ظاهرة التدواي الذاتي– الجزائريون يفرون من الطبيب ويتحالفون مع الصيدلي
٢٧ نوفمبر ٢٠١٢تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية سنويا على الأخطار الكثيرة التي تسببها الأدوية الكيماوية على صحة الإنسان، بما في ذلك الأدوية المستعملة في معالجة بعض الأمراض البسيطة، وثبت أن من 25 إلى 35 بالمائة من الأمراض التي تصيب الإنسان تنتج عن مضاعفات جانبية للأدوية الكيميائية، وهذا الخطر يزداد بشكل كبير في حال تناول الدواء مهما كان نوعه دون وصفة طبية. هذه الحقيقة العلمية التي يدركها الجميع في الجزائر؛ أطباء، صيادلة وحتى المرضى، لم تحد من الانتشار المتزايد لعدد الأشخاص الذين يستغنون عن خدمات الطبيب، ويلجئون إلى الصيدلي لتشخيص حالتهم وإعطائهم ما يناسب من أدوية، كانت سببا كافيا لإصابة البعض بأمراض خطيرة أدت بحالات منهم إلى الموت.
غياب أخلاقيات المهنة
يقر رضوان شبشوب صاحب صيدلية بولاية ميلة وعضو بالنقابة المحلية بأن الكثير من زبائنه يطلبون أدوية دون أن يقدموا وصفات، والبعض الأخر يطلبون النصيحة بعد أن يصفوا لنا أعراض المرض، "لكننا لا نقدم لهم إلا المسكنات وأدوية خافضات الحرارة والمضادات الحيوية الخفيفة وأدوية السعال والرشح، وهي الأدوية المصنفة في القائمة ج"، ويضيف رضوان لـ DW عربية "ننصح زبائننا المرضى دوما باستشارة الطبيب، لأنه وحده من يستطيع تشخيص المرض، فأعراض الكثير من الأمراض متشابهة، والطبيب وحده من يصف الدواء المناسب لكل مرض، لكن الأغلبية لا يستمع لنصائحنا ويغير فقط لصيدلية أخرى".
ولا ينكر رضوان وجود بعض الصيادلة الذين لا يحترمون قوانين وأخلاقياتها المهنة، ويبيعون أدوية خطيرة لها مضاعفات جانبية بدون وصفة الطبيب، بحجة أن دخل الصيدلية ضعيف، أو أن من يقوم بالبيع ليس له علاقة بمهنة الصيدلة الأمر الذي يهدد الصحة العامة ويكلف خزينة الدولة ميزانية ضخمة. ويرى الصيدلي رضوان أن "هناك صعوبات كثيرة تواجهنا من أجل ترسيخ الثقافة الصحية السليمة في المجتمع الجزائري"، ويقول "رغم التحولات الكبيرة التي وقعت داخل المجتمع وانفتاحه على ثقافات العالم، إلا ممارساته في بعض القضايا لازالت تقليدية، ولازال يتعامل مع الصحة من باب التجربة والخطأ مع الأدوية، وما ينفع لجاري ينفع معي لأني مصاب بنفس المرض".
ارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة
ويرجع سفيان (32 سنة) الذي التقيناه بإحدى الصيدليات في الجزائر العاصمة عن السبب الذي يجعله يتناول دواء دون وصفة الطبيب إلى تدني مستواه المعيشي، ويقول: "إمكانياتي المادية المحدودة لا تحتمل مصاريف الطبيب والأشعة والدواء، لذلك ألجأ مباشرة للصيدلي ليزودني بالدواء الذي تعودت شراءه كلما تعرضت أو أحد إخوتي إلى الحمى، الزكام، أو آلام في المعدة"، ويتساءل عثمان في حديثه مع DW عربية "ما الفائدة من الذهاب للطبيب من أجل أن يصف لي نفس الأدوية التي اشتريها من الصيدلية مباشرة، وأوفر على نفسي مبلغ 1500 دينار جزائري لمواجهة متطلبات الحياة الأخرى.
الانترنت يدعم ظاهرة التداوي الذاتي
ودخل الانترنت على خط توسيع انتشار ما يعرف بظاهرة "التداوي الذاتي"، حيث يؤكد سيف الدين (صيدلي بالرويبة، الجزائر العاصمة) أن بعض الزبائن من الشباب، يطلبون عادة علامات لأدوية غير موجودة أصلا في الجزائر، وعند السؤال من أين جئتم بهذه العلامة يقولون الانترنت، ويقول نبيل (22 سنة) لـ DW عربية "أصبحت عندما أشعر بالآم في جسمي أدخل على محركات البحث وأصف الأعراض، وهم يحددون نوع المرض والأدوية المعالجة له، وما أقوم به بعدها هو شراء الدواء من الصيدلية"، ويضيف" لقد أصبحت محركات البحث على الانترنت طبيبي الأول والمفضل، وأنصح زملائي بذلك ومع الوقت أصبحت أملك معلومات طبية جيدة، بالأمراض والأدوية التي تعالجها".
مخاطر تناول أدوية بدون وصفة طبيب
ويرى الدكتور عيسى دردور، المختص في الأمراض الجلدية أن سبب انتشار ظاهرة التداوي الذاتي يعود أساسا إلى نقص الثقافة الصحية وقلة الوعي لدى المواطن، واستخفاف البعض بالدور الذي يقوم به الطبيب من أجل الحفاظ على سلامة صحتهم، ولا يعلم هؤلاء أن بعض الأدوية، إذا لم يتم تناولها بطريقة صحيحة أو رفقة أدوية أخرى تؤذي إلى تسممات وتعقيدات صحية تؤذي أغلبها إلى الوفاة. ويضيف الدكتور عيسى لـ DW عربية "يزورني في العيادة العشرات ممن يتناولون أدوية دون استشارة الطبيب، ويصابون بتشوهات جلدية وهشاشة في العظام، والتي تصبح –للأسف- دائمة ومزمنة ومستعصية على العلاج". ويروي الدكتور عيسى حالة أحد المرضى اشترى دواء "فولتاران" المضاد للالتهابات، من الصيدلية دون وصفة الدكتور، فأصيب بقرحة معدية، كلفته المكوث بالمستشفى 10 أيام، وعلاج لمدة أربعة أشهر.
المتهم الأول.. الصيدلي
وتؤكد دراسة ميدانية أجراها الدكتور حكيم حيطاش، الطبيب المختص في الأمراض الداخلية، على أن التداوي الذاتي في الجزائر من بين أهم الأسباب وراء زيادة فاتورة استيراد الأدوية، كما أنه يمثل نسبة معتبرة من مداخيل الصيدليات. وتشير الدراسة إلى أن ثلث مبيعات الأدوية في بلادنا (28 بالمائة) تتم دون وصفات طبية، مقابل 17بالمائة في أمريكا مثلا. في حين لم تتعدّ نسبة الأدوية التي تباع بتوجيه أو نصيحة من الصيدلي 9 بالمائة، مقابل 63 بالمائة فقط نسبة تلك التي تباع في إطار وصفات يصرفها الطبيب للمريض.
ويحمل الأطباء والمسؤولون على قطاع الصحة، الصيدليات التي لا تحترم القانون، ولا يلتزم أصحابها بأخلاقيات المهنة، حيث توجد الكثير من الصيدليات غير مسجلة في مجلس أخلاقيات المهنة وتعمل خارج القانون، كما أن البعض يشغل أشخاص كبائعين لا علاقة لهم بالمهنة أو يتم في حالات أخرى إيجار شهاداتهم لتجار لا علاقة لهم بالصيدلة.
ويعترف الأمين العام للنقابة الوطنية للصيادلة الخواص، مسعود بلعمبري، بوجود الكثير من المخالفات في القطاع، وأن النقابة تسهر على تطبيق القانون ومعاقبة كل المخالفين بإجراءات ردعية تصل إلى الغلق الصيدلية، ويرى في الوقت نفسه بلعمبري أن المسؤولية أيضا لا يتحملها الصيدلي وحده، بل الجميع وأولهم وزارة الصحة، ودعا إلى القيام بحملات توعية للقضاء على التداوي العشوائي والاستعمال الخاطئ للأدوية، ما من شأنه زيادة الوعي الصحي للمواطن عن طريق الطبيب والصيدلي.