاجتماعي توفيق سليم بأن أجهزة حركة حماس تحاول أن تفرض أيدلوجية إسلامية، "إذ سألتنا عدة مرات عن مظاهر الاختلاط، وأكدت لي رفضها لها، وطلبت مني بطريقة غير لائقة أن أحاول تجنب الاختلاط في نشاطات مؤسستي أو النشاطات التي أقوم بها". وهنا أشار حمدي شقورة مسئول وحدة الديمقراطية والحقوق المدنية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى أن " المركز يعتبر حالة حقوق الإنسان في فلسطين من سيء إلى أسوء خاصة بعد الانقسام الفلسطيني الداخلي في يونيو/ حزيران 2007" وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأحداث الداخلية الفلسطينية في ذلك العام أدت إلى مقتل نحو 500 شخص، بينهم 47 امرأة و 45 طفلا. كما أصيب أكثر من 2220 مواطنا بجروح. ورافق هذه الأحداث حسب المركز انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
تزايد المخاوف من إبداء الرأي
ومع استمرار الانتهاكات ضد الحريات العامة أصبح الصحفي والكاتب والمواطن الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية تحت ضغط وخوف شديدين عند الكتابة أو إبداء الرأي. وزاد من هذا الخوف تواصل الاعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعية في إطار الاقتتال الداخلي بين حركتي فتح وحماس حسب وثائق مركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان و "هيومن رايتس وتش". ومن أخطر هذه الاعتداءات مقتل الصحفيين سليمان العشي ومحمد عبدو اللذين عملا في صحيفة فلسطين اليومية. كما تم اختطاف الصحفي البريطاني ألان جونسون في قطاع غزة، وطُُلب من عدة صحفيين أجانب الخروج من القطاع ومن بينهم الصحفية الإسرائيلية أميرة عاس.
ويقوم كل من الطرفين الفلسطينيين المتنازعين بمنع عمل أي صحيفة أو مراسلين من الطرف الآخر في المناطق التي يسيطر عليها، وعليه فإنه لا يُسمح حتى الآن لمراسلي إذاعة وتلفزيون الأقصى التابعين لحكومة حركة حماس العمل في الضفة الغربية، وبالمقابل تمنع الحركة عمل مراسلي وطاقم تلفزيون فلسطين من العمل في قطاع غزة. من جهة أخرى نفى المتحدث الرسمي في وزارة الداخلية بقطاع غزة ايهاب الغصين في حديث مع دويتشه فيله الاتهامات الموجهة لحركة حماس بتضييق الحريات معتبرا بأن ما يتم "سرده عبارة عن ادعاءات وحرب معلنة على حكومة القطاع".
ويزيد من معاناة الصحفيين الفلسطينيين حسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان و "هيومن رايتس ووتش" قيام القوات الإسرائيلية بأخذ معدات العديد منهم ومنعهم من تغطية الأحداث أو حتى اعتقالهم. ويتعرض الصحفيون في قطاع غزة لاعتداءات بشكل أسفر عن مقتل عدد منهم أمثال فضل شناعة وعلاء مرتجى وجلال نشوان وايهاب الوحيدي وباسل فرج وعمر السيلاوي. وقصفت القوات الإسرائيلية مقرات صحفيين ووكالات أنباء في قطاع غزة أثناء الحرب الأخيرة عام 2009.
مبادرات أهلية لمواجهة التعديات على عمل المؤسسات
بعد الانقسام الفلسطيني في يونيو 2007 تم إغلاق عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي هذا الإطار أكد مهيب شعت المدير التنفيذي لمنتدى "شارك" الشبابي الذي له علاقة قوية مع مؤسسات ألمانية ودولية مهتمة بالعمل مع الشباب في فلسطين والعالم أنه " تم الهجوم على المنتدى وإغلاقه بكافة فروعة في قطاع غزة بشكل مخالف للقانون"، ورأت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أن هذا السلوك يخالف قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 الذي ينص في المادة (41) منه على"عدم جواز وضع اليد على أموال أي جمعية أو هيئة أو إغلاق أو تفتيش مقرها أو أيا من مراكزها وفروعها إلا بعد صدور قرار من جهة قضائية متخصصة". وذكر شعت أنه تمت مصادرة أجهزة كمبيوتر وأدوات تخص المنتدى، وتم استدعاء كثير من الموظفين إلى مقر الأمن الداخلي عدة مرات للتحقيق معهم". غير أن المتحدث باسم وزارة الداخلية في قطاع غزة إيهاب الغصين رد على ذلك بالقول أن "هناك قضايا جنائية يتم التحقيق فيها وسوف يتم الإعلان عنها لاحقا، وأي اتهامات من قبل مراكز حقوق الإنسان هي اتهامات غير موضوعية"، وحسب الغصين فإن "عمل مراكز حقوق الإنسان أصبح يركز على الجانب الإعلامي أكثر منه على الجانب الحقوقي، إعلامي أكثر من أن يكون حقوقي، ودعا الجميع لتوخي الحذر في أخذ المعلومات عن طريقها".
وفي اطار أخر أكد حمدي شقورة من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن" الحكومتين في قطاع غزة والضفة الغربية يتفقان على أدوات انتهاك القانون، وأشار الى أن هناك ملاحظات لدى المركز تدعوا للقلق من أن "السلطات في غزة تسعى إلى إلزام المجتمع بأيديولوجية أسلامية معينة من خلال محاولة فرض الزى الشرعي على المحاميات ومحاولات رسمية وغير رسمية لفرض الجلباب على فتيات المرحلة الثانوية،ومساعي لمنع النساء من تدخين الشيشة/ النرجيله في غزة".
وكرد على الانتهاكات ضد الحريات العامة وحرية الرأي تم إنشاء اللجنة الشبابية لمناصرة منتدى "شارك" الشبابي والجمعيات الأهلية الأخرى في قطاع غزة بعد أحداث عديدة لم تقتصر على الانتهاكات بل تجاوزتها إلى إلغاء بعض الاحتفالات الثقافية وعروض الأفلام والنشاطات السلمية من قبل سلطات القطاع. وفي هذه الأثناء تحاول الكثير من المنظمات الشبابية ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية العمل على مواجهة التعدي على الحريات العامة التي تقوم به الحكومة في غزة، لاسيما بعد اعتقال 15 شابا خلال الأيام الماضية بعد تظاهرة سلمية قاموا بها للتضامن مع منتدى شارك الشبابي ومطالبة الحكومة في قطاع غزة بفتحه أمام العمل الشبابي والتطوعي في قطاع غزة.
ملاحظة: تم اعتماد أسماء مستعارة للصحفيين والناشطين المجتمعيين بناء على رغبتهم.
ماجد أبو سلامة
مراجعة: ابراهيم محمد