رشا حلوة: كشوفات الأمراض النسائيّة في ظلّ أحكام المجتمع
٢٢ نوفمبر ٢٠١٧منذ أن أدركت أهميّة الكشوفات الطبيّة لجسدي كامرأة، وأعتقد أن هذا الإدراك كان منوطًا بازدياد عمري من جهة وكذلك لأن والدتي ممرضة من جهة أخرى، بدأت بالمواظبة على زيارة طبيب/ة أمراض نسائيّة كل فترة ما، مواظبة تكمن في حماية جسدي، وانطلاقة من خصوصيّة جسدي كامرأة، تمامًا كما أهتم بصحّة قلبي ومعدتي ورأسي. وعلى الرّغم من الإدراك الكامل لذلك اليوم، لكن الوصول إليه كان مرفقًا بالحاجة إلى المعرفة وتخطي صراعات ذاتيّة واجتماعيّة عديدة، كلّها خارجة عن الموضوع الأهم: صحّة جسدي، الذي يجب أن أعتني فيه قبل كل شيء آخر، خوفًا عليه وحماية له.
في حديث مع صديقة عن الموضوع، قالت: "عانيت مرة من التهابات في المنطقة الحساسة، عندها أخذتني والدتي لزيارة طبيبة نساء، عندما خرجت الممرضة، تحدثت مع أمّي وليس معي، وسألتها فورًا: "هل ابنتك حامل؟"، أجابتها أمّي بالنفي. قصتي هذه، هي عيّنة لما تعتقد شريحة كبيرة من مجتمعاتنا، بأن زيارة النساء لطبيبة أمراض نسائيّة فقط عندما تكون حاملًا، وكأن الرحم وظيفته بالحياة هو الحمل والولادة، ولا من أعراض أخرى بإمكانه أن يعاني منها، وهذه أزمة كبيرة".
تنصح منظمات الصحّة العالميّة، بضرورة زيارة طبيب/ة نساء على الأقل مرة كلّ عام، وذلك في حال لم تعاني المرأة من مرض ما أو أعراض تحتاج إلى استدامة في الزيارات الطبيّة، كما أن هنالك أبحاث تفيد بأنه من الضروريّ أن تبدأ الفتاة بزيارة طبيب/ة نساء عندما تصل إلى جيل المراهقة، من أسبابها هي الاطمئنان على التطوّر الطبيعيّ لجسدها، وكذلك حياتها الجنسيّة التناسليّة في المستقبل، كما أن مراجعة طبيب/ة أمراض نساء في جيل المراهقة هي أيضًا لحماية الأجساد من أمراض مستقبليّة، كمنحها لقاح مضاد للإصابة بسرطان عنق الرحم.
يشكّل جسد النساء في مجتمعاتنا، خاصّة المحافظة منها، تابو أساسيّ، مما خلق هذا "التابو" تحفظًا من قبل شريحة كبيرة من النساء، بل إهمالًا، نحو الاهتمام بصحة أجسادهن بسبب الثقافة السائدة نحوها، هذا أيضًا له انعكاسات عديدة نحو معرفة المرأة لجسدها، لحاجتها ولأوجاعها، بداية من كيفية التعامل مع الألم الجسديّ الأوّل، إلّا وهي آلام الدورة الشهريّة، وفي كثير من الأحيان، ولربما بالماضي أكثر مما هو اليوم، لا تُجَهّز الفتيات نفسيًا وجسديًا لهذا الألم الذي يزور أجسادهن مرة كلّ شهر.
تكمن الأزمة أيضًا بمسألة الوعي تجاه الكشوفات الطبيّة لأجساد النساء، وضرورة الزيارات الروتينيّة، كما وأن لدى غالبيّة المجتمعات المحافظة، فإن زيارة طبيب/ة أمراض نسائيّة هو أمر فقط يجب أن تفعله المرأة بعد مرورها جيل الثلاثين أو عندما تتزوج أو تحمل أو تنجب، وكأن كل ما يتعلّق بصحة جسدها ما قبل ذلك، كما وضرورة أن تعرف المرأة جسدها، ليس له أيّ أهمية. ومعرفة الجسد، هو بالضرورة معرفة ما يطرأ عليه من تغييرات، لأنها وحدها ستدرك ذلك وبالتالي معرفتها له واكتشافها لهذه التغييرات، ستكون بمثابة حماية مسبقة لأعراض عديدة بإمكان السيطرة عليها، منها؛ اضطرابات الحيض، التهابات المناطق الحساسة في جسدها (وهذا ليس بالضرورة أن يكون له أيّ علاقة بالممارسة الجنسيّة)، تكيس المبيض وغيرها. ألم نكن نحن الذين قُلنا: "درهم وقاية خير من قنطار علاج؟".
قلة الوعي هذه، وربط زيارة طبيب/ة الأمراض الجنسيّة بأفكار مسبقة عن "الأسباب المخفيّة" وراء الزيارة، شكّل ولا زال يشكّل حالة من التجاهل التام لكثير من النساء لصحة أجسادهن، هذا التجاهل نابع من جهة من خجل، ومن جهة أخرى من مخاوف الأحكام المجتمعيّة عليهن إن قررن زيارة طبيب/ة أمراض نسائيّة، سأتحدث عن الخجل لاحقًا، ولكن سأتطرق بداية إلى مخاوف بعض النساء من الكشوفات الطبيّة. بعد سؤال نشرته عبر صفحتي في فيسبوك حول موضوع المقال، وصلتني رسالة من (س.)، قالت فيها: "كامرأة مطلقة، أفكر ألف مرة قبل أن أذهب لطبيبة نساء. سأذهب فقط لو كانت المسألة حياة أو موت. الأمر غير متعلّق بالخوف، إنّما هو قلق من سماع كلام يجرحني. سأذهب فقط في حالات حرجة، لكن إن أردت الذهاب لكشف روتينيّ، سيعرف عندها الطبيب تاريخي ومعلوماتي الخاصّة، وهنالك قلق من هذه الأحكام، لذلك أفضل عدم الذهاب".
الأمر الآخر الذي يردع عددًا كبيرًا من النساء للذهاب إلى كشوفات طبيّة هو الخجل المبني على التعامل مع أجسادهن، وهو نتاج تراكمات عديدة، غير متعلّقة فقط بزيارة طبيب/ة أمراض نسائيّة، إنّما كل ما يتعلّق بعلاقتهن مع أجسادهن. مسألة الخجل وعلاقتها مع زيارة طبيب/ة أمراض نسائيّة، تم تداولها كثيرًا، وهي مفهومة وشرعيّة تمامًا، ومن الطبيعيّ أن تمرّ بها كلّ امرأة تذهب لكشف طبيّ عاديّ، حتى فحوصات سرطان الثدي، وهذا موجع بحد ذاته؛ فإن ردع الخجل للعديد مننا، ينتج عنه عدم حماية مسبقة لأجسادنا، بدلًا من أن تكون فحوصات الأمراض النسائيّة تشبه تمامًا فحوصات الدم.
من الجدير بالإشارة إلى أمريْن، الأوّل هو قضية التأمين الصحيّ وصعوبته في بلادنا، وبسبب التكاليف الباهظة للاستشارات أو العلاجات الطبيّة، لا تضع العديد من النساء مسألة الكشوفات الطبيّة لأجسادهن في أولوياتهن، وهذا مفهوم وموجع في آن، خاصة في ظلّ أنظمة لا تعطي الإنسان القيمة التي يستحقها، وصحّته دائمًا على الهامش وتحتاج إلى أموال كثيرة. الأمر الثاني هو ضرورة الإشارة إلى أنّ مؤسسات مجتمع مدني عديدة في بلادنا تعمل باستمرار نحو رفع الوعي إزاء صحّة النساء الجسديّة، بطرق عديدة، منها العمل المباشر مع النساء، وكذلك تشكيل الضغوطات على الجهات الرسميّة المسؤولة عن توفير الأمان الصحّي وغيرها.
قضية الوعي نحو الكشوفات الطبيّة الروتينيّة لأمراض النساء، هي إحدى القضايا العديدة التي تخص النساء، أجسادهن وحياتهن. وهي تمامًا كقضايا عديدة تتجاهل قيمة المرأة كإنسان، وتهمّشها وتهمّل خصوصيّاتها؛ النفسيّة والجسديّة، وكأن جسدها سيبقى قضية عامّة وتابو عامّ في آن، يتدخل ويحكّم عليه، غالبًا، من لا علاقة له فيه، ولا معرفة لما يمرّ به. ولهذا، الخوف على صحّته يجب أن يكون أكبر من أيّ خوف آخر، لأنه يخصّنا فقط.
رشا حلوة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.