حقول الألغام .. عوائق قاتلة تصعب عودة نازحي العراق
٢٧ فبراير ٢٠٢٢رغم انتهاء الحرب على داعش منذ سنوات، يفضل كثير من النازحين في العراق العيش في مخيمات النازحين على العودة إلى ديارهم خوفا على حياتهم بسبب القنابل والألغام التي وضعت بصورة عشوائية وأوقعت خسائر بشرية كبيرة.
تدرك ليلى مراد، وهي عراقية شابة من منطقة سنجار شمال غرب العراق، ضراوة وشراسة التهديد الذي مصدره حقول الألغام، إذ كانت شاهدة عيان على قصص لعراقيين دمرت حياتهم هذه الألغام.
وفي ذلك، قالت "أحد أعمامي كان ضحية لهذه الألغام قبل عامين. كراعٍ، اعتاد أن يرعى أغنامه في أحد الحقول وذات يوم داس على لغم أرضي كان مخبأ تحت الأرض ما أسفر عن إعاقته".
وفي مقابلة مع DW، قالت ليلى البالغة من العمر 22 عاما، إن هذه ليست القصة الوحيدة التي يمكن أن تسردها لتدل على مخاطر الألغام التي قضت على حياة كثير من العراقيين، مضيفة "يمكنني الحديث عن عشرات القصص لأشخاص من كبار السن وأطفال وحتى حيوانات تحولت أجسادهم إلى أشلاء بسبب الألغام".
ولأكثر من ثماني سنوات، لا تزال تعيش ليلى وعائلتها في مخيم إيسيان للنازحين بمحافظة نينوى في ظل ظروف معيشية صعبة، حيث تتشارك مع عائلتها المؤلفة من والدها وأمها وأشقائها الثلاثة وجدتهم ثلاث غرف عبارة عن كبائن صغيرة. وعن ذلك، قالت "هذا المنزل لا يمكن أن يقارن بمنزل عائلتي في قريتنا التي أُرغمنا على الفرار منها للنجاة بحياتنا مع هجوم داعش على سنجار عام 2014".
ورغم انتهاء الحرب ودحر داعش منذ خمس سنوات، لم ترجع ليلى وأسرتها إلى قريتهم إذ لا يزالون يفضلون العيش في مخيمات النازحين.
وأكدت ليلى أن عائلتها ليست الوحيدة التي أُرغمت على هذا الاختيار، مضيفة "لم يبق في قريتنا سوى أنقاض ومباني باتت مليئة بالمتفجرات. لقد عاد عمي إلى منزله، لكن قراره كان خطأ فادحا".
الأكثر تلوثا بالألغام في العراق
ويسلط حديث ليلى عن الألغام وما تخلفه من خسائر بشرية كبيرة، الضوء على قضية الألغام والمخلفات الحربية التي تغطي مساحات كبيرة في العراق وباتت مدفونة في مزارع وعلى الطرق، ما دفع الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية إلى تصنيف العراق باعتباره أكثر دول العالم تلوثا بالذخائر والألغام.
وأظهرت بيانات دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أن عشرات العراقيين يفقدون حياتهم بسبب انفجار الألغام التي تهدد أيضا حياة 8.5 مليون من إجمالي تعداد العراق البالغ عددهم 41 مليون نسمة.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، خلفت الصراعات والحروب الكثير من حقول الألغام المنتشرة على نطاق كبير فضلا عن ذخائر عنقودية غير منفجرة وذلك بدءا من الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات وحتى الحرب على داعش، مرورا بقمع الرئيس السابق صدام حسين للأكراد وحرب الخليج عام 1991 والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
وخلال سيطرة داعش على مناطق عراقية، استخدم مسلحو التنظيم العبوات الناسفة على نطاق كبير، فيما لا تزال قذائف الهاون والمدفعية التي خلفتها المعارك متواجدة بين الأنقاض.
طريق طويل
من جانبه، قال بول ماكان – مدير الاتصالات بمنظمة "هالو تراست" الخيرية المعنية بإزالة الألغام – إن عمليات إزالة الألغام بدأت في العراق منذ عقود، لكنه أشار إلى أنه في الماضي لم يكن هناك الكثير من الاهتمام لتطهير المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "صنع مسلحو داعش ألغاما تشبه حاويات زيت الطهي من البلاستيك تتسع لقرابة عشرين لترا حيث تم ملئها بمتفجرات محلية الصنع وأداة تفجير وبطارية ومفتاح الذي إذ داس عليه شخص أو سيارة فسوف ينفجر اللغم".
وفي محاولة لرسم صورة حيال مدى انتشار الألغام في العراق، قال ماكان إن منظمته التي يعمل بها قامت بإزالة 700 عبوة ناسفة في حقل ألغام بجوار مصفاة بيجي قرب مدينة تكريت على بعد 160 كيلو متر شمال بغداد فضلا عن مئات الألغام في مناطق أخرى من المدينة.
وأضاف أن الأمر لا يتوقف على إزالة العبوات الناسفة بل يشمل ذلك "تطهير المباني التي ربما قُصفت خلال المعارك لأنها تحتوي عادة على ذخائر عنقودية وقذائف لم تنفجر فيما تراكم عليها الركام والأنقاض، لذا يتعين التعامل مع الأمر بحرص".
وقال إن المنظمة اضطرت إلى استخدام مركبات مدرعة لإزالة الألغام بسبب انتشارها بشكل كبير في العراق.
وإزاء ذلك، يرى الخبراء أن عملية تطهير حقل واحد من الألغام قد يستغرق شهورا ما يعني أن العراق قد ينتظر سنوات حتى يتم إزالة العديد من حقول الألغام.
وكان وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي قد ذكر في ديسمبر / كانون الأول أنه بحلول عام 2028، سيكون العراق خاليا من الألغام والعبوات الناسفة والقذائف الحربية غير المنفجرة.
وحتى تحقيق هذا الهدف، سيضطر النازحون العراقيون والبالغ عددهم 1.2 مليون شخص للعيش في مخيمات النزوح ربما لسنوات مقبلة.
طويت صفحة الحرب.. فأين السلام؟
ورغم أن حقول الألغام تقف عقبة رئيسية أمام عودة النازحين العراقيين إلى ديارهم، إلا أن أصوات عراقية ترى أن الأمر لا يتوقف على الألغام.
وفي مقابلة مع DW، قال مصطفى ليث قاسم – صحافي عراقي وعامل إغاثة في منظمة "حركة شباب الرافدين" الخيرية التي تساعد النازحين- إن الألغام الأرضية "ليست السبب الوحيد وراء تردد النازحين في العودة إلى ديارهم".
وأضاف "تندلع في كثير من الأحيان اشتباكات بين الميليشيات التي كانت تحارب داعش سواء في المناطق الكردية أو في أنحاء أخرى في العراق ما يشكل خطر على حياة المدنيين فضلا عن أن النازحين في بعض الأحيان يشعرون بأنه لا يوجد أي شيء ليعودا من أجله بعد أن شاهدوا بأعينهم المنازل والمدارس والمستشفيات وقد سويت بالأرض".
بيد أن قاسم شدد على أن مشكلة الألغام "تعد مثبطة للهمم لأن الألغام بالإضافة إلى أنها تشكل خطرا على سلامة الناس فإنها تعيق جهود إعادة الإعمار وتنمية المناطق المنكوبة".
وفي ذلك، أشار تقرير صادر عن دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام إلى أن أكثر من ربع هذا التلوث بالقنابل المتفجرة تم تسجيله في المناطق الزراعية في مختلف أنحاء العراق ما يمثل عائقا أمام المزارعين.
وأضاف التقرير أن 20 بالمائة من هذا التلوث يؤثر على البنية التحتية ما يعرقل جهود إعادة الإعمار فيما تم وضع 20 من القنابل في الطرق مما قد يؤدي إلى قطع أوصال البلدات والقرى العراقية.
وفي هذا الصدد، شدد بول ماكان على أن وجود ألغام وذخائر غير منفجرة يدفع الناس إلى الاعتقاد "بأن السلام لم يتحقق بعد وأن الحرب لا تزال مستمرة".
وبدورها، تؤكد ليلى مراد – النازحة العراقية في شمال البلاد – أنها لا تزال تشعر بأن العراق لم يطوِ بعد صفحة الحرب مع استمرار وجود هذه الألغام.
وأضافت "لقد عاصرنا مقتل عدد كبير من الناس في سنجار بعد انتهاء الحرب (بسبب الألغام) خاصة وأن الكثيرين يخاطرون بحياتهم في سبيل العودة إلى ديارهم".
وتابعت مراد: "كنت أتمنى أنا وعائلتي العودة إلى ديارنا في يوم من الأيام لنعيش في سلام لكن لا أتوقع حدوث ذلك قريبا".
منير غادي / م ع