مصطفى الكاظمي.. من الصحافة إلى دهاليز المخابرات
٩ أبريل ٢٠٢٠أعلن الرئيس العراقي برهم صالح الخميس (التاسع من نيسان/ أبريل 2020) تكليف رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة جديدة، في ثالث محاولة لاستبدال عادل عبد المهدي وإخراج البلاد من مرحلة ركود سياسي عمقتها بوادر أزمة اقتصادية في ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في منظمة أوبك مع انهيار أسعار الخام العالمي. وكان رئيس الوزراء العراقي المكلف عدنان الزرفي قد أعلن اليوم اعتذاره عن تشكيل الحكومة. و ذكر الزرفي في بيان أن تقديم اعتذاره جاء "لأسباب داخلية وخارجية"، مؤكداً استعداده للانتخابات القادمة المبكرة.
ويأتي تكليف الكاظمي متزامناً مع الذكرى السنوية لاجتياح القوات الأمريكية للعاصمة بغداد عام 2003 مطيحة بنظام صدام حسين. وفي أول تصريح له قال رئيس الوزراء العراقي المكلف إن الحكومة الجديدة ستلبي تطلعات العراقيين وأضاف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عراقية: "سأعمل على تشكيل حكومة تضم تطلعات العراقيين وفي مقدمتها أولوياتهم".
وأوضح "مع تكليفي بمهمة رئاسة الحكومة العراقية أتعهد أمام شعبي الكريم بالعمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها وتصون سيادة الوطن وتحفظ الحقوق".
من إيران إلى بريطانيا مروراً بألمانيا
والمرشح لمنصب رئيس الحكومة الجديدة مصطفى عبد اللطيف مشتت الغريباوي من مواليد بغداد، ويُلقب بالكاظمي بسبب سكنه في حي الكاظمية ببغداد وهو من مواليد 1967. والكاظمي حاصل على البكالوريوس في القانون، وغادر العراق في حقبة نظام البعث عن طريق كردستان العراق إلى إيران ثم ألمانيا ثم بريطانيا، واختار لقب الكاظمي خلال عمله كصحفيّ.
وعمل رئيس تحرير مجلة الأسبوعية في مجال حل النزاعات وتوثيق جرائم النظام السابق، كما عمل مديراً تنفيذياً لمؤسسة الذاكرة العراقية وساهم في توثيق الشهادات وجمع الأفلام عن ضحايا نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وأدار مؤسسة الحوار الإنساني لتأسيس الحوار بديلاً عن العنف في حل الأزمات. وعمل أيضاً كاتب عمود ومديرا لتحرير قسم العراق في موقع المونيتور الدولي. وعاش سنوات في المنفى لكنه لم ينضم لأي حزب سياسي عراقي.
شخصية غير جديدة في مجريات الأحداث
وعُين الكاظمي بمنصب رئيس جهاز المخابرات العراقي عام 2016 وما يزال مستمراً في منصبه حتى تاريخ تكليفه. فقد كانت مفاجأة أن يعين رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي كاتب العمود والناشط الحقوقي في رئاسة جهاز المخابرات. وإضافة إلى دوره في مكافحة الإرهاب والتهريب على أنواعه، طور الكاظمي مواهبه كمفاوض ووسيط. في هذا السياق يقول سياسي مقرب من الكاظمي لوكالة فرانس برس "للكاظمي شخصية لا تعادي أحداً، صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأميركيين، وعلاقة عادت إلى مجاريها مؤخراً مع الإيرانيين".
والكاظمي ليس شخصية جديدة مطروحة على طاولة السياسة العراقية. فقد كان اسمه وارداً منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وحتى قبل ذلك كبديل لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في 2018.
واسم الكاظمي (53 عاماً) كان متداولاً أيضاً في أروقة المرجعية الدينية في النجف، كخيار محتمل لقيادة مرحلة ما بعد دحر تنظيم "داعش" في العراق، كما يؤكد مراقبون في الشأن العراقي لوكالة الأنباء الفرنسية.
لكن عوامل عدة حالت حينها دون نيله التوافق، خصوصاً مع وصفه من بعض الأطراف الشيعية على أنه "رجل الولايات المتحدة" في العراق. وقبل نحو شهر، وجه فصيل عراقي مسلح مقرب من إيران اتهامات للكاظمي بتورطه في عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، التي نفذتها واشنطن في بغداد.
كن ذلك الاتهام "الفردي" كما يصفه مصدر في الحشد الشعبي، لم ينل استحسان ما يُسمى بـ "محور المقاومة". وفي هذا السياق قال مصدر مقرب من حزب الله اللبناني لوكالة الأنباء الفرنسية إن "الكاظمي زار بيروت مؤخراً لحلّ هذه العقبة، وكانت النتيجة إيجابية".
ضوء أخضر من طهران؟
وعززت فرص رئيس الوزراء المكلف، الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس فيلق القدس الإيراني الجديد إسماعيل قآني إلى العراق الأسبوع الماضي. و التقى قآني غالبية أعمدة البيت السياسي الشيعي العراقي، وشدد للجميع على أن ملف العراق إيرانياً هو بين أيدي فيلق القدس ولا أحد غيره.
وبحسب ما أشار المصدر، فإن هناك توجهاً إيرانياً إلى التهدئة في العراق في إطار عمليات التسوية التي تجري في المنطقة، والكاظمي أحد وجوه هذه التسوية. ولفت مصدر سياسي رفيع لوكالة الأنباء الفرنسية إلى أن تسمية الكاظمي "تأتي مكسباً للعراق، خصوصاً في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، ولضمان تجديد استثناء بغداد من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران".
دليل التوافق كان حضور صقور الشيعة مراسم تكليف الكاظمي في قصر السلام بوسط بغداد:
زعيم تنظيم بدر هادي العامري ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورجل الدين الشيعي عمار الحكيم. كما حضر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت.
ثلاث ركائز قوة
المراسم التي رافقت تكليف الكاظمي توحي بأن هناك توافقاً إقليمياً على رجل المخابرات الأول في العراق، الذي صار يملك ثلاث ركائز قوة في العراق.
أولى هذه الركائز هي علاقة متينة مع الولايات المتحدة، عززها في التعاون خلال مرحلة قتال تنظيم "داعش" وصولاً إلى القضاء على زعيمه أبو بكر البغدادي.
أما الثانية فهي بث الروح وتجديد خط التواصل مع إيران التي استثمرت ذلك بوضع ثقتها في الكاظمي كشخصية قادرة على نزع فتيل الأزمة في البلاد.
والركيزة الثالثة هي علاقة أكثر من جيدة مع الجارة السعودية، خصوصاً وأن هناك علاقة صداقة تربط الكاظمي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب مصادر سياسية.
ومنذ استقالة حكومة عبد المهدي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يعيش العراق ركوداً سياسياً. وأصبح الكاظمي المحاولة الثالثة لتشكيل حكومة جديدة منذ بداية 2020، بعد اعتذار الزرفي، وقبله محمد توفيق علاوي. وأمام الكاظمي الآن حتى التاسع من أيار/ مايو المقبل، لتقديم تشكيلته الحكومية.
مرحلة جديدة وتحديات كبيرة
لكن مصدراً مقرباً من دائرة القرار، أشار إلى أن المرحلة الصعبة "مرّت"، مشيراً إلى أن "الحكومة وبرنامجها سيكونا جاهزين خلال ثلاثة أسابيع، والمحور الآن في مرحلة الحديث عن دور الحكومة في مستقبل العراق". بيد أن ذلك لا يعني أن التحديات التي واجهت أسلافه لن تتواصل. فما يزال الكاظمي أمام عقبة المطالبة بالانسحاب الأميركي من البلاد، ومواجهة أزمة وباء كورونا، إضافة إلى تراجع إيرادات النفط العراقي إلى نحو النصف في آذار/ مارس الماضي
فيما يرى بعض المشككين في العراق أن الكاظمي ليس إلا حلقة في "مسلسل المماطلة السياسية" للإبقاء على عبد المهدي في منصبه.
ع.غ/ ز.أ.ب (آ ف ب، رويترز، د ب أ)