عائلات ضحايا سوريين ينشئون رابطة لمحاكمة القتلة
١ يونيو ٢٠٢٠"كنت متأكدة من أنه زوجي، على الأقل بنسبة 90 في المئة، إنه زوجي ... يبدو نحيفا جدا...اقتلعوا عينيه حيا"، هذا ما قالته أمل عن قصتها. وهي واحدة من بين آلاف القصص التي تختفي من وراء صور "قيصر" المسربة، أطفال ونساء وأمهات وآباء، توقف العالم أمامهم حينما عاينوا صور أحبائهم المعذبين عبر الانترنت.
في عام 2014 قام رجل، يعمل في مركز التوثيق للشرطة العسكرية بسوريا لقب بـ"قيصر"، بتسريب صور التقطها لعدد من الأشخاص ممن توفوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري، والتي وجدت طريقها إلى الكونغرس الأمريكي، وتم على إثرها إقرار قانون لحماية المدنيين السوريين في نهاية عام 2019.
قانون الكونغرس الأمريكي سبقته محاولة لدى عائلات سورية في ألمانيا ودول أوروبية، لجمع شهاداتهم معا وتقديم مرتكبي التعذيب إلى المحاكمة، تحت اسم "رابطة عائلات قيصر".
البداية
ولدت فكرة إنشاء الرابطة عام 2017 حينما سمعت ياسمين مشعان، 39 عاما، عن قرار المركز السوري للإعلام وحرية التعبير برفع دعوات باسم المعتقلين السابقين ضد عدد من الضباط السوريين، "هاتفتهم وتساءلت إن كان بإمكانهم متابعة قضايا ضحايا التعذيب ممن ظهرت صورهم في قيصر"، ولكن المركز أكد أن الحملة تعنى بالمعتقلين السابقين، "تواصوا معي بعد فترة قصيرة لأن العديد من العائلات ممن فقدوا أحبائهم في التعذيب تواصلوا معهم لذات الأمر".
قام المركز السوري بجمع ياسمين مع مريم الحلاق، 66 عاما، والتي فقدت ابنها أيهم خلال التعذيب، وظهرت صورته بين التسريبات، وكان يعرف أيهم بنشاطه في المركز السوري قبيل اعتقاله واختفائه في نوفمبر 2012.
"ومن هنا بدأت فكرة تأسيس رابطة عائلات قيصر في شباط عام 2017"، كما تعلق ياسمين، مديرة التواصل والتنسيق الداخلي في الرابطة لمهاجر نيوز، والتي تم تسجيلها بشكل رسمي في ألمانيا عام 2018، تحت رعاية المركز السوري، وتنتشر في السويد وهولندا وفرنسا.
الخوف من الملاحقة
ياسمين مشعان، خريجة معهد صيدلة وصلت إلى ألمانيا قبل نحو 4 سنوات، مع أطفالها الخمسة، فقدت 5 أخوة خلال الأحداث في سوريا، من بينهم أخ تعرض للتعذيب وانتشرت صورته ضمن الصور المسربة، "كان عمره 36 عاما، وأب لطفلتين".
وجدت ياسمين أن من واجبها ملاحقة ممن أسمتهم بـ"المجرمين"، ورغم أنها لا تمانع من العمل بشكل علني، ولكنها واجهت منذ بداية تأسيس الرابطة مخاوف لدى العديد من العائلات، "هناك خوف أمني، الأعضاء يخشون من ملاحقة النظام لعائلاتهم في سوريا، عدد منهم لديهم أقارب في الوطن، ولهذا قرروا الانضمام لنا بشكل سري، ودون الإفصاح عن هويتهم".
من بين هؤلاء ناشطة بارزة في مكتب السكرتارية والتنسيق والمناصرة في الرابطة، تدعى أمل، فضلت الحفاظ على سرية هويتها، موصية مهاجر نيوز بالتعامل مع معلوماتها بحذر، تذكر لنا عبر اتصال هاتفي معها، أن زوجها وأخيها وأخ زوجها من بين الضحايا، "كانت الصور مؤلمة جدا، اقتلعوا عيني زوجي".
انضمت أمل للرابطة منذ بداية التأسيس، "تواصلت معي رئيسة الرابطة مريم الحلاق، ووافقت فورا"، مضيفة أنها تتمنى أن يسمع صوتها في "أنحاء العالم وجميع وسائل التواصل الاجتماعي"، ولكن بسبب تواجد عائلتها في سوريا فإن يديها مقيدتين بهذا الشأن، "عدم الظهور العلني لا يسمح للرسالة بالوصول إلى الجمهور بشكل كامل، ولكن الرابطة موجودة لهذا الهدف".
توثيق الشهادات ... إعادة فتح الجرح
تعتبر أمل الرابطة عائلتها ومصدر ثقتها، "لقد خففوا عني الكثير، شعرت في السابق كما لو أن حقي مهضوم"، ولكن مع الرابطة فإن صوتها مسموعا، كما تقول.
ولكن تسجيل شهادات عائلات الضحايا ليس بالأمر الهين، تذكر ياسمين أن هناك مكتب توثيق خاص خارج الرابطة يتولى هذه المهمة، "لا يمكن لأعضاء الرابطة توثيق الأحداث، لأن الأمر يتضمن إعادة إحياء الألم مرة أخرى، كيف لضحية أن توثق ألم ضحية أخرى؟ هذا عبء نفسي كبير".
مضيفة أن جهة التوثيق تعتمد على مختصين قادرين على التعامل مع الصدمات النفسية، والانهيار العصبي الذي قد يتعرض له الفرد، "أن تنظر إلى صور أحبائك المعذبين ليس بالأمر الهين، ولهذا كانت هناك ضرورة لاستخدام شخص قادر على الإسعاف النفسي".
"عمل مكثف ولكن ضيق وقت"
تعكف الرابطة على إجراء العديد من التدريبات للأعضاء من أجل تأهيلهم، بالتعاون مع مؤسسات سورية، "حصلت على تدريبات حول كيفية اكتساب المناصرة، وذلك لأتمكن من فهم آلية توصيل أفكار الرابطة من خلال الفعاليات، كما تذكر أمل.
فيما اجتمع الأعضاء مع صناع القرار من بينهم مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون العدل في باريس، وذلك لتفعيل مبدأ الولاية القضائية في فرنسا، كما تذكر ياسمين، مشيرة إلى أن لقاءات أخرى جمعتهم مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، وكذلك زيارة لمحكمة الجنايات، "هذه الزيارات تأتي كمحاولة للضغط على الرأي العام باعتبارنا أهالي الضحايا".
ولكن عمل الرابطة كما تشيران أمل وياسمين، ليس بالهين، إذ رغم تسجيلها قانونيا، إلا أن مركز العمل في ألمانيا لايزال يفرض عليهم الالتزام بالإجراءات المتعلقة بدمج اللاجئين، والذي تعتبره ياسمين سببا لاستهلاك جهدها، "التفرغ للرابطة مهم، هذا ليس بالعمل السهل، واضطرارنا للتعامل مع الآليات البيروقراطية حاليا يجعل من تركيزنا مشتتا"، ومع هذا فهي تخشى أن يكون التركيز على الرابطة فقط سببا لعدم إمكانية الحصول على وظيفة في ألمانيا مستقبلا.
وجدير بالذكر أن ضابطين سابقين من أجهزة المخابرات السورية، مثلا أمام القضاء الألماني، في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي. وهي أول محاكمة في جرائم حرب ارتكبها ضباط سوريون أمام القضاء الألماني. المتهمان انشقا عن النظام السوري وطلبا اللجوء في ألمانيا.
مرام سالم - مهاجر نيوز