تعليق: الانتخابات العراقية بارقة أمل؟
من البداهة القول إن المخاطر المحدقة بهذه العملية الانتخابية هي جسيمة بكل معنى الكلمة ولابد من أخذها مأخذ الجد. لكن في حال نجاح المسيرة الانتخابية وحصول البرلمان المنتخب على قاعدة قبول عريضة، قد تحقق هذه الانتخابات على المدىالطويل الهدف المنشود منها، أي أن تشكل بداية لعملية تحول جذرية في المنطقة، إذ أن نجاحها لن يبقى بالتأكيد دون تأثير على الدول العربية المجاورة، وستخشى الأنظمة الحاكمة فيها من أن ترتفع لدى شعوبها هي أيضاً الأصوات المنادية بمزيد من الديمقراطية.
التقيد بموعد الانتخابات هو خطوة صائبة على الرغم من استمرار الاعتداءات الإرهابية وازدياد حدة التهديدات، فتأجيل الموعد كان سيعني لو حصل الانتظار وقتاً أطول كي يستتب الأمن والنظام في العراق ويشكل أيضاً نوعاً من النصر المرحلي لكل تلك القوى التي عقدت العزم على الحيلولة دون حلول تطور يجلب الديمقراطية والاستقرار للبلاد. هذه القوى بالذات لاتخلو ملامحها اليوم من التشوش، فبين الفينة والأخرى تظهر مجموعات إرهابية جديدة وتحت تسميات جديدة، ربما دل هذا على أسلوب معين يهدف الى التضليل وتصعيب ملاحقة تلك المجموعات من خلال زيادة تشعباتها قدر الإمكان. لكن هذا قد يعني أيضاً أن هذه المجموعات قد أخذت تتبعثر وتنقسم على نفسها وأن تأثيرها على الجماهير بدأ يتوارى.
من المحتمل أيضاً أن تكون التطورات الراهنة في المناطق الفلسطينية قد لعبت دوراً بناءً على هذا الصعيد، فإن أفلحت المساعي الحالية في جعل المجموعات الفلسطينية المتشددة تساهم في عملية السلام أو تتوقف علىالأقل عن محاولات إفشالها من خلال العنف، قد يضعف هذا التطور موقف القوى المتطرفة في العراق.
نكون قد بالغنا في التوقعات إن انطلقنا من كون الانتخابات ستجعل العراق ينعم على وجه السرعة بالسلام والاستقرار، فعمليات من هذا النوع تحتاج الى كثير من الوقت لاسيما في بلاد مثل العراق لم تنعم يوماً منذ استقلالها لا بالحرية ولا بالديمقراطية، وساستها لايتمتعون بأي خبرات عملية حول كيفية إحلال توازن بين مختلف المجموعات الدينية والعرقية بطريقة ديمقراطية ونابعة عن مفاهيم المجتمع المدني.
لايجوز الغفلة هنا عن كون أبناء العراق قد رزحوا طيلة مايزيد على ثلاثين سنة تحت نير واحد من أفدح المستبدين بطشاً، ديكتاتور جرهم الى حربين دمويتين لاطائل منهما ضد إيران والكويت، وأن كثيرين منهم تعرضوا الى الملاحقة السياسية أو اضطروا الى الفرار، وأن أعداداً كبيرة من العراقيين الأكراد قتلوا بالغاز السام وبأبشع الصور. لاننسى هنا العقوبات الاقتصادية الأممية التي فرضت طيلة عشر سنسن على العراق جاعلة أبناءه يتضورون جوعاً ودون أن تؤثر بشئ على الديكتاتور صدام حسين.
إعادة بناء العراق لابد أن تمر لفترة طويلة بصعوبات كبيرة، ومع ذلك يشع شعور بالأمل، هذا الأمل معلق أيضاً على تلك النخبة من المهاجرين العراقيين، الذين كانوا قد فروا من طغمة الاستبداد. هؤلاء ممن يوجدون بأعداد كبيرة في أوروبا وجمعوا خبرات واسعة في حقل الديمقراطية، يتحينون الآن الفرصة المناسبة لوضع هذه الخبرات في خدمة الوطن وإخراجه من الفوضى كي يتحول على المدىالطويل الى بلاد ديمقراطية تنعم بالاستقرار.