علاء الأسواني: كيف نتعامل مع نتائج الاستفتاء؟!
٢٣ أبريل ٢٠١٩منذ أيام أجرى نظام السيسي استفتاء على عدة تعديلات سيدخلها على الدستور المصري وقبل أن يتم إعلان نتيجة الاستفتاء يجب أن نتذكر الحقائق التالية:
أولاً: الدستور المصري يمنع رئيس الجمهورية من أن يتجاوز في الحكم مدتين رئاسيتين، كل مدة منهما أربع سنوات، والدستور يمنع تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية (مادة 226) وهو يشترط عند إجراء الاستفتاء على أكثر من مسألة أن يتم التصويت على كل مسألة على حدة (مادة 157). وهكذا فإن التعديلات التي أجراها الرئيس السيسي باطلة تماما وغير دستورية أولا، لأنها غيرت المدة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلا من 4 سنوات وسمحت للسيسي بالترشح مرة أخرى بعد مدتين رئاسيتين، كما أنها أجرت الاستفتاء على عدة مسائل في تصويت واحد. هاتان المخالفتان الصريحتان لتصوص الدستور تنزعان الشرعية عن هذا الاستفتاء والتعديلات التي يقترحها مما يجعلهم، بلغة القانون، هم والعدم سواء.
ثانياً: يفترض في الانتخابات والاستفتاءات - إذا كانت ديمقراطية - أن يتاح للمواطنين جميعا فرصة متكافئة في التعبير عن آرائهم وهذا لم يتوفر إطلاقا فقد تم منع أى مواطن رافض للتعديلات من إبداء وجهة نظره في الإعلام وتم القبض على كل من رفع لافتة ترفض التعديلات ثم عملت ماكينة الدعاية الإعلامية الجبارة على الترويج للتعديلات وتم ربطها بحب الوطن والانتصار على الأعداء وجند النظام المطربين فصنعوا أغاني تحث المواطنين على الموافقة على التعديلات. كل ذلك ينزع الشرعية عن الاستفتاء لانعدام تكافوء فرص التعبير بين الموافقين والرافضين.
ثالثاً: الانتخابات أو الاستفتاءات الديمقراطية يجب أن تتم في ظل سيادة القانون واحترام الحريات والحالة في مصر على العكس من ذلك. مصر محكومة بقانون الطوارئ ونظام السيسي يمارس قمعا غير مسبوق ضد المعارضين السياسيين. وفقا لتقرير منظمة "هيومان رايتس وتش" يوجد في مصر 60 ألف معتقل سياسي وهناك تقارير عديدة من منظمات دولية أثبتت حدوث تعذيب وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. هذا الجو القمعي السائد في مصر ينزع الشرعية عن أي استفتاء أو انتخابات.
رابعاً: يفترض في أية عملية ديمقراطية أن يتم الاقتراع وفقا للإرادة الحرة للناخبين وأثناء الاستفتاء توفرت أدلة عديدة - بالصوت والصورة - على إرغام المواطنين على التصويت. كان ضباط الشرطة يستوقفون ركاب الميكروباس ويصادرون بطاقاتهم الشخصية ثم يجبرونهم على التصويت. أضف إلى ذلك الموظفين في الوزارات والمصالح الحكومية الذين تم اجبارهم على التصويت والفلاحين الذين صوتوا بعد تهديدهم بالغاء بطاقاتهم التموينية (التي تمكنهم من شراء المواد التموينية بسعر مدعم). أما أصحاب المحلات التجارية فقد كان ضباط المباحث يرغمونهم على دفع مبالغ مالية يستعملونها في عمل لافتات تأييد للرئيس السيسي تدعو الناس للموافقة على التعديلات. هذا الاجبار على التصويت وتأييد التعديلات ينزع عن الاستفتاء شرعيته.
خامساً: الرشاوى الانتخابية في أي نظام ديمقراطي تستوجب إلغاء العملية الانتخابية وإعادتها وأثناء الاستفتاء تم تقديم رشاوى للمواطنين من أجل الموافقة على التعديلات وهناك عشرات الفيديوهات التي تثبت شراء الحكومة لأصوات الفقراء حيث كان المواطن بعد إدلائه بصوته يحصل على كوبون من شخص جالس أمام اللجنة وبموجب الكوبون يذهب لاستلام كرتونة تحتوى على زيت وسكر وسمن.
أضف الى ذلك الرشاوى التي قدمها رؤساء الجامعات للطلاب وهناك تسجيل فيديو لرئيس جامعة القاهرة (وقد اعترف به) وهو يعد الطلاب - إذا شاركوا في الاستفتاء - بإعفائهم من المصروفات المتأخرة ومنحهم 5 في المائة من الدرجات كهدية واعتبارهم ناجحين إذا كانوا راسبين في مادتين. هذه الرشاوى المسجلة بالصوت والصورة تبطل عملية الاستفتاء.
سادساً: الحكومات المصرية المتعاقبة لها تاريخ طويل في تزوير الانتخابات مما كان يستوجب وجود مراقبة الدولية لعملية الاستفتاء لكن الحكومة لم تسمح للمنظمات الدولية بمراقبة الاستفتاء مما يجعل نتائج الاستفتاء محل شك بالإضافة إلى عدم شرعيته.
كيف نتعامل مع نتائج الاستفتاء؟
من الناحية القانون والدستور فإن هذا الاستفتاء بلا قيمة ولا شرعية. مصر الآن دولة يحكمها ديكتاتور عسكري يمارس على الشعب قمعا غير مسبوق ولا يسمح بأي نوع من المعارضة أو حتى الاختلاف في الرأي و يجمع في يده كل مقاليد الأمور وكأنه امبراطور أو سلطان ويتصرف في أمور الدولة وكأنها من أملاكه الخاصة، وهو يمنع عن الشعب حقه في المشاركة في القرار أو معرفة ما يحدث في بلاده.
البرلمان في مصر هيئة تم اختيار أعضائها في مكاتب المخابرات وبالتالي فهو لا يعبر عن إرادة الشعب وإنما ينفذ رغبات الرئيس والإعلام بكل وسائله واقع تماما تحت سيطرة النظام. هذا الاستفتاء الباطل لا يجب أن يؤثر على إرادتنا وتصميمنا على تحرير بلادنا من الديكتاتورية. أهدافنا لم تتغير لأنها أهداف الثورة: تحقيق سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان المصري والعدل الاجتماعي والتداول السلمي للسلطة.
مهما أمعن الديكتاتور في قمع الشعب ومهما عبث بالدستور حتى يستمر في الحكم فإنه يستحيل أن يقضي على أشواق الناس للحرية والعدل والحياة الكريمة. إن الموجات الثورية العظيمة التى تحدث الآن في السودان والجزائر تقدم دليلا قاطعا على أن الثورة العربية مستمرة وإذا تم تعطيلها مؤقتا في بلد فإنها سرعان ما تندلع في بلد آخر. الثورة حلم ووعي والديكتاتور يستطيع أن يعتقل الناس ويعذبهم ويقتلهم لكنه لن يتمكن أبدا من القضاء على وعيهم وأحلامهم. الثورة مستمرة ولسوف تنتصر وإن غدا لناظره قريب.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.