عبير سعدي: الصحافة في مصر باتت مهنة البحث عن القتل!
٢٨ فبراير ٢٠١٤DW عربية: لنتكلم عن أسباب تجميدك لعضويتك بمجلس النقابة، ما الذي دفعك لاتخاذ هذا الموقف؟
عبير سعدي: النقابة الآن تتعامل كجندي إنقاذ. مع كل الاحترام للمجلس وللنقيب، لكن جميع التحركات فردية، مع أن الوضع أصبح يحتاج لفعل أكبر من ذلك، خاصة أننا كنّا نأخذ هذه التحركات في أزمنة أخرى.. هناك غياب للفعل المؤسسي، هذه النقابة عمرها أكثر من سبعين عاماً، وما يصدر عنها اليوم لا يتناسب مع ذلك. هناك نوع من التراخي، على الأقل من الممكن تنظيم مؤتمر صحفي كبير، لوضع الأمور في نصابها، أو تنظيم مسيرات مثلا، ونبدأ بالضغط على السلطة والمسؤولين للتحقيق في أحداث مقتل زملاء أثناء ممارستهم لعملهم، وتكون النقابة طرفا فاعلا في هذه التحقيقات. مصر تمر بمرحلة انتقالية، وأنا أتفهم ذلك، لكن في لحظة معينة سيلتفت الصحفيين خلفهم ليسألوا من الذي أهدر حقهم، والتاريخ لا ينسى.. هذه مهنة البحث عن المتاعب وليست مهنة البحث عن القتل!
هل تعتبرين أن مواقف نقابة الصحفيين مسيسة؟
أريد في البداية أن أوضح أنني شخص غير مسيس، لا علاقة لي من قريب أو بعيد بالسياسة، ومنطلقاتي ليست سياسية. أريد أن أنتصر للمهنة لأن حياة الصحفي تستحق أن تحترم، وأتحدث، الآن، وأنا أجلس على مقعد زميل استشهد في منتصف أغسطس / آب الماضي، حينما كان يقوم بعمله الصحفي. ورغم كل الأوضاع ينبغي أن نصرّ على أننا في دولة قانون ونرفض إفلات من قتلوا الصحفيين من العقاب، وهذا لن يحدث إلا بموقف نقابي حقيقي.
من الناحية المهنية كيف تقيمين ظروف ممارسة المهنة في مصر اليوم؟
مخطىء من يعتقد أن الوضع في مصر جيد، ومن يفعل ذلك فكأنه يدفن رأسه في الرمال.الوضع في مصر خطير بالنسبة لأي صحفي، لا أقول ذلك كوكيل لنقابة الصحفيين فقط، ولكن كمدربة سلامة مهنية، ومراسلة حربية أيضاً، حيث أصبحت المواجهات والاشتباكات تصل لمرحلة حرب الشوراع، وهو من أخطر الأوضاع بالنسبة للسلامة المهنية. في اللحظة التي يعرف فيها أنك صحفي تكون معرضا للمخاطر، حينها يتم تصنيفك والبحث عن الفصيل الذي تنتمي له، مع الوضع في الاعتبار أن الشارع لا يضم فصيلين فقط، وإنما في حالة تغطية مظاهرة ستجد أن هناك المتظاهر سواء المعارض أو المؤيد وقوات الأمن، جيش أو شرطة أو أجهزة أمنية أخرى، سواء بملابس مدنية أو ملابس رسمية. هناك أيضاً البائع الجائل وما يعرف بالمواطنين الشرفاء (وهي فئة من المواطنين تتطوع بالقبض على المتظاهرين وتعذيب بعضهم حتى يتم تسليمهم للجهات الأمنية)، ويمكن أن نضع في اعتبارنا المتحرش واللص والمتفرج كذلك...كل من ذكرتهم أصبحوا جزءاً من المخاطر التي يتعرض لها الصحفي لأنك لا تعلم موقف هؤلاء منه، وكذلك لا تعلم من أين ستأتي الرصاصة!
حرية الصحافة تتراجع الآن، حسب العديد من التقارير الدولية، ما تعليقك؟
إذا كنا نتكلم عن حرية التعبير، فمن الأولى أن نتكلم عن الحق في الحياة. نحن انحدرنا في الحقوق، حينما يموت ثمانية من الصحفيين في الفترة بين 27 يونيو/ حزيران إلى 20 سبتمبر/ أيلول من عام 2013، أي في أقل من ثلاثة أشهر، فهذا معدل وضع مصر، في المرتبة الثالثة عالمياً في عدد القتلى من الصحفيين بعد سوريا والعراق، ولنا أن نعلم أن لجنة حماية الصحفيين لم تحتسب الصحفية حبيبة عبد العزيز ضحية فض اعتصام ساحة رابعة العدوية، لأن الصحيفة الإماراتية تبرأت منها، وقالت إن "حبيبة" كانت في إجازة، ولم تكن تمارس عملها، رغم وفاتها وهي ممسكة بالكاميرا. كما أن شركات التأمين أصبحت لا تؤمن على حياة الصحفي، والمؤسسات الصحفية والإعلامية لا توفر معدات السلامة له، والأجهزة الأمنية لا تحميه، بل يتم القبض عليه بسبب حيازته لكاميرا مثلا وهي تهمة غريبة، أو تلفيق التهم واحتجاز الصحفيين والاعتداء عليهم هذا في حالة الصحفي المحلى، أما لو كان عربياً أو أجنبيا فستكون كارثة أكبر.
تكلمت عن الحق في الحياة وهو بالتأكيد أمر هام، لكن على الصعيد المهني ما تقييمك لحرية الصحافة؟
بعد إقرار الدستور الجديد كانت أول خطوة هي تحويل خمسة من الصحفيين بتهة إهانة القضاء والسب والقذف، حيث كتبت الصحفية الكبيرة تهاني إبراهيم (الوفد) تنتقد بطء وزير العدل المصري، وتحثه للرد على مسألة المكافآت التي يتلقاها، وفقاً لما صدر عن جهاز "الرقابة الإدارية" ورئيسها المستشار هشام جنينة. مقال "إبراهيم" كان بعنوان "اخلع وشاحك يا وزير العدل" بمعنى، أنه بعدما صار وزيراً (مسئول تنفيذي) وترك منصة القضاة، ينبغي أن يعرف المجتمع حقيقة هذا الموضوع خاصة أن الوزارة ستشرف على تنفيذ خارطة الطريق وتحديداً الانتخابات الرئاسية المقبلة. هكذا صار الصحفي يدفع ثمن ممارسته للمهنة، وليس حتي قيامه بنقد مسؤول!
من وجهة نظرك متي بدأ التراجع سواء فيما يخص استهداف الصحفيين أو مسألة الحريات؟ مع بداية المرحلة الانتقالية الحالية أم قبل ذلك؟
لم يحدث قتل للصحفيين إلا مع أحداث الثورة، كانت البداية بمقتل الزميل أحمد محمود (الأهرام)، الذي صور الضابط الذي أطلق الرصاص عليه يوم 29 يناير/ كانون ثاني 2011، واستمر مع مقتل الزميل الحسيني أبو ضيف، في ديسمبر/ كانون أول 2012، الرصاصة جاءت من ناحية الإخوان، ورغم انتشار الكاميرات حول القصر الرئاسي المصري لم يحدد المسؤول جنائياً، بينما المحاكمة القائمة سياسية، وكان أهل أبو ضيف قد طالبوا أكثر من مرة بأن تكون المحاكمة جنائية. كما أن هناك العشرات من الصحفيين الذين فقدوا أعينهم في أحداث محمد محمود( نوفمبر/ تشرين ثاني 2011)، وإفلات المسؤولين عن هذه الجرائم هو سبب استمرارها، خاصة أن البيئة التي يعمل بها الصحفي أصبحت بيئة معادية والشارع يزداد عنفاً.
حاليا الإعلام منحاز إلى حد ما، وهناك حالة من التأييد المفرط لسياسات الدولة.ما تعليقك؟ وهل تعتبرين أن الإعلام المصري يعبر عن المجتمع؟
أريد في البداية أن أتوقف عند موقف حدث بالفعل حينما هدد أحد الضباط مراسل تليفزيوني، يعمل بإحدى القنوات المصرية بأنه إذا لم يتوقف عن التصوير سيخبر الناس بأنه يعمل لدى قناة "يكرهها الشارع المصري"، الموقف السابق يعبر عن حالة توجيه الكراهية والتلاعب بها وهو أمر خطير، لكن بشكل عام أعتبر أن الوضع في مصر أقرب لشخص أمام المرآة لا يرضى عن انعكاس شكله، فيكون أمامه حل من اثنين إما أن يكسر هذا السطح العاكس أو أن يحاول تغيير صورته، وهذا ما يحدث الآن حيث يرفض المجتمع صورته القبيحة بممارسة العنف ضد الصحفي بالشارع. وأعتقد أن الإعلام المصري يعبر عن مناخ العنف القائم، على الأقل، وإن كانت بعض وسائل الإعلام مسئولة عن وجود هذا المناخ لأنها تبث مواد تحض على الكراهية.. لهذا ينبغي أن نتوحد كجماعة صحافية لأن سمعتنا أصبحت على المحك.