سيرا على الأقدام.. قصة إيرانيين هربا إلى ألمانيا
١٥ أغسطس ٢٠٢٤اضطر الكثير من الإيرانيين إلى الهروب من بلادهم خوفا من حملة القمع الشديدة التي قامت بها الحكومة الإيرانية قبل عامين لإنهاء المظاهرات الحاشدة التي عمت البلاد عقب وفاة جينا مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق".
وقالت منظمات حقوقية إن قوات الأمن الإيرانية قتلت أكثر من 500 شخص واعتقلت أكثر من 20 ألفا خلال موجة الاحتجاجات.
وكان الشاب ميلاد من بين الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشارع للتظاهر احتجاجا على مقتل الشابة الكردية مهسا اميني. وفي مقابلة مع DW، قال ميلاد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه كان يشارك بانتظام في احتجاجات مناهضة للحكومة منذ عام 2008 ما جلب عليه الكثير من المشاكل.
واتهم ميلاد، البالغ من العمر 35 عاما، قوات الأمن الإيرانية بإطلاق النار على عينه خلال موجة الاحتجاجات الأخيرة مما أدى إلى فقده البصر في إحدى عينيه، فضلا عن تعرضه للاعتداء أثناء الاحتجاز. واُطلق سراحه بعد أن قام بالتوقيع على تعهد يقضي بعدم مشاركته في أي احتجاج.
وتكررت تجربة ميلاد بفصولها المريرة مع قصة الشاب العشريني أوميد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته.
وفي مقابلة مع DW، قال أوميد، وهو ضابط سابق في الشرطة الإيرانية، إنه جرى فصله من العمل عام 2017 لرفضه المشاركة في ممارسات القمع التي تقوم بها الشرطة. وفي ذلك، قال: "قررت عدم المشاركة في قمع أهلي".
رحلة الهروب
وفي مارس/آذار العام الماضي، اتخذ أوميد وميلاد قرارا بضرورة الهروب من طهران خوفا على حياتهما؛ فعلى سبيل المثال كان أوميد قد تعرض للاعتقال مرتين. وكانت وجهتما إسطنبول.
وفي ذلك، قال أوميد "لقد هربت بمساعدة والدي الذي كان جنديا سابقا واستخدم نفوذه حتى يتم إطلاق سراحي عقب اعتقالي للمرة الثانية. بعد ذلك قررت الهروب".
وبمجرد أن وطأت أقدامهما تركيا، شق أوميد وميلاد طريقهما إلى اليونان. لكن لم تكن الرحلة بسيطة؛ إذ تعين عليهما السير على الأقدام لقرابة أربع أيام وركوب قارب لعشر دقائق. ويسرد أوميد تفاصيل الرحلة التي مازالت عالقة في ذهنه وكأنها كانت بالأمس.
وقال "لم أتناول أي طعام لقرابة ثلاثة أيام في اليونان. المياه المتجمعة على أوراق الشجر والمستنقعات كانت مصدر شربنا الوحيد. كان الأمر في غاية الصعوبة. تقرحت أقدامي بسبب المشي لمسافات طويلة، لكن رغبتي في العيش بحرية مرة أخرى، دفعتني إلى الاستمرار".
بيد أن رحلة السفر إلى أوروبا كانت أيضا خطرة فقد كان يتعين عليهما اجتياز نقاط تفتيش عند حدود كل دولة. وفي هذا السياق، قال ميلاد إن "نقطة التفتيش عند حدود صربيا كانت الأصعب. لقد جرى احتجازي من قبل الشرطة أكثر من ست مرات هناك."
وأضاف "قد تعجز الكلمات عن وصف تفاصيل الرحلة المروعة، فالكلمات لا يمكن أن تنقل الصعوبات. نمت في كيس قمامة تحت الأمطار. لم يكن معنا سوى حقيبة ظهر وبعض بقايا طعام وزجاجتين من الماء."
أما أوميد، فقال إنه شعر بقلق شديد عند اجتياز حدود كرواتيا، مضيفا "قالت الشرطة إنها ستعيدنا إلى إيران".
الوصول إلى ألمانيا
وعند حدود صربيا، التقى أوميد بميلاد حيث أكملا الرحلة معا حتى وصلا إلى مقصدهما، ألمانيا . وفي ذلك، قال أوميد إن الشرطة الألمانية استقبلتهما وآخرين بشكل جيد على عكس نقاط التفتيش الحدودية الأخرى طول رحلة الهروب.
وأضاف "كانت معاملة الشرطة الألمانية إنسانية". واتفق ميلاد في هذا الرأي، قائلا: "أشعر حقا بالأمان في هذا البلد". وكحال الأخرين، تقدم أوميد وميلاد بطلب لجوء حتى يتمكنا من العيش حياة طبيعية في ألمانيا.
وأعرب أوميد عن أمله في أن تواصل الحكومة الألمانية دعم الإيرانيين الذين أجبروا على الفرار، قائلا: "لقد اضطر الكثير إلى الفرار من منازلهم ووطنهم وعائلاتهم وممتلكاتهم لإنقاذ حياتهم".
وصول رئيس إصلاحي .. هل سيحدث الفرق؟
ومنذ الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني، تدهورت الأوضاع السياسية والاجتماعية في إيران فيما يواجه العديد من المتظاهرين الاضطهاد وعقوبات بالسجن لفترات طويلة.
وأدت حملة القمع التي شنتها المؤسسة الدينية للنيل من حقوق المرأة وحقوق الإنسان، إلى فرار الكثيرين من البلاد رغم أخطار الهروب. بيد أنه مع انتخاب مسعود بزشكيان رئيسا لإيران، ظهرت تكهنات عن حدوث تغيرات في البلاد على وقع اعتباره رئيسا إصلاحيا.
وخلال حملته الانتخابية، تعهد بزشكيان بالعمل على بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، لكن لم يقطع على نفسه تعهدا بإحداث تغييرات جذرية. يُشار إلى أن كلمة الفصل في النظام السياسي الإيراني في يد المرشد آية الله على خامنئي.
وفي مقابلة سابقة مع DW، قال إيغان شهيدي، الباحث الإيراني في جامعة كامبريدج، إنه لا يتوقع أي تحسن في إيران فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات الدينية المضطهدة مثل البهائية حتى مع تولي بزشكيان رئاسة البلاد.
وأضاف "ما هو واضح لنا أن هناك توجيهات ولوائح ساهمت في انتهاك حقوق الشعب الإيراني. هذه القرارات صدرت من منظمات ومؤسسات رفيعة المستوى داخل الحكومة مثل المجلس الأعلى للثورة الثقافية".
وقال "لا يبدو أن الرئيس يمتلك سلطة أو قدرة على إحداث أي تغييرات قد تحسن الوضع الحالي".
الشعور بالأمان في ألمانيا
ويشير ناشطون إلى حقيقة مفادها أنه طالما استمرت الحكومة الإيرانية في انتهاكاتها لحقوق الانسان، فسوف يتبع ميلاد وأوميد الكثير من الإيرانيين الذين يعيشون تحت وطأة الاضطهاد رغم مخاطر الهروب.
وكشف ميلاد وأوميد أنّ قرار الحكومة الألمانية بإغلاق مراكز إسلامية مرتبطة بإيران، زاد من شعورهما بالأمان.
وفي ذلك، قال أوميد "بعد أن أغلقت الحكومة الألمانية مراكز إسلامية مرتبطة بإيران، فإن طلبي وطلب كل الشعب الإيراني هو وضع سباه على قائمة الإرهاب"، في إشارة إلى الاسم الفارسي للحرس الثوري في إيران المكلف بالدفاع عن النظام الديني في البلاد.
أعده للعربية: محمد فرحان