بعد عام على صدور المرسوم الإيطالي لتحديد عمل سفن الإنقاذ
١٧ نوفمبر ٢٠٢٣في صباح يوم الأحد، 5 تشرين الثاني/نوفمبر، كانت سفينة "جيو بارنتس" تبحر باتجاه ميناء باري الإيطالي، في منطقة بوليا، جنوب البلاد. ففي اليوم السابق، أنقذ الطاقم 30 مهاجرا على بعد حوالي 50 كيلومترا من الساحل الليبي.
بمغادرتها منطقة البحث والإنقاذ، أضحت المنطقة خالية من سفن الإنقاذ الإنسانية، باستثناء بعض جولات استطلاع طائرة "كوليبري 2"، التابعة لمنظمة "الطيارون المتطوعون" غير الحكومية.
المرسوم الإيطالي
في 28 كانون الأول/ديسمبر 2022، صادقت الحكومة على مرسوم "بيانتيدوسي"، الذي سمي على اسم وزير الداخلية الإيطالي. وبعد ثلاثة أشهر، بدأ تطبيق القانون الذي قدم سلسلة من الإجراءات الجديدة التي تحكم أنشطة سفن الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط.
على رأس هذه الإجراءات، إلزام سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية بالتوجه "دون تأخير" إلى ميناء الإنزال الذي تحدده السلطات الإيطالية، فور إنجاز عملية الإنقاذ الأولى. وذلك بخلاف ما كان يحدث قبل المرسوم، حيث اعتادت السفن على إبلاغ روما بتنفيذ عملية الإنقاذ، لكنها كانت تبقى في المنطقة في انتظار تحديد ميناء آمن لإنزال المهاجرين، ولمساعدة قوارب أخرى للمهاجرين.
نترك المنطقة فارغة تماماً، في ظل تخلي الدول الأوروبية عن مسؤولياتها
وعلى الرغم من أن القانون الحالي لا يزال يسمح للعاملين في المجال الإنساني بتنفيذ عملية إغاثة ثانية على طريق العودة إلى إيطاليا، إلا أن هذه الفرق لا تستطيع تنفيذ ذلك إلا بأمر أو بموافقة من السلطات الإيطالية، وبناء على ذلك، أصبحت عمليات الإنقاذ الإضافية نادرة جداً خلال العام الماضي.
تؤكد مارغو بيرنارد، نائبة منسق المشروع على متن سفينة "جيو بارنتس" التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، "في معظم الأوقات اليوم، لا يمكننا القيام إلا بعملية إنقاذ واحدة، على الرغم من أن لدينا قاربا يتمتع بقدرة استيعاب كبيرة (تبلغ سعة جيو بارنتس 500 شخص). بالإضافة إلى ذلك، وبسبب إلزامنا بمغادرة منطقة البحث والإنقاذ مباشرة بعد عملية الإنقاذ الأولى، فإننا نترك المنطقة فارغة تماماً، في ظل تخلي الدول الأوروبية عن مسؤولياتها في عمليات الإنقاذ في البحر".
وتضيف "تشكل هذه التعقيدات مصدر إحباط كبير بالنسبة لنا، خاصة وأنها تزيد من مخاوفنا إزاء زيادة حوادث غرق السفن غير المرئية"، في إشارة إلى ما يعرف بقوارب "الشبح" التي تغرق في البحر دون أن يعلم أحد.
في كل عام، ووفقا لما تؤكده أيضا المنظمة الدولية للهجرة، لا يمكن تسجيل العديد من حوادث غرق السفن، مشيرة إلى "العثور بانتظام على مئات الجثث والرفات على الساحل الليبي".
"أيام وأيام" من الإبحار
وبالإضافة إلى "العجز" الناجم عن عدم القدرة على فعل المزيد، فإن هذا الأمر الإلزامي بالعودة إلى ميناء الإنزال بعد كل عملية إنقاذ يكلف المنظمات غير الحكومية الكثير من الوقت.
تضيف برنارد "إننا نقضي أياما وأياما في الإبحار بين الموانئ الإيطالية ومنطقة البحث والإنقاذ". في عام 2023، أمضت "جيو بارنتس" ما مجموعه شهرين تقريبا من الإبحار باتجاه موانئ الإنزال.
من جانبها، أمضت سفينة "أوشن فايكنغ"، التابعة لمنظمة "أس أو أس ميديتيرانيه"، 53 يوما. وهذه المدة تقضيها السفن خارج منطقة البحث والإنقاذ.
كما أن لهذه الأسابيع من الملاحة الإضافية عواقب مالية خطيرة على المنظمات غير الحكومية، التي تنفق المزيد من الوقود لتغطية الكيلومترات.
منذ بداية العام، أنفقت منظمة "أس أو أس ميديتيرانيه" مبلغا إضافيا قدره 500 ألف يورو لتزويد السفينة بالوقود. تعلق سوازيك دوبوي، مديرة عمليات المنظمة التي تتخذ من مرسيليا مقراً لها، بأن هذه التكاليف "من دون احتساب ساعات العمل الإضافية للموظفين، والانبعاثات الكربونية، بزيادة 0,5 طن مقارنة بعام 2022. وهذا يعادل نصف جولة حول العالم".
ومنذ تنفيذ المرسوم، تم تخصيص موانئ إيطالية آمنة للسفن الإنسانية في وسط أو حتى شمال البلاد، على مسافة أبعد بكثير من موانئ صقلية أو لامبيدوزا، نقاط إنزال الناجين المعتادة سابقا. وتأسف مارجو برنارد قائلة "قبل صدور المرسوم، كان الاضطرار إلى التوجه للشمال أمرا نادرا. أما الآن فقد أصبح الأمر منهجيا".
وفي منتصف تشرين الأول/أكتوبر، اضطرت سفينة "جيو بارنتس"، التي لم ترسُ في صقلية هذا العام، إلى الوصول إلى ميناء جنوة، في شمال إيطاليا، لإنزال 63 مهاجراً تم إنقاذهم قبالة سواحل ليبيا. وتبلغ المسافة بين نقطة الإنقاذ والميناء، 1,166 كم، أي ما يعادل المسافة التي تفصل بين باريس وروما.
وفي الأشهر الأخيرة أيضا، اضطرت المنظمات غير الحكومية للذهاب إلى الموانئ الإيطالية على جانب البحر الأدرياتيكي. في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، تم تعيين ميناء أورتونا، في وسط شرق البلاد، لسفينة "أوشن فايكنغ". وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، تم تعيين ميناء رافينا، على بعد 340 كيلومترا شمالا. وبالإضافة إلى أن هاتين المنطقتين بعيدتان جداً عن منطقة البحث والإنقاذ، ما تطلب ستة أيام إضافية من الملاحة للوصول إلى رافينا، فإن الطريق الذي تسلكه سفن الإنقاذ للوصول إلى هذه الموانئ يمنعها من المرور عبر "الممر التونسي" للهجرة، وهي المنطقة التي زادت فيها رحلات مغادرة القوارب منذ الربيع الماضي. ووفقاً لسوازيك دوبوي، فإن "الاحتياجات على هذا الممر هائلة. وعندما ترسل لنا منصة هاتف الإنذار طلبات الاستغاثة، فإننا غالبا ما نكون بعيدين جداً، على الجانب الآخر من إيطاليا".
الغرامات والاحتجازات
وفي حالة انتهاك هذه القواعد التقييدية الجديدة، تتعرض المنظمات غير الحكومية لعقوبات شديدة، مما يزيد من عرقلة أنشطتها. وفي آب/أغسطس، صادرت السلطات الإيطالية قارب منظمة "أوبن آرمز" الإسبانية غير الحكومية، بالإضافة إلى سفن جمعية "سي ووتش"، و"سي آي 4" و"أورورا". السفينة الأولى تعرضت لاحتجاز إداري لمدة 20 يوما في ميناء كرارا الإيطالي شمال إيطاليا، وغرامة قدرها 10 آلاف يورو. والثانية، تلقت غرامة قدرها 3,000 يورو واحتجاز مماثل في ساليرنو، بعد إنزال 114 مهاجرا كانت السفينة قد أنقذتهم في ثلاث عمليات إنقاذ منفصلة في وسط البحر الأبيض المتوسط، وبما أن القانون يسمح للسفن بتنفيذ عملية إنقاذ واحدة، تمت معاقبة السفينة.
تم أيضا احتجاز سفينة "أورورا" بسبب عصيانها للسلطات الإيطالية، فقد رست السفينة في لامبيدوزا وعلى متنها 72 مهاجراً، على الرغم من تخصيص ميناء تراباني الصقلي لها. وكان عمال الإغاثة قد جادلوا بأن قاربهم الصغير لم يكن مجهزاً للسفر لهذه المسافة الطويلة وعلى متنه هذا العدد الكبير من الأشخاص، وأن جزيرة لامبيدوزا كانت أقرب بكثير.
وبعد مرور ما يقرب من عام على نشر المرسوم، لا تخفي المنظمات غير الحكومية مخاوفها بشأن المستقبل. تقول سوازيك دوبوي "نقوم بعمليات أقل من الماضي، ونواجه دائما هذه المعضلة: إما اتباع أوامر روما بأي ثمن، أو احترام القانون البحري الدولي الذي يتطلب منا إنقاذ أي قارب في محنة. إنه أمر متعب، وقبل كل شيء، لا يتوافق مع مهمتنا".
بالنسبة لمارجو برنارد أيضا، فإن "لدينا أسباب واضحة للخوف، فعندما نرى إلى أي مدى تركز الحكومة الإيطالية علينا، على الرغم من أن منظمات الإنقاذ غير الحكومية لا تتسبب بوصول سوى 10% من المهاجرين إلى البلاد. يتم تركيز النقاشات حول سفن الإنقاذ الإنسانية، لكن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو ما الذي من المفروض فعله لمنع آلاف الأشخاص من الموت في البحر؟".
ومنذ بداية العام، لقي 2,187 مهاجراً حتفهم على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، من بينهم 79 طفلاً.