علاء الأسواني: مطلوب كومبارس بأجر مغر...
٩ مايو ٢٠١٧تنقسم الشخصيات المسرحية إلى ثلاثة أنواع: رئيسية وثانوية وكومبارس. الكومبارس ممثل يقوم بدور صغير تافه وبرغم ذلك فإن وجوده ضروري. إذا غاب الكومبارس فمن سيقدم لبطل المسرحية القهوة ومن سيخبره أن حبيبته تنتظره في الخارج، وإذا تشاجر البطل ليظهر لنا قوته فمن سيتلقى الضربات سوى الكومبارس. بدون الكومبارس تفسد أى مسرحية.
هذه حقيقة معروفة في المسرح وفي السياسة أيضا. تم إعلان الجمهورية في مصر يوم 18 يونيو/ حزيران 1953 ومنذ ذلك اليوم لم تشهد مصر انتخابات رئاسية حقيقية. اخترع النظام الناصري الاستفتاءات التي يفوز فيها الزعيم بنسبة 99 في المائة بينما يعلم الجميع وأولهم الزعيم أن نتائج الاستفتاء مزورة. في عام 2005 أجرى مبارك تغييرا شكليا واستبدل بالاستفتاء انتخابات رئاسية كانت مسرحية سخيفة تم خلالها تعيين مرشحين كومبارس حتى يفوز مبارك عليهم.
بعد ثورة يناير حدثت الانتخابات الوحيدة التي أخذها المصريون على محمل الجد وأدت إلى وصول مرسي مرشح الإخوان إلى الرئاسة. حتى هذه الانتخابات تظهر الآن أدلة كثيرة على أن أجهزة الأمن تلاعبت بنتائجها في كل مراحلها. لماذا لم تشهد مصر انتخابات رئاسية حقيقية على مدى أكثر من ستين عاما؟ الإجابة لأن الجيش يحتكر السلطة في مصر وهو لايسمح إلا للمرشح الذي يختاره بتولي الرئاسة بل أن الجيش يختار الرئيس أولا ثم يقيم له الانتخابات بعد ذلك. من أجل إجراء انتخابات رئاسية نزيهة في أي بلد لابد من توفر الشروط الآتية:
أولا: سيادة القانون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكن إجراء انتخابات في ظل قانون الطواريء الذي يعطي الحق لوزارة الداخلية (المنحازة بالطبع للرئيس) في اعتقال المعارضين وتلفيق التهم لهم، ولا يمكن إجراء انتخابات نزيهة في ظل قوانين قمعية مثل قانون التظاهر الذي سيمكن الشرطة من القبض على مناصري أي مرشح وإلقائهم في السجن سنوات أو حبسهم احتياطيا لمدة أعوام بلا محاكمة.
ثانيا: حياد الدولة
ـــــــــــــــــــــــــ
في الدول الديمقراطية تقف أجهزة الدولة على مسافة متساوية من كل المرشحين للرئاسة. أما في مصر فإن الرئيس الحالي سيفوز، كالعادة، بدعم الدولة بكل هيئاتها بدءا من الوزارات التي سترغم موظفيها على التصوبت لصالحه وتنظيم مسيرات المبايعة إلى بيته، إلى الشرطة التي ستقبض على أنصار منافسيه وتترك مؤيديه إلى الجيش الذي كانت حملة السيسي تدار من مقراته بل أن قيادة الجيش في عام 2014 أعلنت تفويضها للسيسي كمرشح وبذلك فقدت الانتخابات معناها، فمن يستطيع أن يقف أمام مرشح الجيش؟ وهل الجيش حزب سياسي حتى يفوض مرشحا؟ ثم كيف يثق الناس في انتخابات ينظمها الجيش ويخوضها مرشح الجيش ضد آخرين؟ إذا لم تقف الدولة على الحياد فلا معنى لإجراء الانتخابات.
ثالثا: استقلال القضاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
لايمكن إجراء انتخابات رئاسية جدية إلا في ظل قضاء مستقل. مع احترامي للقضاء المصري الشامخ فإن معايير الاستقلال الدولية لا تنطبق عليه، حيث إن التفتيش القضائي الذي يحاسب القضاة إدارة في وزارة العدل يعين رئيسها وزير العدل الذي يعينه رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى القانون الذي صدر مؤخرا الذي يعطي الرئيس حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية، مما يفرض سيطرة الرئيس على القضاء المصري.
رابعا: تكافؤ الفرص
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الدول الديمقراطية تصدر تشريعات تنظم الانتخابات الرئاسية بحيث ينال كل المرشحين فرصا متساوية في عرض أفكارهم وبرامجهم في الإعلام:
الإعلام المصري واقع تماما في قبضة أجهزة الأمن وقد تمت الاستعانة بمجموعة شتامين لا علاقة لهم بالإعلام ليكونوا بمثابة الأذرع الإعلامية للنظام، فتم إعطاؤهم برامج تليفزيونية يومية بالساعات لكي يهينوا أي معارض للسيسي ويشتموا أهله ويتهموه بالخيانة. هؤلاء الشتامون يتمتعون بحماية قانونية فكل بلاغات القذف والسب التي قدمت ضدهم تم حفظها. الإعلام بهذا الشكل لا يمكن أن يسمح بمعركة متكافئة في انتخابات رئاسية نزيهة.
خامسا: شفافية المعلومات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرئيس السيسي لم يقدم حتى الآن إقرار الذمة المالية كما ينص الدستور ولا يملك أحد أن يعترض على ذلك ولا حتى أن يسأل عن ثروة السيسي كما يحدث مع كل مرشح رئاسي بل أن الرئيس قد صنع قانونا يجعل من حقه أن يعين رؤساء الهيئات الرقابية، فهل يمكن لرئيس هيئة رقابية عينه السيسي أن يراقب السيسي..؟ الإجابة معروفة ومن يخرج عن إرادة السيسي ينتظره مصير المستشار الجليل هشام جنينه. إن سيطرة السيسي على الأجهزة الرقابية لا تسمح بشفافية المعلومات وهي شرط أساسي لأي انتخابات نزيهة.
سادسا: الرقابة الشعبية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفترض في النظام الديمقراطي أن يمارس البرلمان دوره الرقابي على السلطة التنفيذية. للأسف البرلمان الحالي تم إعداده بالكامل في مكاتب المخابرات وأمن الدولة مما جعله لا يمثل إرادة المصريين وفي غياب برلمان حقيقي لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية نزيهة.
هذه الشروط الأساسية لإجراء أي انتخابات رئاسية حقيقية وإذا أجريت الانتخابات في غيابها ستتحول إلى مسرحية سخيفة كتلك التي شهدتها مصر على مدى عقود من الحكم العسكري. إن السلطة تبحث الآن بحماس عن كومبارس ليرشح نفسه ضد السيسي الذي سيفوز عليه بأغلبية ساحقة. إذا دفعنا بمرشح رئاسي، مهما يكن كفئا ومخلصا، قبل تحقيق الحد الأدنى من الضمانات الديمقراطية، نكون قد أعطينا النظام الكومبارس الذي يبحث عنه. إما أن تتوفر الشروط الديمقراطية أو فلنقاطع الانتخابات ونتركهم يجلبون الكومبارس بمعرفتهم.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.