خبير ألماني: "النهضة" والجيش في تونس يحدثان الفارق مع مصر
٢٨ يناير ٢٠١٤إقرار تونس لدستورها الجديد بعد ثلاث سنوات من ثورتها وعبورها فترة أزمات صعبة، يعتبر حالة نادرة في دول الربيع العربي لحد الآن. الدستور الجديد تضمن حلولا توافقية لقضايا شائكة كالعلاقة بين الدين والدولة وحرية المعتقد.فما هي العوامل التي ساعدت تونس على تحقيق التوافق؟ وهل يمكن أن يشكل التوافق بين إسلاميي حزب النهضة والقوى العلمانية في تونس وصفة لدول عربية أخرى؟ أسئلة طرحتها DWعربية على الخبير الألماني المتخصص في شؤون الجماعات والأحزاب الإسلامية لوتز روغلر، وفيما يلي نص الحوار:
DW:تمكنت تونس من إقرار دستور جديد بأغلبية كاسحة، في ظل مناخ تسوده الاضطرابات والفوضى في دول الربيع العربي، ما الذي ساعد تونس على تحقيق هذه الخطوة؟
البروفيسور لوتزروغلر:اعتقد أن الفاعلين السياسيين في تونس كانوا أكثر وعيا بالصعوبات والمشاكل التي تواجه بلدهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانوا مدركين للمخاطر التي تحدق ببلدهم إذا لم يتوصلوا إلى توافق وطني حول أساسيات الحياة السياسية في المرحلة المقبلة، والمتمثلة خصوصا في الدستور وقواعد تنظيم الانتخابات المقبلة.
اعتقد انه بفضل الوعي السياسي الكبير لدى أوسع فئات الطبقة السياسية التونسية، تمكنت تونس من الوصول إلى هذا التوافق. وينبغي أن أشير أيضا إلى أن حركة النهضة بالمقارنة مع حركات إسلامية أخرى في المنطقة، هي أكثر مرونة على المستوى الفكري والسياسي. ولذلك اعتقد أنها اتسمت بالمرونة إزاء عدد من النقاط الخلافية مع القوى اليسارية أو ما يسمى بالعلمانية، وبالتالي لم تكن هنالك عوائق كبيرة في سبيل الوصول إلى هذا التوافق.
في الدستور التونسي الجديد تم التأكيد على الطابع المدني للدولة واستبعاد الشريعة كمصدر للتشريع ومنع التكفير، حدث ذلك في إطار توافق بين الإسلاميين والعلمانيين، فهل تشكل برأيك هذه الصيغة وصفة للدول العربية لمعالجة إشكالية العلاقة الصعبة بين الدين والدولة؟
ربما تلعب تونس دور النموذج إلى حد ما. ولكنني اعتقد ان السياقات الوطنية الخاصة بكل بلد عربي هي التي ستحدد في نهاية المطاف نتائج الحوارات أو النقاشات في الدول العربية المختلفة.
فمثلا الأجواء في مصر تختلف كثيرا عن الوضع في تونس. ولذلك لا اعتقد ان التوافق في تونس حول التفاصيل سيؤثر مباشرة على السياقات السياسية في البلدان العربية الأخرى، وهنا أشير إلى التفاصيل المتعلقة بمسألة وضع الشريعة في الدستور، أو التنصيص على منع التكفير في الدستور التونسي مثلا.
لو قارنت بين حركة النهضة التونسية والإخوان المسلمين في مصر، أين يكمن الفرق الجوهري برأيك؟
أولا اعتقد أن تجربة الإخوان المسلمين في مصر تختلف كثيرا عن حركة النهضة التونسية. فهذه الأخيرة نشأت في نهاية الستينات وبداية السبعينات، وتطورت عبر مراحل إلى أن صارت حركة النهضة التي نعرفها اليوم. بينما نشأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ أكثر من ثمانية عقود، وعاشت قمعا متواصلا لمدة أكثر من ستين عاما.
واعتقد أن التجربة الفكرية والسياسية لجماعة الإخوان المسلمين المصرية مختلفة كثيرا عن حركة النهضة. ورغم انحركة النهضة عاشت بدورها لفترة طويلة تحت القمع، لكنها تتسم بانفتاح أكبر على قوى سياسية أخرى بما فيها قوى يسارية وعلمانية، وقد يعود ذلك إلى تواجد قادتها ولفترة معينة في المنفى.
ولذلك يمكنني القول بان المسلك الإيديولوجي والسياسي لحركة النهضة في تونس لا يمكن مقارنته بما عاشته جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
رغم وجود تجربة تحديث سياسي عريقة ومتشابهة في البلدين، إلا أن دور الجيش يختلف، فبينما يلتزم الجيش التونسي الحياد إزاء العملية السياسية، تعتبر المؤسسة العسكرية عنصرا محوريا في النظام السياسي في مصر، فالي أي حد لعب الجيش كعنصر فارق في التعامل مع عملية الانتقال الديمقراطي في البلدين؟
لاشك أن الجيش وقوات الأمن في مصر لعبت دورا فارقا إزاء عملية الانتقال الديمقراطي في البلد، أو لنقل في فشل الانتقال الديمقراطي حتى الآن على الأقل. ولكن المشكلة أن مصر ظلت تحت سيطرة الجيش منذ عقود طويلة. وما يمكن أن نرصده من اختلاف بين مصر وتونس فيما يتعلق بالاستقطاب السياسي، فقدقام الجيش بحسم هذا الخلاف الحاد في مصر على الأقل في مستوى الظاهر.لكن في حقيقة الأمر فان الخلاف ما يزال قائما سواء في مصر أو تونس وغيرها من البلدان العربية.
وبرأيك، ماذا سيكون ثمن هذا الدور الذي لعبه الجيش بالنسبة للديمقراطية في مصر؟
حتى الآن لا يمكننا أن نعرف كيف سيكون المستقبل السياسي لمصر، ولكن اعتقد أن التجربة الحالية في مصر ليست ملائمة لإنجاح عملية انتقال ديمقراطي سريعة في البلاد.
وما هي حظوظ الحركات السلفية الجهادية المنتشرة في دول عربية مثل سوريا وليبيا ومصر وتونس في إفشال الجهود من أجل إقامة ديمقراطيات في هذه الدول؟
أنا لا اعتقد أن هذه الحركات بإمكانها أن تُفشل عملية الانتقال الديمقراطي إذا ما نجحت أطراف العملية السياسية، أي القوى الديمقراطية، في التوصل إلى توافق. وبالعكس، فإذا فشلت عملية الانتقال الديمقراطي فان الحركات الجهادية السلفية ستلعب دورا أكبر وخطيرا جدا.
وربما ساعدت بذلك عودة القوى القديمة التي تشكل معاقل للفساد والنفوذ في السلطة؟
طبعا هذه القوى القديمة تبرر عودة نفوذها بمكافحة الإرهاب ومحاربة الحركات الجهادية. ولذلك اعتقد أن المهم هو إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي وهو ما سيؤدي إلى تقليص دور هذه الحركات الجهادية السلفية.
أجرى الحوار منصف السليمي