رغم "الخوف الألماني".. الألمان أصبحوا "أكثر شجاعة"
٩ سبتمبر ٢٠١٩إنها من بين الكلمات القليلة التي انتقلت من الألمانية إلى الانجليزية: الخوف. "فالخوف الألماني" مشهور عالميا مثل ماركة فولكسفاغن، ماركة وإشارة تمييز منفردة.
حربان عالميتان ثم الهرب والتهجير ثم بناء الجدار بثت في هذا الشعب في القرن العشرين الشعور بالخوف الجماعي، كما تفيد النظرية الرائجة. اندثار الغابة، صواريخ نووية، ثقب الأوزون، أمور أخرى دفعت إلى التفكير بما يكفي في احتمال فناء العالم.
الإرهاب وترامب
وفي هذا القرن تمثل الخوف بالأحرى من الانهيار الاقتصادي والإرهاب وأخيرا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أتعب الألمان. كل هذه الاستنتاجات توصلت إليها شركة التأمين R+V، أكبر شركة تأمين في ألمانيا. فمنذ 1992 تسأل الألمان عن المخاوف التي يشعرون بها، علما في النهاية أن شركات التأمين تعيش من الخوف والقلق.
فتراجع مؤشر الخوف إلى 39 نقطة في هذا العام فاجئها، تقول بريغيته رومشتيت من شركة R+V للتأمين، في حديث مع دويتشه فيله. "لأنه يوجد مشاكل ملحة مثل التحولات المناخية. لكننا نلاحظ أنه في السنوات التي كان فيها الخوف كبيرا جدا، يطرأ في أحد الأوقات انفراج وهذا ما حصل هذا العام". كما أن النمو الاقتصادي الجيد للسنوات الأخيرة كان له مفعول إيجابي، كما أضافت رومشتيت. "فالخوف من البطالة مثلا أصبح أقل من أي وقت مضى".
خوف مستمر من اللاجئين
والخوف هذه السنة كبير بوجه خاص من أن تصبح الدولة بسبب أعداد اللاجئين المرتفعة مجهدة. 56 من الألمان يخشون هذا الأمر ـ المرتبة الأولى في ترتيب القلق. وبعدها بقليل يأتي الخوف من تدفق الأجانب الذي قد يتسبب في توترات.
"عدد قليل من الناس لهم بالفعل تجارب شخصية غير مرضية مع لاجئين قد يتسببون لهم في الخوف"، يقول أولريش فاغنر، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة ماربورغ. كما أن عدد اللاجئين الجدد تراجع باستمرار منذ 2016. " إنه بالأحرى الجدل في السياسة والإعلام حول هذا الموضوع الذي يثير هذه التخوفات والخشية"، يقول فاغنر لدويتشه فيله.
الخوف متجذر بعمق في الشرق
قوة التطرق إلى موضوع ما تحدد مدى القلق الذي ينتابنا من جراء ذلك. "البيانات الأخيرة تكشف مثلا أن الخوف من الإرهاب تراجع بوضوح بالمقارنة مع السنة الماضية"، يقول فاغنر. " فنحن لا نتحدث ببساطة كثيرا عن هذه الأحداث المخيفة وهذا يجعل الناس يشعرون بأمان أكبر".
ونتيجة إضافية مستوحاة من الدراسة هي أن النساء ينتابهن القلق أكثر من الرجال. وهذا لم يتغير منذ 1992، تقول بريغيته رومشتيت من شركة R+V. لكن الملفت للانتباه أكثر هو اختلاف آخر:" في شرق البلاد تكون المخاوف أعلى بعشر نقاط مئوية مقارنة مع الغرب". وهذا من شأنه تفسير لماذا يجني حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي اليميني في الشرق الكثير من الأصوات ـ كما حصل مؤخرا في الانتخابات المحلية في براندنبورغ وساكسونيا.
الخوف من الغرباء
وتشرح رومشتيت هذا الفارق بشعور الكثير من الناس في الشرق بالإخفاق، لأنهم يكسبون قدرا أقل من المال مقارنة مع الغرب. وبالنسبة إلى خبير علم النفس الاجتماعي، فاغنر فإن التجربة الناقصة في التعاطي مع الأجانب تلعب دورا. " التناقض يتمثل في أنه يوجد عدد أقل من الناس في شرق ألمانيا لهم جذور أجنبية ويعيشون مع عدد أقل من اللاجئين مقارنة مع غرب المانيا ومع ذلك فإن التخوفات هناك أعلى". ويقول فاغنر إن من له تجارب شخصية مع أجانب ليس من السهل بث الخوف في نفسه بالأخبار المربكة حول اللاجئين. "والناس في شرق ألمانيا لهم ببساطة إمكانيات أقل لعيش تجارب مع لاجئين".
أحداث غير معتادة تبث خوفا أكبر
الخوف الأكبر وجب على الألمان الشعور به من الإصابة حقيقة بسكتة قلبية أو أمراض السرطان. فهذه هي الأمراض المميتة رقم واحد. أو التعرض للإصابة من جراء حادثة سير. وهذا المصير يطال كل سنة نحو 400.000 شخص في ألمانيا. ويبدو أن هذا لا يثير قلق الكثير من الناس. "حوادث السير هي أحداث متوسطة وغير مثيرة، وتؤثر على مخاوفنا أقل من الأحداث غير المعتادة"، كما يقول فاغنر الذي يشير إلى أنه وجب تصحيح هذا الخطأ في الاستيعاب البشري للمعلومات.
المخاوف لها أهمية
نتائج دراسة شركة R+V كشفت أن المخاوف المبالغ فيها تتراجع ببطيء في ألمانيا، يقول فاغنر. وليس من المرغوب فيه العيش في حياة بدون خوف. "فالمخاوف لها مهمتها. فعندما أعرف بأن بعض الأمور خطيرة بالفعل، فإنه من المعقول أن أتجنبها". فالتخلي كليا عن المخاوف أمر طائش، وبالتالي وجب الحفاظ على قدر من "الخوف الألماني".
بيتر هيله/ م.أ.م