زيارة تبون لموسكو.. "تحالف" ضد الغرب أم سعيٌ لتعدد المصالح؟
١٥ يونيو ٢٠٢٣زيارة رسمية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لروسيا بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين تدوم ثلاث أيام. الزيارة لا يبدو أنها تخصّ فقط تأكيد علاقات قوية تجمع الدولتين منذ عقود، بل قد تكون بوابة لطموحات مشتركة ستؤثر على خارطة التحالفات الدولية، وكذلك على الوضع الاستراتيجي للجزائر في محيط إقليمي يتسم بعلاقة متوترة مع جارها المغربي وأخرى باردة نوعا ما مع دول أوروبية متعددة.
تنويع للشراكة؟
يقول عبد السلام بشاغة، رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية بين الجزائر وروسيا، لـDW عربية إن الطابع الاقتصادي سيطغى على الزيارة بحكم تنظيم منتدى رجال أعمال بين الدولتين، وكذلك مشاركة تبون في المنتدى الدولي الاقتصادي سانبترسبورغ، وتوقيع منتظر على "وثيقة تعاون استراتيجي معمق"، ستعطي "آفاقاً جديدة خاصة بتنويع التعاون الاقتصادي ليشمل مجالات متنوعة كالطاقة والزراعة والأمن السيبيراني والتعليم والثقافة والسياحة".
وتعد الجزائر واحدة من الدول القليلة التي لم تندد بالغزو الروسي لأوكرانيا واختارت الامتناع عن التصويت في كل الجلسات التي عقدتها الأمم المتحدة، ومقابل تأكيداتها الرسمية أنها لا تنحاز لأيّ طرف في الحرب، فهناك إشارات متعددة بيّنت تقارباً جزائرياً-روسياً.
ومن هذه الإشارات انتقاد مصادر تحدثت لجرائد جزائرية حضور الرئيس الأوكراني زيلينكسي في القمة العربية، وعدم لقاء الجزائر بأيّ مسؤول أوكراني منذ بدء الحرب، فضلاً عن مشاركة الجزائر وروسيا للموقف ذاته في الملف السوري، وخصوصا دعم حكومة دمشق.
لكن المحلل السياسي والمحاضر في جامعة باريس خطار أبو دياب، لا يرى أن الجزائر ابتعدت عن المعسكر الغربي، وأنها تحاول إبقاء علاقة متوازنة مع الجميع، لكن مع ميل أكبر نحو الصين وروسيا، مردفاً لـDW عربية أن الجزائر لا تزال تحافظ على علاقات مع أوكرانيا ومع الغرب عموماً، وأنها شكلت بديلاً عن الغاز الروسي لعدد من الدول الأوروبية، لكن "قد تكون الزيارة رسالة من الجزائر بأن لديها هي الأخرى حلفاء، وذلك في سياق علاقتها المتوترة مع المغرب الذي تقارب مؤخراً مع إسرائيل ".
بيدَ أن حجم الاتفاقيات التي تبتغي الجزائر توقيعها مع روسيا خلال زيارة تبون، ورغبة الجزائر بأن تستثمر الشركات الروسية في الجزائر، قد يقلق الغرب الذي يبحث عن وقف تمويل آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، وسبق لموسكو أن تحدثت عن وجود انزعاج أمريكي من علاقاتها مع الجزائر، كما سبق لنواب أمريكيين أن طالبوا بفرض عقوبات على الجزائر لشرائها كميات كبيرة من السلاح الروسي.
روسيا.. المصدر الأول لتسليح الجيش الجزائري
رغم تراجع استيراد الجزائر للسلاح في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 58 في المئة، حسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن روسيا هي المموّل الرئيسي للجيش الجزائري. وحسب بيانات المعهد، فـ 73 بالمئة من السلاح الذي تستورده الجزائر يأتي من روسيا، و10 بالمئة فقط من ألمانيا، وفقط 5.2 في المئة من فرنسا.
كما أنه رغم الانخفاض، تبقى الجزائر ضمن المستوردين الثلاث الكبار للسلاح في إفريقيا، رفقة مصر والمغرب. وتعيش المنطقة منذ سنوات على وقع سباق تسلح مغربي- جزائري، لكنه يبقى أكبر في الجزائر، إذ وصل إلى 10.3 مليار دولار بينما لم يتجاوز في المغرب 3.7 مليار عام 2019، مع فارق جوهري آخر يكمن في توجه المغرب أولاً للسوق الأمريكية مقابل توجه الجزائر للسوق الروسية.
ولا يعتقد أبو دياب أن الجزائر ترغب بأن تتوقف مشترياتها من السلاح على روسيا، وأنه رغم الحضور الكبير للسلاح الروسي، فهي كذلك باتت تبحث عن أسواق أخرى سواء من الغرب أو من تركيا أو من الصين، لكن الأمر عموماً يبقى مؤشراً مقلقاً، إذ يندرج في سباق التسلح مع المغرب، ما قد تكون له انعكاسات سلبية على المنطقة.
ويشير تحليل لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن "اعتماد الجزائر التاريخي على الدعم العسكري الروسي قد يتحول إلى نقطة ضعف"، وذلك سبب المشاكل التي عرفها تصدير الأسلحة الروسية بسبب حرب أوكرانيا وانخفاض مجمل الصادرات الروسية نحو العالم بـ30 في المئة، لذلك "ربما تستغل الجزائر وضعها كزبون قديم للتفاوض على صفقات أفضل، أو تبدأ بالبحث عن دول أخرى لإمداداتها العسكرية".
بريكس.. انضمام قريب؟
تثار قضية انضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس، إذ قدمت الجزائر منذ مدة طلب الانضمام إلى هذه المنظمة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وسبق لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن أشار إلى أن الجزائر توجد في صدارة المتقدمين للمنظمة، كما صرح تبون هذا العام أن بلاده ستنضم للتجمع أولاً كمُلاحظ قبل أن تصبح عضواً.
وفي رأي عبد السلام بشاغة، فإنه من المرتقب أن تعطي هذه الزيارة "دفعة مهمة للجزائر لأجل الانضمام إلى بريكيس"، لأهداف منها "تنويع العلاقات والشركاء بما يضمن المصالح الجزائرية"، وهو ما ظهر حسب قوله في زيارات أجراها تبون إلى عدة دول كتركيا وقطر والبرتغال.
ويُنظر لبريكس على أنها منافس لمجموعة السبع الكبار أو حتى بديلا لها أو أن تكون ممثلة لمجموعة دول الجنوب، وقد نأت عن اتخاذ أيّ موقف ضد غزو روسيا لأوكرانيا، وتشير تقارير إلى نمو المبادلات بين دول المجموعة. وبات التجمع يجذب دولاً أخرى منها الإمارات ومصر والأرجنتين ونيجيريا، وهناك قلق غربي من أن يتحول من تكتل اقتصادي إلى تكتل سياسي، وأن تبسط عليه روسيا والصين سياساتهما بحكم أنهما أكثر الأعضاء نفوذاً.
لكن أبو دياب يتحدث عن أن الانضمام إلى بريكس غالبا ما تحكمه أهداف بالاستفادة الاقتصادية وتنويع العلاقات وتشجيع وجود عالم ثنائي القطب. ويرى أن الموافقة على انضمام الجزائر سيبت فيه بقية الأعضاء كالصين وليس فقط روسيا، لكن الإمكانية قوية بحكم العلاقات القوية بين الجزائر وبقية أعضاء التجمع، وكذلك بحكم دور الجزائر في سوق الطاقة العالمي.