حكومة لبنان تجعل من "عيد البشارة" عيدا وطنيا
٢٥ مارس ٢٠١٠في لبنان أعياد رسمية منها ما يرتبط بمناسبات وطنية كعيد الاستقلال أو عيد الجلاء، ومنها أعياد ذات طابع ديني كالفطر والأضحى والميلاد والفصح. وثمة أعياد أخرى بقيت محصورة داخل الطوائف ولم تتحول إلى أعياد رسمية تعطل فيها الدوائر الحكومية والمدارس والمصارف والمتاجر كـ "عيد البشارة"، الذي يصادف في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس. وهو عيد خاص بالمسيحيين يحتفلون فيه بذكرى "تلقي مريم العذراء البشارة بكلمة من الله بحملها بالسيد المسيح".
أصل المبادرة إفطار رمضاني
وجاءت المبادرة باعتماد "يوم البشارة" عيدا وطنيا من لجنة الحوار الوطني الإسلامي المسيحي في لبنان. وقد ذكر أمينها العام الأمير حارس شهاب، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الفكرة انطلقت أساسا من مدرسة "سيدة الجمهور" التي اعتاد خريجوها أن يحتفلوا كل عام بشهر رمضان المبارك، فيقيمون إفطارا يشارك فيه المسلمون والمسيحيون معا. كما كانت هذه المدرسة تستقبل، في مثل هذا اليوم (25 آذار/ مارس) من كل عام، رجال دين مسلمين ومسيحيين ليحتفلوا معا بهذا العيد. ومن هنا تبنت لجنة الحوار الإسلامي المسيحي الفكرة، ووجدت السند المقنع، فقدمت إلى الحكومة اللبنانية مشروع قانون لاعتماد العيد الجديد.
ويوضح محمد السماك الأمين العام الآخر للجنة الحوار الإسلامي المسيحي، في حوار مع دويتشه فيله، المرجعية التي استندوا عليها بالقول: "المجتمع المتعدد الطوائف بحاجة إلى البحث عن قواسم مشتركة لتعزيز العلاقات بين الطوائف المختلفة". ويضيف السماك بأن هذه القواسم يمكن أن تكون من العادات والتقاليد المشتركة، ومن التعاليم الدينية أيضا.
ويرى السماك بأن هناك موضوعا مشتركا بين المسلمين والمسيحيين؛ فجميعهم "ينظرون إلى مريم العذراء نظرة قداسة وإجلال". ويشدد السماك على أن "الإسلام يعتبرها أفضل نساء العالمين وأن الله قد اصطفاها وطهرها، والمسيحية تعتبرها الممتلئة نعمة. وقد وجدنا في هذا الإيمان المشترك بقداستها بمثابة جسر يعزز العيش المشترك والمودة بين الطرفين".
السيدة الوحيدة المذكورة في القرآن
ولمريم خصوصية في الإسلام إذ توجد سورة في القرآن باسمها (سورة مريم). كما ورد ذكرها في سور أخرى لتكون السيدة الوحيدة المذكورة باسمها في القرآن. كما وردت فكرة البشارة في أكثر من آية، منها على سبيل المثال،الآية 45 من سورة آل عمران: "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين". وورد في إنجيل لوقا أن الملاك جبريل جاء إلى مريم وقال لها "سلام لك أيتها المنعم عليها. الرب معك. مباركة أنت في النساء". ويذكر الإنجيل أن مريم خافت فنقل لها الملاك البشارة: "لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله".
وتعود أهمية هذا الحدث إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تتبنى فيها الحكومة اللبنانية قرارا بناء على اقتراح من جمعية غير حكومية. ليس هذا فحسب، بل إنها أسرعت في تبني المقترح كما ذكر محمد السماك لدويتشه فيله بالقول:
"من حسن الحظ أن سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، أدرك البعد الوطني لهذه المبادرة ووافق، خلال ثمان وأربعين ساعة فقط ، على تحويل الفكرة إلى مرسوم قانوني ينص على أن يوم الـ 25 مارس/آذار عيد رسمي في لبنان".
عيد البشارة تأكيد على العيش المشترك
وقد جاءت المبادرة اللبنانية في مرحلة تشهد قيها منطقة الشرق الأوسط العديد من الصراعات ذات الطابع المذهبي والطائفي، يستغل فيها الاختلاف بين الأديان لإشعال الفتن والحروب. ويرى حارس شهاب أن عيد البشارة الرسمي سيقوي فكرة العيش المشترك والحوار الإسلامي المسيحي. ويشير شهاب، في حديثه لدويتشه فيله، إلى أنه رغم الاختلاف العقائدي بين الديانات فإن "المتدين الملتزم بتعاليم دينه والممارس لشعائره ليس بالضرورة خصما لشريكه في المواطنة الذي يؤمن بديانة أخرى".
ودعا محمد السماك إلى نقل هذه المبادرة، غير المسبوقة، إلى دول عربية أخرى يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون للتأكيد على أهمية الجوامع المشتركة. أما عالم اللاهوت الألماني من أصل لبناني عادل تيودور خوري، وهو من أقطاب الحوار الإسلامي المسيحي على الصعيد العالمي، فقد نظر بتفاؤل إلى مبادرة الحكومة اللبنانية ووافق محمد السماك رأيه في إيجابية تعميم الفكرة خارج لبنان أيضا.
وأضاف خوري، الذي عمل لسنوات طويلة أستاذا لمادة علوم الأديان في جامعة مونستر الألمانية، في حوار مع دويتشه فيله، قائلا: "نحن بحاجة إلى أن تكون هناك ثقة أكبر بين الطرفين. وهذه الثقة تبنى بالاعتماد على القواسم المشتركة. واتفاق الآراء حول مريم العذراء خطوة يمكن أن تكون مثالا". وهكذا أضحى "عيد البشارة" عيدا رسميا في لبنان بدءا من العام الحالي. ويأمل المتفائلون بأن يشكل هذا العيد فرصة حقيقية وإضافية لتعزيز "العيش المشترك" بين المسلمين والمسيحيين في لبنان.
الكاتبة: دالين صلاحية
مراجعة: أحمد حسو