قوة الردع.. ما مدى استعداد الجيش الألماني للدفاع عن الناتو؟
١١ يوليو ٢٠٢٤البداية كانت في عام 1996، عندما وطئت أقدام جنود ألمان مجهزين بمعدات قتالية أراضي دولة أوروبية أخرى، وذلك لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولم يحضر الألمان إلى البوسنة والهرسك باعتبارهم قوات حفظ سلام (ذوي الخوذ الزرقاء) التابعين للأمم المتحدة، بل حضروا بتكليف من حلف شمال الأطلسي.
انزلقت الجمهورية اليوغوسلافية السابقة في أعنف حرب دموية على الأراضي الأوروبية منذ عام 1945، حيث قامت الأقلية الصربية في البلاد وقوات الدكتاتور سلوبودان ميلوسوفيتش في عام 1992 بشن الحرب. وفي ديسمبر/كانون أول 1995 وقعت الأطراف المتحاربة والدول المجاورة ورؤساء دول وحكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الموحدة على اتفاقية دايتون للسلام.
مهمة الناتو في البوسنة: التغيير في الجيش الألماني
قام حلف الناتو بتشكيل "قوة تنفيذية"، وبعد ذلك "قوة الاستقرار"، لتأمين وقف إطلاق النار في الدولة الصغيرة الواقعة في جنوب شرق أوروبا، بمشاركة ألمانية.
يمثل هذا الانتشار أكثر من مجرد بداية لتدخل حلف شمال الأطلسي في دول غرب البلقان: فلم يكن الجيش الألماني خصوصا مستعدا بما يكفي للانتشار في البوسنة الصغيرة ذات التضاريس الجبلية، التي تمتد فيها الوديان الضيقة.
وحتى ذلك الحين، لم تكن ما تسمى بالمهام "خارج المنطقة" جزءا من خطة تدريب القوات المسلحة الألمانية. وفي البوسنة، كان لا بد من توسيع بعض الطرق، وإلا لما حققت المعدات العسكرية الثقيلة أي تقدم.
وخلال الحرب الباردة كان الجيش الألماني داخل حلف شمال الأطلسي مسؤولاً بشكل أساسي عن الدفاع ضد أي هجوم من قبل ما يسمى بدول حلف وارسو. كانت تلك الدول التي تعتبر منطقة النفوذ السوفييتي، والتي شملت أيضا شرق ألمانيا الحالية - جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية.
وهناك فقط كان لدى الاتحاد السوفييتي نصف مليون جندي. إضافة إلى أكثر من 150 ألف جندي قدمتهم جمهورية ألمانيا الديمقراطية من خلال الجيش الشعبي الوطني.
المناورات: استعدادا لصد الهجوم السوفييتي في سهول شمال ألمانيا
في كل عام، كانت مناورات حلف شمال الأطلسي تحاكي سيناريو الهجوم، بالدبابات خصوصا، على مناطق مسطحة في شمال ألمانيا.
كان على وحدات الجيش الألماني المزودة بدبابات قتالية من طراز ليوبارد أن تواجه مثل هذا الهجوم، إلى أن تتمكن القوات الجوية من فرض سيطرة جوية مطلقة ضد مهاجم محتمل من الشرق، وتتلقى القوات الألمانية الدعم من الولايات المتحدة، أكبر دولة في حلف شمال الأطلسي.
ومن أجل هذا الدور المحدد بدقة شديدة داخلحلف شمال الأطلسي، تضاعف عديد جيش ألمانيا الغربية من 249 ألف جندي في عام 1958 إلى 493 ألف جندي في عام 1972، وكان من المفترض أن يكون ذلك أكبر حجم يصل إليه عدد قوات الجيش الألماني.
واستمر الجيش الألماني في الحفاظ على قوة يبلغ قوامها قرابة 480 ألف جندي حتى سقوط جدار برلين. وبعد ذلك ارتفع عدد القوات لفترة قصيرة فقط، وذلك بسبب دمج قوات جيش ألمانيا الشرقية في هياكل الجيش الألماني الاتحادي.
قوام القوات الألمانية: 181 ألفا من الجنود
وبعد مرور عقدين من الزمن على سقوط جدار برلين وانهيار الستار الحديدي الذي فصل بين أوروبا الغربية والشرقية، كان نحو 200 ألف جندي فقط لا يزالون يخدمون في الجيش الألماني. وبحسب إحصائيات وزارة الدفاع الألمانية، فإن عدد أفراد الجيش الألماني بلغ في عام 2023: 181 ألف جندي.
نسبة صغيرة فقط من هذه القوات جاهزة للعمليات القتالية داخل الناتو. لقد تغير الجيش الألماني في حلف شمال الأطلسي مرة أخرى، خاصة مع انتشاره في أفغانستان بعد الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في عام 2001.
الدور القيادي لألمانيا؟
ومنذ الحرب الباردة، تلعب الولايات المتحدة دورا رائدا داخل الناتو فيما لم تقدم أي دولة أخرى على تعزيز قوتها العسكرية مثل واشنطن ذات القوة النووية، إذ ما زال أكثر من مئة ألف جندي أمريكي متمركزين في أوروبا.
بيد أن الحماية الأمريكية في خطر حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حيث هدد الرئيس الأمريكي السابق في أبريل / نيسان الماضي بأنه "سوف يشجع روسيا على فعل ما تريده بأي دولة في الناتو لا تدفع ما يكفي".
وإزاء ذلك، طرح خبراء تساؤلا حيال هل يمكن أن تتولى ألمانيا دورا قياديا داخل الناتو في مقبل الأعوام؟
وفي هذا الصدد، قال شولتس في بيان حكومي منتصف العام الماضي إن الجيش الألماني يجب أن يصبح "ركيزة الدفاع التقليدي في أوروبا والقوة المسلحة الأفضل تجهيزا في أوروبا"، لكنه أقر في الوقت نفسه بأن جيش بلاده ما زال يفتقر إلى العتاد العسكري والقدرات اللازمة للقيام بهذا الدور.
وكان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس قد قال إن القوات المسلحة الألمانية يجب أن تصبح "جاهزة للحرب". إذ تفترض التحليلات أن روسيا يمكن أن تجرؤ على مهاجمة أراضي الناتو في غضون خمس سنوات أو أقل. ومنذ بدء الغزو الكبير لأوكرانيا، تحولت موسكو إلى اقتصاد الحرب.
وبعد ثلاثة عقود من العمليات "خارج المنطقة"، فإن ذخيرة الجيش الألماني لا تكفي للدفاع ضد مثل هكذا هجوم سوى لبضعة أيام فقط.
وينبغي الآن تسليح جيوش الناتو بحيث يصبح الردع ضد روسيا قويا، إلى الحد الذي يجعل جيش موسكو يمتنع عن مهاجمة أراضي حلف شمال الأطلسي في المستقبل. تماما كما كان الوضع طوال أربعة عقود من الحرب الباردة.
أعده للعربية: ف.ي