عالم الآثار الألماني ديترش فيلدونغ: "مهد الحضارة المصرية في السودان!"
٥ يناير ٢٠٠٧يرتبط عادة ذكر السودان بالصراعات المسلحة ومعاناة اللاجئين، الأمر الذي يلقى بظلال قاتمة على الكثير من الشؤون الأخرى في أكبر بلدان القارة السوداء مساحة والتي يمكن أن تشكل نقطة مضيئة في القارة السوداء. وفي هذا السياق تعد الحفريات الأثرية في شمال السودان مثالا حيا على النشاط التاريخي، بعيدا عن الحروب وويلاتها. فقد تم بمساعدة ألمانية البدء بأعمال التنقيب الأثرية في المنطقة، التي تضم الكثير من مرفقات أحد المعابد القديمة. ومن المتوقع أن توضع هذه المعابد على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو" للمواقع الأثرية، الأمر الذي بث الأمل لدى الكثير من السودانيين في أن يسهم هذا الإجراء في تشجيع قطاع السياحة في بلدهم. وتتسم هذه المعابد التي يتم التنقيب عنها بأهمية أثرية كبيرة، إذ تقدم الكثير من التفاصيل الجديدة عن العلاقة بين المناطق في السودان الحالية من جهة وبين مصر اليوم من جانب آخر أثناء العصور الغابرة.
حفريات ألمانية في نقعة
يعمل في منطقة فريق من العاملين في حقل الآثار من الألمان تحت إشراف البروفسور الألماني ديترش فيلدونغ، مدير المتحف المصري في برلين، وذلك منذ أكثر من عشر سنوات. وعن طبيعة أعمال بعثة الآثار الألمانية الحالية يقول فيلدونغ: "عندما بدأنا بالحفر، وجدنا الكثير من المفاجآت، فقد اكتشفنا أن جميع أعمدة المعبد قد تحطمت ولم نجد سوى سبعة أعمدة ملقاة على أرضية المعبد، وقد اكتست بالرسوم البارزة والنقوش". وخلال السنوات الماضية نجح الفريق الألماني بإعادة نصب خمسة منها. الجدير بالذكر أن الدراسات التي قدمها الفريق الألماني تشير إلى أن المعبد كان قد انهار عقب هزة أرضية ضربت المنقطة في احدى الفترات التاريخية.
يذكر هنا أن عالم الآثار الألماني ريتشارد ليبسيوس (1810-1884) كان أول من كشف عن وجود مواقع أثرية تحت رمال الصحراء في الشمال السوداني، وذلك خلال قيادته لبعثة استكشاف أثرية ألمانية في عام 1843 إلى كل من مصر والسودان، بتكليف من الملك فريدرش فيلهلم الرابع. وبسبب وعورة المنطقة لم يقدم أحد طوال هذه الفترة على التنقيب في منطقة المعابد في نقعة.
معبد الإله "آمون" والجذور الإفريقية
يعد معبد الإله "آمون" في منطقة نقعة من الشواهد التاريخية القيمة في النوبة، التي تؤكد وجود مملكة مستقلة في منطقة النوبة، الممتدة من أسوان المصرية إلى شمال السودان قبل أكثر من ألفي عام، أطلق عليها قدماء المصريين بلاد "كوش"، وهو الاسم الذي ورد كذلك في الإنجيل. وأوضح عالم الآثار فيلدونغ بأن النتائج التي توصل إليها الفريق "غيرت كل قناعاته" المتصلة بعدد من الحقائق التاريخية، لأنه يعتقد الآن أن جذور الحضارة المصرية القديمة تقع في السودان اليوم وليس في مصر. وفي هذا السياق أضاف عالم الآثار الألماني: "اكتشفنا هنا الجذور الأفريقية للحضارة المصرية وهذا سيعطي صورة جديدة ليس للسودان بوصفه أحد الحضارات الكبيرة القديمة فحسب، بل سيقدم صورة أخرى لمصر".