تفشي ظاهرة بيع الفياغرا والمنشطات الجنسية في العراق
٢٩ يناير ٢٠١٢لم يكن لؤي زياد محمد يعلم بأن ليلة دخلته على زوجته ستغير من مسار حياته وتجلب له معاناة ومتاعب صحية. محمد رجل في العقد الرابع من العمر ويسكن في منطقة السيدية في العاصمة بغداد، ويقول إنه يعاني من مرارة "الألم والندم" منذ ثلاثة أعوام. بعد أن رفض محمد في البدء الحديث عن هذا الموضوع لما له من آثار نفسية على الرجل الشرقي، أخذ يروي تفاصيل "ليلة زفافه المحزن"، كما يصفه. ويقول محمد: "في تلك الليلة نصحني أحد الأصدقاء بتناول حبتي فياغرا قبل الدخول في عش الزوجية لكي تزيد من طاقتي الجنسية، لكن سرعان ما شعرت بتزايد ضربات القلب حتى أغمي علي، ولم أفق إلا على سرير المستشفى وعرفت أنني أصبت بجلطة قلبية". ويضيف محمد، الذي يراجع إحدى مستشفيات العاصمة بغداد بصورة شهرية لاستلام علاجه الخاص بالأمراض المزمنة: "من المحتمل أن تكون هاتان الحبتان اللتان تعاطيتهما في ليلة زفافي مغشوشتين صناعياً".
إدمان "الحبة المباركة"
"صادقت حبة الفياغرا لأمضي لحظات سعيدة وأنفس عن همومي اليومية لأنها تجعلني أسرح في الخيال"، هذا ما يقوله علي سامي حمد، أحد متعاطي الفياغرا وهو متزوج وله ولدان. ويبين أنه يقبل على شراء هذه الأدوية المنشطة جنسياً بصورة مستمرة، إذ "من السهل الحصول على كل ما تريد من أصناف الفياغرا وبأسعار زهيدة". وبينما ينشغل سامي حمد (30عاماً) بشراء أنواع معينة من الحبة المذكورة ذات المنشأ الصيني من أحد الباعة المتجولين وسط بغداد، يضيف قائلاً:"في البداية كنت أخفي أمرها (حبة الفياغرا) عن زوجتي ثم أعلمتها بالقصة وشرحت لها دورها في تذليل مشاكلنا العائلية". ويعاني حمد من مشكلة محيرة، إذ لا يستطيع إيقاف "إدمانه" على الفياغرا خوفاً من "الانتكاس وانهيار كل ما بناه في عالم الخيال الجنسي مع شريكة حياته".
وتطلق على الفياغرا في اللهجة العراقية الدارجة تسميات عدة كـ "الحبة المباركة" و"الحبة السحرية" و"الحبة الزرقاء" وغيرها من التسميات الرائجة بين باعة حبوب الفياغرا ومتعاطيها. ولا يقتصر بيعها على الصيدليات فقط، وإنما يتم تداولها أيضاً في أسواق العراق وبصورة عشوائية. ويفترش العديد من الباعة وأغلبهم من المراهقين الرصيف في منطقة "الباب الشرقي" في قلب العاصمة بغداد، للترويج لبضاعتهم المؤلفة من أنواع مختلفة من المنشطات الجنسية على شكل دهانات وحبوب غالبيتها من نوع الفياغرا، إلى جانب المساحيق وعلب الأدوية وغيرها.
وتعرض هذه المواد في الهواء الطلق وفي ظروف خزن سيئة، وليس بداخل أجهزة مبردة أو حافظة كتلك المستخدمة في الصيدليات. وفي بعض أشهر الصيف، حيث تفوق درجات الحرارة الـ45 مئوية، يجلس باعة الفياغرا الذين يفتقرون إلى أي خبرة طبية أو صيدلانية في الطرقات للترويج لبضاعتهم.
غياب الرقابة سبب بتنامي الظاهرة
خطاب عمر الغبان، صاحب إحدى الصيدليات في بغداد، يبين سبب الإقبال المتزايد على شراء المنشطات الجنسية في الآونة الأخيرة إلى "دخول كميات كبيرة وأنواع مختلفة من المنشطات الصينية المنشأ وبأسعار زهيدة، لكن يقابل ذلك غياب دور الرقابة الصحية لمحاسبة مروجيها". ويضيف الغبان بأنه يبيع نحو 15-25 علبة يومياً من هذه المنشطات ذات المنشأ الصيني أو ذات المنشأ الغربي كالغربية كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، مبينا أن الطلب يزداد أحياناً على شراء هذه العقاقير المحفزة جنسياً وخاصة أيام العطل.
وعن أنواع هذه المنشطات يقول الغبان إن هناك أنواعاً مختلفة من المنشطات الصينية "المغشوشة" التي تباع على الأرصفة وبأسماء تجارية غير خاضعة لمختبرات وزارة الصحة، والتي يطلق عليها شعبياً تسميات تختلف باختلاف شكل الحبة أو شكل الغلاف، فهناك "أبو الكنغر" و"أبو النمر" و"أبو الأسد" و"الأزرق" و"الأخضر" و"الأصفر"،وغيرها من تسميات هذه العقاقير، التي تتراوح أسعارها ما بين 5- 10 ألاف دينار عراقي (4-8 دولارات أميركية).
مضار تعاطيها
من جانبه يكشف الطبيب الصيدلاني في مستشفى ابن النفيس للأمراض القلبية ببغداد، الدكتور محمد حميد صالح، عن أن المستشفى يستقبل الكثير من الحالات المرضية الطارئة الناتجة عن تعاطي المنشطات الجنسية بعيداً عن الاستشارات الطبية. ويقول صالح، في حوار مع دويتشه فيله، إن إصابة الكثيرين من الشباب وكبار السن بالإمراض القلبية كالجلطة والصداع وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية أو الموت المفاجئ نتيجة السكتة القلبية يعود إلى "التعاطي المستمر وبشكل يومي لمختلف أنواع المنشطات الجنسية من دون مراجعة الطبيب المختص أو الصيدلاني واستشارته عن كيفية استعمال هذه المواد". ويضيف صالح أن "غالبية الذين تعرضوا لمثل هذه الإصابات هم من كلا الجنسين وممن تتراوح أعمارهم ما بين الـ 20 – 50عاماً".
ونظراً للانتقادات الكثيرة الموجهة إلى وزارة الصحة لغياب دورها الرقابي في محاسبة مروجي هذه المنشطات والحد انتشارها، توجهت دويتشه فيله إلى وزارة الصحة العراقية، وطرحت على مدير إعلام مكتب المفتش العام في الوزارة فاضل أبو الهيل الانتقادات التي وجهها المختصون. فأجاب أبو الهيل بالقول: "إن الوزارة ومنذ عام 2008 عملت وبالتنسيق مع الوزارات الأمنية ووزارة التجارة على وضع خطة للحد من انتشار الأدوية غير الخاضعة لفحوصات مختبرات وزارة الصحة". ويضيف المتحدث مستطرداً: "تمكنت الوزارة من رفع نسبة الأدوية الخاضعة لفحوصات وزارة الصحة بنحو 90 بالمائة بعد أن كانت هذه النسبة تمثل الأدوية المغشوشة"، لافتاً إلى أن وزارته ضبطت نحو 30 طناً من هذه المنشطات منتصف مايو/ أيار من العام الماضي 2011 وتمكنت من إغلاق 1708 صيدلية مخالفة للضوابط الصحية.
أسباب مختلفة
ويفسر عبد الكريم خلف جعو، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة المستنصرية ببغداد، سبب ميول الشباب في تعاطي هذه المنشطات إلى جملة أسباب: "أبرزها الضغط النفسي الذي تعرض له الفرد العراقي نتيجة الهزات العنيفة التي أفقدته طابع الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي على خلفية الحروب المتوالية التي انعكست على الضعف الجسدي للفرد العراقي، الأمر الذي دفعه إلى تعاطي هذه المنشطات". ويضيف جعو بالقول إن "الانفتاح الكبير الذي شهده المجتمع العراقي بعد عام 2003 من خلال ثورة المعلومات الحديثة كاستخدام الإنترنت وكثرة القنوات الفضائية ومحاولة تقليد الشباب كل ما يرون - وإن كانوا يتمتعون بصحة جيدة- ساهمت إلى حد كبير في تنامي الآثار السلبية على المنظومة الأسرية"، على حد تعبيره.
وينوه أستاذ الاجتماع إلى ضرورة تدخل وسائل الإعلام والمؤسسات الصحية والتربوية والجهات الرقابية خلال هذه الفترة "الحرجة للحد من تنامي هذه الظاهرة والتصدي لها ومعالجتها بكافة الطرق". وبحسب مختصين فإن حبة الفياغرا التي "تحفـّز الرغبات وتلهب الجسد" أدمن على تعاطيها الكثيرون من الرجال الأربعينيين والخمسينيين في العراق وهم يتفاخرون بين نظرائهم باستعادة شبابهم وقدراتهم الجنسية السابقة، مما يعد أمرا حاسما في مجتمع تحتل فيه الذكورة قمة "الهرم الاجتماعي".
مناف الساعدي ـ بغداد
مراجعة: أحمد حسو