خبير ألماني: عدم رضا الجماهير أكبر خطر على النظام السوري
١٧ مارس ٢٠١١دويتشه فيله: في أعقاب قمع أجهزة الأمن السورية لاعتصام سلمي أمس (الأربعاء 16 مارس/ آذار) في دمشق، واعتقال ما يزيد عن ثلاثين شخصاً، بينهم عدد من الناشطين والمثقفين البارزين، هل يمكننا القول بأن النظام السوري بات يخشى من حدوث مظاهرات من هذا النوع؟
فولكر بيرتس: أعتقد بأن النظام السوري يعلم بأنه لا يستطيع تجنب الضغط الكبير في العالم العربي لإجراء تغييرات، لكن خوفه أقل من أنظمة عربية أخرى في المنطقة، ذلك لأن المظاهرات التي جرت في سوريا كانت صغيرة نسبياً مقارنة مع المظاهرات في تونس ومصر والبحرين. لكن النظام لن يسمح لهذه المظاهرات بأن تصل إلى حجم مثيلاتها في تلك الدول، ولهذا يسلط أجهزته الأمنية على أي تظاهرة مهما كان حجمها صغيراً.
بالنظر إلى ما حدث في تونس ومصر، وما يحدث في البحرين وليبيا، هل تعتقدون بأن رد فعل السلطات السورية ضد هذه المظاهرات مبالغ فيه؟
منذ سنوات والحكومة السورية لا تتعامل بشكل صحيح مع مواطنيها، وتنظر إلى كل معارضة على أنها خطر على النظام، مما يجعلها تميل إلى قمع المتظاهرين والمعارضين السلميين بشكل عنيف، وهو ما يشكل في الوقت نفسه خرقاً للدستور السوري. هذا ينطبق على قمع مظاهرة الأمس، وعلى كل فعالية في البلاد تطالب بضمان حرية الرأي، أو تتضامن مع حرية الشعوب في دول عربية أخرى. لا أعتقد أن المفكرين والمثقفين يشكلون خطراً حقيقياً على النظام في سوريا، لكن النظام السوري يتعامل منذ أكثر من عشر سنوات مع هؤلاء المثقفين بعصبية واضحة، ويعاقبهم على أي بادرة يقومون بها، حتى لو كانت توقيع عريضة أو إعلان، أو يقوم بسجنهم لفترات طويلة أحياناً.
تعرف سوريا بتعدديتها العرقية والدينية. أي جهة تعتبرون أنها تشكل أكبر خطر على النظام السوري؟
لا أعتقد أن الخطورة تأتي من مجموعة عرقية أو دينية معينة، بل من حالة عدم الرضا لدى غالبية المواطنين السوريين. وعندما نلاحظ تصرفات الحكومة السورية – ليس فقط عند قمعها للمظاهرات – في الأسابيع الأخيرة، فيمكننا أن نقول بأن النظام السوري يعرف مواطن ضعفه. فعلى سبيل المثال قام النظام بالتراجع عن تقليص الدعم الحكومي للوقود والمواد الغذائية، بالإضافة إلى رفع رواتب موظفي القطاع الحكومي وإقرار ما يشبه الإعانة الاجتماعية للعائلات الفقيرة. إنهم يعرفون ما هي نقاط الضعف لديهم، ولهذا يحاولون – من خلال مساعدات اقتصادية ومالية– أن يقلصوا حجم الاحتجاجات أو يمنعوها من أن تصبح أقوى.
وهل ترون أن هذه المساعدات حققت أهدافها في تهدئة المواطنين؟
أتوقع أن هذه المساعدات قد أثرت بشكل ما، فنحن نشهد مظاهرات صغيرة، وهذا يعود إلى خوف المواطنين من المشاركة في المظاهرات، لأنهم يتوقعون أن تقوم أجهزة الأمن بقمع المتظاهرين بوحشية. إلا أن الاختلاف في سوريا عن تونس أو مصر هو أن سوريا فيها انتقاد كبير للفساد وسوء الإدارة والقمع، وفي نفس الوقت تحظى السياسة الخارجية للنظام السوري بشعبية واسعة لدى الشعب، مقارنة مع الوضع في تونس ومصر قبل الإطاحة بنظامي مبارك وبن علي. (الرئيس السوري) بشار الأسد يتمتع بمحبة من قبل السوريين، لاسيما الجيل الشاب، لأنه نجح في تصوير نفسه كقائد عربي قادر على انتقاد الولايات المتحدة وإسرائيل، ويستطيع الدفاع عن حقوق بلاده، وقادر على رفض معاهدة سلام مع إسرائيل دون حصول بلاده على حقوقها كاملة. ولهذا يحظى بشار الأسد بشعبية، وهذا ما يوفر له بعض الحماية. لقد قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة وول ستريت جورنال إن الصراع العربي-الإسرائيلي يوفر له شرعية أكبر من بقية القادة العرب، الذي يعانون من ضغط شعوبهم عليهم حالياً.
وكيف تقيّمون دور الإخوان المسلمين في سوريا؟
دور الإخوان المسلمين صغير نسبياً. لقد لعب الإخوان المسلمون دوراً هاماً في سبعينات وثمانينات القرن الماضي كقوة معارضة، فهم تجرؤوا آنذاك، وقاموا بانتفاضة تعرضت لقمع دموي، وهو ما دفع من تبقى منهم إلى نوع من التغيير جعلهم يؤمنون حالياً باللاعنف، لكنهم الآن لا يشكلون القلب النابض للمعارضة في سوريا. قلب المعارضة السورية الآن هو المثقفون والمفكرون، لاسيما بعد توريث بشار الأسد مقاليد الحكم إثر وفاة أبيه. هناك عدد من الجماعات التي تضم كتاباً ومحامين ومثقفين آخرين تسعى إلى تحسين الأوضاع في سوريا، خصوصاً في مجال احترام الحريات المدنية والديمقراطية والمحافظة على الهوية الدينية للشعب السوري دون أن تتحول البلاد إلى دولة دينية.
هل تتوقعون إذن أن تشهد سوريا في المستقبل القريب المزيد من المظاهرات؟
لا يمكنني التنبؤ بمثل هذا الأمر، لكنني أعتقد بأن حالة عدم الرضا في سوريا ستستمر، وقد تترجم على الأرض في صورة مظاهرات. لكن يبدو الأمر الآن وكأن الحكومة نجحت – عن طريق مزيج من القمع والمساعدات الاقتصادية – في تحجيم الحركة الاحتجاجية في سوريا.
أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق
مراجعة: محمد المزياني