حملات انتخابية تونسية على الطريقة الألمانية
٢٠ أكتوبر ٢٠١٤بدأ العد التنازلي لانتخابات البرلمان التونسي التي ستقام نهاية هذا الأسبوع. التونسيون في المهجر لديهم أيضا الحق في اختيار من ينوبهم في البرلمان، وفي ألمانيا تحديدا يتنافس حوالي 13 مرشحا للظفر بمقعد وحيد في مجلس النواب. DW عربية تحدثت إلى بعض المترشحين بخصوص استراتيجيات التواصل والدعاية السياسية أثناء الحملة الانتخابية خارج الوطن. وتعتبر الحملة الانتخابية فرصة سانحة للجالية التونسية، التي تجاوز عددها في ألمانيا 86 ألف مهاجر (إحصاءات ديوان التونسين بالخارج)، في طرح همومهم أمام من سينوبهم في المستقبل، وهي أيضا مناسبة لنقاش المشاكل التي يواجهها بلدهم والحلول الممكنة لحلها.
طريقة ألمانية في الحملات الإنتخابية
أهم ما يميز الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية الغربية هو تنظيم مناظرات سياسية بين المترشحين سواء أمام عدسات الكاميرا أو أمام جمع غفير من الناخبين والإعلاميين. غالبا ما تنظم هذه المناظرات في ألمانيا بين المترشحين الرئيسيين لمنصب المستشارية، المنصب الأعلى في الهرم السياسي في البلاد. ويبدو أن التونسيين المقيمين هنا قد استفادوا بشكل إيجابي من التجربة الألمانية في هذا المجال، إذ نظمت منابر النقاش في كامل أنحاء ألمانيا، وتميزت جميعها بروح من الوفاق والتفاهم ومحاولة إقناع الخصوم بالحجج والبرامج الانتخابية. وفضلا عن ذلك، فقد استفاد المرشحون من خبرتهم ومن احتكاكهم بالأحزاب السياسية الألمانية لتوظيفها في حملاتهم الإنتخابية.
مرشح حزب نداء تونس (يمين)، المحامي حاتم فرجاني، أكد أن أهم شيء هو "دخوله لسباق الانتخابات بعقلية ألمانية، أي عقلية واقعية، وذلك يتجلي من خلال وعود قابلة للتحقيق من أجل تحسين أوضاع المهاجرين هنا، وليس بوعود زائفة" كما يقول، ويواصل فرجاني حديثه بالقول: "الشيء الآخر الذي استفدته من الأحزاب الألمانية هو استراتيجية العمل الميداني، أو ما يسمى باللغة الإنجليزية Door-to- Door أي زيارة التونسين في منازلهم والتحدث إليهم بشكل مباشر".
هذا ما أكده أيضا مرشح الجبهة الشعبية (يسار) رضا الغربي، إذ يقول لـDW عربية: "أعول على الإتصال المباشر مع الناخبين عن طريق الإجتماعات، وهو شيء ضروري، هكذا أستطيع إيصال رؤيتي للتغيير من واقع البلاد".
أما مرشح حركة النهضة (اسلامي)، الدكتورحبيب اللجمي، فهو يعتمد بشكل كبير على وسائل التواصل الإجتماعي في حملته الانتخابية ويقول: "لدي فريق في التواصل، ونحن نعمل على إيصال المعلومة في وقت سريع إلى الناخبين التونسيين في ألمانيا عن طريق مقاطع فيديو قصيرة عبر التويتر واليوتوب والفيسبوك، هكذا يتم التعريف بنا وببرامجنا"، وسيعتمد مرشح حركة النهضة في الأسبوع الأخير من حملته الانتخابية "على شكل جديد في الدعاية السياسية وهو أفلام كرتونية برسائل بسيطة"، على حد تعبيره.
"بناء جسر" يربط التونسيين في ألمانيا ببلدهم الأصلي
يشعر عدد من التونسيين في ألمانيا، تحدثت إليهم DW، بأنهم مهمشون بعض الشيء من طرف صناع القرار في العاصمة تونس، ولذلك يرى حبيب اللجمي، مرشح حركة النهضة، أنه "من الضروري الإسراع في إنشاء مجلس التونسين بالخارج" كما هو الشأن في المغرب. وما يزال المهاجرون التونسيون في أوروبا وأنحاء مختلفة من العالم، ينتظرون مصير فكرة إنشاء مجلس أعلى للهجرة تكون من مهامه الرئيسية العناية بمشاكلهم.
كما يرى اللجمي أنه حان الوقت "لتشريك الجالية التونسية في مرحلة البناء الإقتصادي"، ويطرح اللجمي ضرورة إنشاء صندوق استشاري يسهل الخدمات الإدارية للمهاجرين ومكتب للحوار المباشر معهم حول مشاكلهم. ويشاركه فرجاني الرأي في الإسراع بإنشاء المجلس الأعلى للهجرة، ويضيف: "لابد من توظيف الكفاءات التونسية هنا في البعثات الديبلوماسية (البالغ عددها أربع في ألمانيا)، ومساعدة العائلات المعوزة اجتماعيا وتخفيض أسعار تذاكر الطائرات للطلبة خاصة في الأعياد والعطل".
ومن جهتها تقترح منى العلوي مرشحة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب الرئيس منصف المرزوقي)، إنشاء "سفارة إلكترونية لتسهيل الخدمات الإدارية للتونسيين بألمانيا". منى العلوي، وهي واحدة من ثلاث نساء مرشحات من ألمانيا، شددت في حملتها الإنتخابية على الدور الذي يلعبه التونسيون في تنمية بلدهم، ولذلك فهي تدعو لإحداث مصرف خاص باستقبال تحويلات المهاجرين التونسيين، وتكون موارده المالية موجهة للإستثمار في البنيات التحتية بتونس. وتعتبرالجالية التونسية بألمانيا من أهم موارد تحويلات التونسيين بالخارج إلى بلدهم.
أما مرشح الجبهة الشعبية رضا الغربي، فيرى بأن أهم شيء في برنامجه الإنتخابي، "هو حل الدولة التونسية للمشاكل المادية للطلبة في ألمانيا والمتقاعدين عن العمل الراغبين في العودة النهائية لتونس"، إذ أنهم – حسب رأيه - لا يحق للمتقاعدين عن العمل صرف جراياتهم إلا في ألمانيا، مما يعيقهم من الإستقرار في أرض الوطن.
قضية مقتل الشابة الألمانية-التونسية أحلام دلهومي، التي لقيت مصرعها مع ابنة خالتها أنس بعد إطلاق الأمن التونسي الرصاص عليهما قبل شهرين في مدينة القصرين، خيمت على أجواء حملات مرشحي الإنتخابات التونسية في ألمانيا، ورصدت DW في عدد من التجمعات الانتخابية حضورا لأفراد من أسرة الفقيدتين وهم يحملون شارات تذكر بالقضية، ومن جانبهم يقول عدد من المرشحين للإنتخابات إن "حق العائلة لن يضيع وأن القضاء التونسي يجب أن يبقى مستقلا، إلا أنه عليه في المقابل الإسراع بالنظر في الملف وإحالة الجناة على العدالة"، كما تدعو لذلك المرشحة منى العلوي، وأشارت بأنها إلتقت أفراد من أسرة الفقيدتين خلال فعاليات حملتها الإنتخابية.
الطريق نحو برلمان تونس الجديد وعر وشائك
لا يخلو السباق نحو البرلمان التونسي من مصاعب جمة، فالتحدي الكبير يكمن حسب المترشحين في الوصول إلى الناخبين المشتتين في كافة أنحاء ألمانيا.
مرشح حركة النهضة أبدى امتعاضه من بيروقراطية الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، فحسب رأيه: "على هيئة الانتخابات الإعلام مسبقا عند القيام بأي اجتماع مع الناخبين، فأي اجتماع، حتى لو كان صغيرا يجب أن يمر عبر الهيئة الفرعية للانتخابات، وهذا يشكل لنا في بعض الأحيان عائقا تنظيميا في ظل ضيق الوقت وقرب موعد الانتخابات".
أما مرشح حزب نداء تونس فقد أبدى تخوفه من إمكانية إلغاء الهيئة الفرعية للانتخابات لمكتب الإقتراع الواقع في مدينة ديسلدورف، ويقول: "هذا سيحول بدون شك عن إقبال كثيف للناخبين، فجزء كبير من الجالية العاملة يعيش في هذه المدينة"، ويضيف: "إلغاء مركز اقتراع مدينة ديسلدورف سيكون بمثابة ضربة قوية لحزب نداء تونس، فمركز ثقل الحزب يقع في المدينة". وفي المقابل يرى مرشح الجبهة الشعبية أن مساحة ألمانيا الكبيرة ومصاريف التنقل فيها للتواصل مع ناخبيه يتطلب ميزانية ضخمة، لكنه بالرغم من ذلك يحاول إقناع أكبر عدد من الناس بالتصويت إليه.
وقد سجل بعض الارتباك التنظيمي، حيث تم في وقت سابق إلغاء بعض مراكز الإقتراع في مدينتي هانوفر وفولفسبورغ، لكن بعد احتجاجات الأحزاب التونسية، أعادت الهيئة الفرعية للانتخابات فتحها أمام التونسين.
وفي حديث مع DW عربية من برلين، أكد رئيس الهيئة الفرعية للانتخابات في ألمانيا، غسان بن عمر، أن "إغلاق المكاتب كان شيئا خارجا عن إرادتنا، فذلك يتعلق بالقانون الإنتخابي، لكن بعد جهود السفارة التونسية ببرلين بالتعاون مع السلطات الألمانية، تم إعادة فتح هذه المراكز للتونسيين هناك، حتى يتم تسهيل سير عمل الانتخابات"، ويقول موضحا: "لقد طورنا منظومة تسجيل إلكترونية للناخبين، كتلك التي تم العمل بها في الانتخابات السابقة (انتخابات المجلس التأسيسي 2011)، وذلك تفاديا لأن يصوت البعض مرتين في مكتبين مختلفين".
ومن المنتظر أن يتوجه أيام 24 و25 و26 أكتوبر/تشرين الأول أكثر من 25 ألف ناخب تونسي -حسب إحصاءات هيئة الإنتخابات- إلى عشر مراكز للإقتراع متفرقة في أنحاء ألمانيا(برلين، بون، هامبورغ، فرنكفورت، دسلدورف، ميونيخ، كارلسروه، شتوتغارت، هانوفر، فولفسبورغ) لانتخاب نائب واحد من جملة 13 مترشحا، ليمثلهم في البرلمان التونسي. أما الانتخابات الرئاسية فمن المقرر إقامتها أيام 21 و22 و23 نوفمبر/تشرين الثاني.