شامة درشول: أرجوك...أريد طفلا
١٨ يناير ٢٠١٧لسبب قد يكون استثنائيا لفتت قصة هدير انتباهي...هدير، تلك الفتاة المصرية التي أصبحت تحمل لقب "أول أم عازبة في مصر"، والتي حسب ما قالت، رفضت أن تستجيب لضغوط من أهلها، وزوجها بعقد عرفي، وأهله، وان تتخلص من حملها حتى لا تحمل لقب أم عازبة، وحتى لا يحمل طفلها لقب لقيط، في مجتمع مصري يعترف بالزواج العرفي، لكن لا يعترف بما يثمر عنه.
ليس هذا ما لفت انتباهي في قصة هدير وانا القادمة من مجتمع مغربي يصنف أول مجتمع في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا الذي اعترف بحق الأم العازبة، وحقوق طفلها، اعترافات لا يزال ينقصها الكثير من أجل اقناع المجتمع بحق هذه الفئة في أن ينظروا اليهم كمواطنين أولا وأخيرا، وما تبقى هي تفاصيل تخصهم، لا تخص غيرهم.
الذي لفت انتباهي في قصة هدير، والتي هي بالمناسبة صحفية وناشطة حقوقية، هو أننا نساء المنطقة وبجميع مستوياتنا الثقافية والاجتماعية، نفكر بنفس الطريقة "نريد طفلا يمنح لحياتنا معنى، نريد طفلا يعوضنا عن حرماننا من حب الاهل والرجل، نريد طفلا نحمي من خلاله أنفسنا من الوحدة والشيخوخة وتقلبات الزمن، نريد طفلا نخبئ فيه ضعفنا حين يكبر ويتقوى".
تابعت بامعان الطريقة التي كانت تتحدث بها هدير عن طفلها، عن إصرارها على عدم التنازل عنه، عن عدم قتله، عن عدم اجهاضه، عن الاحتفاظ به في احشائها، واخراجه حيا إلى الوجود. اصرار هدير لم يكن فقط إصرار امرأة تريد التشبث بطفلها، إصرار هدير تشبثا بطوق الأمان، ألا تقولون لنا ونحن طفلات صغيرة أننا يجب أن نتزوج لننجب وليكبر أبناؤنا ويعتنوا بنا حين نشيخ أو حين ينبذنا الرجل من أجل أخرى؟ علمتمونا ونحن لا زلنا نلعب بالدمى أن أهم حماية لنا كاناث هم أطفالنا، كذلك هدير، مثلنا، تلقت نفس الدرس، وحفظته عن ظهر قلب، وراحت تبحث خارج مدارات الاهل عن رجل يمنحها طفلا، ويمنحها معه الشعور بالأمان مما قد يأتي.
عبارات شتائم وسب وقذف عديدة انهالت على هدير لأنها اختارت أن تحتفظ بجنينها وتخرجه طفلا، العبارات انهالت ويا للغرابة من النساء قبل الرجال، لكن لا أحد فكر قبل أن يتلكم ويشتم، ويتساءل وهو يتهم هدير بالانحلال الخلقي، والابتعاد عن الدين، وتلك التهم المستهلكة، لا أحد تساءل عن الخطأ الذي يرتكب في تربيتنا خطأ، وفي تلقيننا تعليمات خطأ، وفي توجيهنا إلى الحياة بطريقة خطأ. لا أحد توقف وجلس يسأل نفسه لماذا هؤلاء الأمهات هن بدون رجل، حتى وان كان هذا الرجل موجودا.
المسألة ليست مسألة أمهات عازبات فقط، وحقوقهن في هذا المجتمع الذي لا تملك فيه لا الزوجة، ولا العازبة، ولا المطلقة، ولا الارملة، ولا العاقر، ولا الولود، أي حق، الا من اقتلعت قلبها من جذورها وراحت تفترس كل شيء من أجل لا شيء...
المسألة ليست مسألة أن هدير أنجبت بزواج عرفي أو من دون زواج، المسألة أن تربيتنا نحن النساء في هذا المجتمع العقيم تربية لا تنتج سوى العقيمين فكريا ومعنويا ونفسيا.
يخبرونا ونحن صغيرات أنه علينا أن نجيد الطبخ، والكي، والنفخ، لان اقرب طريق للرجل معدته، يخبرونا أنه علينا أن نتعلم إرضاء الرجل وارضاء اهله، لانه ان احبك أهله أحبوك، يخبرونا أنه علينا أن نكون ذكيات وفطنات وأن نوقع بأول رجل في طريقنا حتى ننجب بسرعة، ويكبر ابناؤنا بسرعة، ليعتنوا بنا بسرعة...
لا أحد يعلمنا ونحن طفلات صغيرات أن نحب، لا أحد يعلمنا ونحن طفلات صغيرات أن نكون معتدات بأنفسنا، لا أحد يعلمنا ونحن طفلات صغيرات أن نحمي أنفسنا بأنفسنا، لا أحد يعلمنا ونحن طفلات صغيرات أن نحب أنفسنا لأننا ولدنا إناثا، وسنكون نساء، لا أحد يعلمنا ونحن طفلات صغيرات أن نجتمع برجل لأننا نحبه وليس لأننا نحب ما سيحولنا اليه هذا الرجل، لا أحد يعلمنا ونحن طفلات صغيرات أننا بشر من قلب ومشاعر وليس وعاء يبحث عمن يمنحه بذرة تنمو في داخله فتخرجه طفلا يحمل بين يديه مفتاح الأمان، وجواز الحماية من مجتمع عقيم.
هدير ليست قصة امرأة مصرية وجدت نفسها تحمل لقب أم عازبة، بل هي قصة كل النساء اللواتي تربين على أن يكن أمهات ليضمن لأنفسهن مكانا ومكانة في هذا المجتمع، هي قصة كل الأمهات اللواتي تربين على أن يكن أمهات لا نساء، هي قصة نساء يبحثن عن الأمان والحب في اطفالهن بعد أن اخبرهن الاهل والرجل أن لا حب ولا أمان بين ظهرانيهم...لذلك ارحمن ايتها النسوة هدير، وارحمن طفلها، فما هي الا صورة عنكن، ما هي الا صوت لكن، ما هي الا أنتن، سواء كنتن مع رجال أو بدون رجال، أنتن مجرد مشروع أمهات...لا نساء.