جولة محفوفة بالمخاطر في سوريا برفقة الجيش الروسي
١٩ أبريل ٢٠١٦الأجواء مظلمة ومكفهرة وضجيج يعم المكان. كما وجب إطفاء الإنارات والهواتف والحواسب المحمولة. نحن الآن بصدد النزول في قاعدة جوية بسرعة حادة. ولكي أبدد بعضا من خوفي، قلت في نفسي:"الروس يسيطرون على الوضع ولاشك".
القاعدة الجوية الروسية في حميميم غرب سوريا تشبه سجنا محصنا. فحتى الذهاب إلى المرحاض يستدعي التوجه ضمن مجموعات صغيرة برفقة قناصة. لم نبق طويلا هنا. بعد ليلة من الأرق والريبة في رحلتنا الجوية الطويلة بين روسيا وسوريا يستمر السفر في الصباح الباكر إلى المطار العسكري الأقرب. وهذه المرة على متن مروحيات طوال ساعتين في أجواء المنطقة الوسطى لسوريا حيث عبرنا مناطق يتحكم فيها جهاديون من "داعش" و"النصرة" و"القاعدة". حلقنا على انخفاض كبير ولا يفصلنا عن الأرض سوى 20 مترا في بعض الأحيان، وتصورت وكأننا سنلمس الأرض الصحراوية في كل لحظة.
المدينة العتيقة تدمر هي محطتنا الأولى والأكثر إثارة. فقد ظلت طوال سنة في قبضة تنظيم "داعش" وأطلالها مهددة بالتدمير. تهدف رحلة مجموعة الصحفيين الغربيين الذين يزورون معي المواقع بصحبة الجيش الروسي إلى معاينة ما يقوم به الروس هنا. أشياء إيجابية! فهم ساعدوا وحدات الأسد في استعادة تدمر من تنظيم "داعش". وهم يعملون كمستكشفين ومدربين ومستشارين فنيين. والآن يقومون بإتلاف الألغام القاتلة التي تركتها ميليشيا "داعش" وراءها في كل مكان: في الجدران والأسقف ووراء الأعمدة وحتى تحت الأرض المعبدة. وفي لحظة وصولنا هناك التقينا بمجموعة من الأشخاص وهي منكبة على إزالة الألغام ويتفحصون الأرض سنتمترا بعد سنتمتر، والصور التي التقطناها وتعكس تلك الأجواء انتشرت عبر العالم.
جولتنا تواصلت على متن حاوية وهي عبارة عن عربة مصفحة لنقل الأشخاص يصعب التنفس فيها ولا يمكن رؤية الفضاء الخارجي حولها إلا من خلال ثقيبات صغيرة بحجم كرة التنس.
وصلنا إلى بلدة القريتين وهي مدينة صغيرة وسط الصحراء كان يسيطر فيها قبل أربعة أيام تنظيم "داعش" الإرهابي. كانت مدينة جميلة في السابق، ولم يبق من جمالها الآن إلا الناذر، وأصبحت مدينة أشباح. قبل سنة كان يقيم فيها 14.000 نسمة، غالبيتهم من السنة والمسيحيين. المدينة تعرضت في آب أغسطس من السنة الماضية لاجتياح "داعش" الإرهابي الذي قام بخطف 250 شخصا واستولى عليها. والآن تتحرك فيها مجموعة من المراسلين الغربيين تحت حماية مجموعة من القناصة الروس.
رأينا جنودا روسا يوزعون في ساحة السوق مساعدات غذائية لحظة وصولنا. هل كان ذلك صدفة؟. حوالي 100 شخص، غالبيتهم من الرجال، تجمهروا واصطفوا في طابور وقد بدت التعب عليهم. 15 طنا من المواد الغذائية وزعتها روسيا، حسب بيانات المسؤولين هناك على محتاجين. ويقول ضابط روسي:"روسيا تقف معكم"، ثم يشير إلى كيس للمواد الغذائية ويضيف "هذا مكتوب بالروسية والعربية. كل شخص يحصل على كيلوغرامين من الرز وعلى علبتين من لحم البقر المصبر وعلبتين سمك وكيلوغرامين من السكر". فوق الحافلة العسكرية يرفرف العلم الروسي إلى جنب العلم السوري. إنها رسالة رمزية.
بعض المواطنين السوريين الذين تحدثنا إليهم عبروا عن امتنانهم لوحدات الأسد وللجيش الروسي. عبد الرحيم عبد الله البالغ من العمر 72 عاما قال:"عدت فورا عندما علمت أن داعش رحل". عناصر التنظيم الإرهابي سيطرت على القريتين في آب أغسطس 2015. عبد الله غادر مدينته ورحل إلى أقارب له في دمشق. والعديد من سكان المدينة الـ 14.000 اختاروا أيضا طريق الهجرة. ومن بقي لأسباب قاهرة وجب عليه أن يدفع جبايات لـ"داعش". "ومن لم يستطع الدفع تعرض للخطف أو للتعذيب والقتل"، كما يحكي لنا الراهب جاك، قس الكنيسة الكاثوليكية السورية في القريتين التي زرناها بعد التوجه إلى ساحة السوق.
فوق مدخل الكنيسة يرفرف الآن العلم السوري في إشارة الى السلطة التي لها الإمرة في هذا المكان. قبل أربعة أيام كان تنظيم "داعش" يدير مركز قيادته من داخل الكنيسة الكاثوليكية التي لم يتضرر الجزء الكبير منها. والمرشد الروحي يتحدث عن البداية وعن الآمال. إنها كلمات تبدو مثيرة، لكن فرحته تعبر عن شعور حقيقي.
أردت أن أعرف كيف كان وقع الجرائم التي ارتكبها إرهابيو "داعش" باسم الإسلام على التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وأجابت امرأة نحيفة كانت تصلي في زاوية خلفية من الكنيسة وقالت: "نحن في سوريا عشنا دوما في وئام، لا يمكن لي تخيل شيء آخر. سوريا هي مثل فسيفساء ونحن هم حجارتها. وإذا نقصت واحدة من تلك الحجارة تأثرت الصورة بكاملها".
بصحبة وحدة خاصة روسية غادرنا القريتين، وكنت سعيدا بحصولي على تلك الحماية، لأن وقف إطلاق النار يتعرض يوميا للخرق. ولمسنا ذلك أيضا عندما سمعنا فجأة أصوات إطلاق نار. وكان علينا الإسراع في العودة إلى حميميم الواقعة في المنطقة الوسطى لسوريا.